رصدت مؤسسة حرية الفكر والتعبير، في تقريرها ربع السنوي عن حرية الفكر والتعبير في مصر، في الفترة الممتدة من 1 يوليو/تموز 2020 إلى 30 سبتمبر/أيلول الماضي، 12 واقعة انتهاك، شملت 18 حالة، منها القبض على مستخدمي التطبيقات وملاحقتهم قضائياً وفقاً لقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، تحت دعاوى المحافظة على الأخلاق والقيم الأسرية، وكذلك استمرار ملاحقة ناشطين سياسيين ومستخدمين للإنترنت يعبّرون عن آراء مناهضة للسياسات الحكومية.
ورصدت المؤسسة صدور أحكام بالسجن على 8 من مستخدمي تطبيقات ومواقع التواصل الاجتماعي، تتراوح بين سنتين و6 سنوات.
ويبدو أنّ المحتوى السياسي ليس مصدر الإزعاج الوحيد للسلطات المصرية، إذ هي شنّت، خلال الربع الثالث من عام 2020، حملة أمنية استهدفت عدداً من مستخدمي ومستخدمات تطبيقات الإنترنت، ومنها تطبيق "تيك توك"، تحت دعاوى حماية الأخلاق والمبادئ والقيم المجتمعية. فلا تزال السلطات المصرية تقيّد حرية الإنترنت، حيث تسعى إلى السيطرة على تدفّق المعلومات المتعلّقة بالانتهاكات والسياسات العامة المجحفة بحقوق المواطنين.
ورصد التقرير الحديث، الصادر اليوم الأحد، توسّع قوات الشرطة في استخدام القوة، بهدف منع الاحتجاجات على سياسات حكومية مختلفة، بالتزامن مع نشوب تظاهرات محدودة مناهضة لقانون مخالفات البناء، ودعوة المقاول المعارض محمد علي إلى التظاهر في 20 سبتمبر/أيلول الماضي. وكان علي قد دعا إلى التظاهر في التوقيت نفسه من العام السابق، للاحتجاج على تردّي الأحوال المعيشية وممارسات بعض مؤسسات الدولة التي وصفها "بالفاسدة".
واستخدمت قوات الأمن القوة لفضّ التظاهرات في سبتمبر/أيلول 2020، ما أدّى إلى مقتل اثنين من المتظاهرين، وفقاً لمنظمة العفو الدولية، وألقت قوات الأمن القبض على 1800 متظاهر على الأقل، وفقاً لرصد مؤسسة حرية الفكر والتعبير، على الرغم من محدودية التظاهرات.
وتواصل السلطات المصرية ملاحقة المدافعين عن حقوق الإنسان قانونياً والتنكيل بهم، رغبة منها في منع عمل أي جهات تعمل على رصد انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، في ظلّ الوضع الرديء الذي وصلت إليه أوضاع حقوق الإنسان في البلاد خلال سنوات حكم الرئيس الحالي. وذكر التقرير العديد من الممارسات القمعية، وتوسّع السلطات المصرية في قمع الاحتجاجات والمدافعين عن حقوق الإنسان، بهدف منع أي انتقاد لسياساتها العامة، حيث تستخدم في سبيل ذلك أدوات مختلفة، منها: القوة غير المتناسبة في فضّ التظاهرات، والقرارات التي تصدر من نيابة أمن الدولة العليا في ظلّ سريان حالة الطوارئ، وكذلك الأحكام الصادرة عن دوائر الإرهاب.
وبينما شهد الربع الثالث من هذا العام تراجعاً في أعداد الانتهاكات تجاه الصحافيين، سجّلت المؤسسة أربع حالات انتهاك، وهي: حالتان تمّ القبض فيهما على صحافيين اثنين، إلى جانب حالة تمّ فيها منع نشر مقال، وحالة أخرى شملت اتهام صحافية محبوسة احتياطياً على ذمة قضية جديدة.
وأكّد التقرير أنّ تراجع الانتهاكات ضدّ الصحافيين لا يعني حدوث تغيير في السياسات المنظمة للإعلام وتداول المعلومات، لكن ذلك نتاج ترسّخ القيود المفروضة على الصحافيين وازدياد الرقابة الذاتية، إذ يبتعد الصحافي عن تناول ما قد تراه السلطات أمراً غير مقبول، خوفاً من الحبس. كما باتت شركات مملوكة لمؤسسات الدولة تمتلك عدداً كبيراً من وسائل الإعلام، من شبكات