تقلص حراك طلاب جامعات تونس الرافض للعدوان على غزة

27 مايو 2024
طلاب تونس في تظاهرة تضامن مع غزة (حسن مراد/ Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- في تونس، قاد الطلاب تحركات احتجاجية تضامنًا مع غزة، مشاركين في جمع التبرعات وتنظيم وقفات احتجاجية دون تعطيل الدروس أو مواجهة قمع أمني، ما يعكس تغير في طبيعة التحركات الطلابية.
- التحركات الطلابية تاريخيًا كانت تحت تأثير الأحزاب القومية وتواجه القمع، لكن بعد الثورة، رغم استعادة بعض الزخم، ظل النشاط محصورًا في الدفاع عن حقوق الطلبة دون العودة للدور القوي في القضايا العربية.
- الطلاب في تونس لا يزالون نشطين سياسيًا، خاصة في دعم فلسطين، مع مشاركة الاتحاد العام التونسي للطلبة في التحركات الاحتجاجية داخل وخارج الجامعات، محافظين على سلمية التحركات وتجنب القمع.

شهدت تونس على غرار العديد من الدول العربية تحركات احتجاجية داخل الجامعات منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وتأجج حراك الطلاب مع ارتفاع أعداد الضحايا، لكن لم تخرج تلك التحركات عن سياق الوقفات التضامنية التي انخرطت فيها مكونات المجتمع التونسي، فلم تشهد الجامعات تعطيلاً للدروس، كما لم تشهد أي قمع أمني، على خلاف ما كان يجري في ستينيات القرن الماضي وسبعينياته.
وكان الطلبة أول المبادرين إلى جمع التبرعات والمساعدات لأهالي غزة، كما كانوا بين أبرز منظمي الوقفات الاحتجاجية أمام البرلمان للمطالبة بتسريع المصادقة على قانون "تجريم التطبيع"، وبادر الاتحاد العام التونسي للطلبة بتنظيم ملتقى وطنيّ في يناير/كانون الثاني الماضي، بالتزامن مع مرور مائة يوم على الحرب في غزة.

يقول الأكاديمي حسان بن محمد علي لـ"العربي الجديد"، إنّ "التحركات الطلابية في فترة السبعينيات كانت لا تخرج عن سياق التأطير الحزبي، خصوصاً من الأحزاب القومية، وكان الطلاب المتأثرين بالفكر القومي يناصرون كل القضايا العربية، ويتحركون لدعم أية أحداث في فلسطين أو لبنان أو سورية أو مصر. رغم انقسام الطلاب بين منتمين إلى الاتحاد العام التونسي للطلبة واتحاد طلبة تونس، إلاّ أنّ القضية الفلسطينية ما زالت تجمعهم".
يضيف: "كانت تحرّكاتنا في الماضي غير مقيّدة داخل أسوار الجامعة، رغم أنّها كانت تواجه بالقمع، لكن بعد تقلص دور الأحزاب، وسيطرة ما يعرف بالحزب الواحد على المشهد السياسي في البلاد خلال الثمانينيات والتسعينيات، باتت التحركات الطلابية محصورة داخل الفضاء الجامعي، ولا نشهد تحركات احتجاجية كبيرة في الشوارع، سواء من الطلاب أو المواطنين، وقد أصدر نظام بن علي قراراً بمنع أي نشاط سياسي داخل الجامعات، مما ضيّق على أنشطة النقابات الطلابية المناصرة للقضايا العربية".
يتابع حسان بن محمد علي: "بعد الثورة، بدأ النشاط الطلابي النقابي يستعيد أوجه، خصوصاً بعد عودة نشاط الاتحاد العام التونسي للطلبة داخل الجامعات، لكن نشاط النقابات الطلابية ظل محصوراً في الدفاع عن حقوق الطلبة، أو دعم موقف سياسي معين، مقابل عدم استعادتها لمكانتها في الدفاع عن القضايا العربية كما كان في السابق، واكتفت لبيانات التضامن أول التنديد، وفي العدوان الحالي على غزة، لم نشهد في الشارع سوى بعض التحركات الطلابية التي دامت ساعة أو ساعتين، على عكس ما كنا نشهده خلال السبعينيات رغم القمع وتعرض الطلبة للاعتقال".

مقاومة التطبيع جزء من حراك طلاب تونس (حسن مراد/Getty)
مقاومة التطبيع جزء من حراك طلاب تونس (حسن مراد/ Getty)

وشارك الاتحاد العام التونسي للطلبة في بعض التحركات الاحتجاجية المساندة للقضية الفلسطينية، ولم تكن تحركاته مقتصرة على الجامعات، بل شارك أفراده في احتجاجات الشارع. يقول عضو الاتحاد، سيف المومني، لـ"العربي الجديد": "الاتحاد من بين أكثر الهياكل النقابية الطلابية المتضامنة مع ما يحدث في غزة، وفي فلسطين كلها، وكان حاضراً في كل التظاهرات المنددة بالعدوان على غزة. شارك الطلاب في جميع الجهات في مسيرات التنديد بالمجازر التي ترتكب في القطاع، ولم تتعرّض أي من تلك المسيرات لأي قمع لأنّها كانت سلمية، لكن لا يمكن بالطبع مقارنة تحركات اليوم بالماضي".
ويؤكد عدد من الأكاديميين تصدر الطلبة المشهد العام من خلال التحركات في مناسبات عدة، وقيادتهم العديد منها. ويشير المؤرخ محمد ضيف الله إلى أنّ "الحركة الطلابية التونسية كانت من أنشط الحركات الطلابية العربية طوال القرن العشرين بفضل رافديها المتمثلين في طلبة جامعة الزيتونة، وأقرانهم الدارسين بالجامعات الفرنسية، ورغم اختلاف أصولهما الاجتماعية، فقد جمع بينهما الاهتمام بالنضال ضد الاستعمار، إلّا أنّهما اختلفا من حيث النخبة التي تولدت عنهما، ففي حين ظهرت من بين صفوف الرافد الزيتوني النخبة الثقافية، ظهرت من بين طلبة التعليم العصري النخبة السياسية التي استكملت قيادة الحركة الوطنية، ثم تولت قيادة الدولة".

لم تقابل التحركات الطلابية بقمع أمني (محمد مدالا/الأناضول)
لم تقابل التحركات الطلابية بقمع أمني (محمد مدالا/الأناضول)

بدوره، يؤكد الأكاديمي عبد الرحمان عرفاوي لـ"العربي الجديد"، أنّ "الوقت يلعب دوراً في تراجع حراك الطلاب، فقد اقتربت نهاية السنة الدراسية، والجميع منشغلون بالتحضير للامتحانات، وكانت التحركات في بداية العدوان أكبر، وبلغت أوجها في شهر إبريل/نيسان، عندما نظمت جميع الجامعات التونسية تظاهرة (طوفان الجامعة)، وانخرط الطلاب في عدّة تحركات في الشارع. اليوم، يفصلنا عن نهاية السنة الدراسية شهر واحد، ما قد يفسر تراجع الحراك الطلابي، لكن لا يخفى أنّ حراك الطلاب اليوم ليس بمعزل عن الحركات الاحتجاجية العامة في البلاد المناصرة للقضية الفلسطينية، والتي لم تشهد أي قمع من السلطة".

يتابع عرفاوي: "النظام القمعي في فترة الثمانينيات والتسعينيات قيد الحركات الطلابية، ما حصر نشاطها في المجال النقابي المدافع عن حقوق الطلبة، وكان الانخراط في أي عمل سياسي يعرض الطلاب للاعتقال، أو الطرد من الجامعة. وعاد اتحاد الطلبة للانخراط في الحياة السياسية بعد تحرر الفضاء العام عقب الثورة، وعودة العمل السياسي وتعدد الأحزاب، لكنه لم يملك القدرة على حشد الطلبة وتوحيد صفوفهم مثل ما كان عليه الأمر في الستينيات والسبعينيات".

ويعتبر أن "عودة نشاط الاتحاد العام التونسي للطلبة الذي كان محظوراً قبل الثورة، ساهم بشكل ما في انقسام الطلبة، لكن يظل الطلاب من أكثر الفئات حضوراً في المشهد السياسي. لا يخفى أنّ كل اتحاد طلابي موال أو داعم لحزب ما، وهو ما تترجمه تحركات القضايا الداخلية في الشارع، لكن في القضايا العربية بصفة عامة، تكون صفوف الطلبة واحدة بعيداً عن أي انتماءات حزبية أو فكرية، لكنها لا ترقى إلى ما كانت تشهده الجامعات سابقاً على الرغم من القمع السابق مقارنة بمناخ الحرية الذي نعيشه اليوم".

المساهمون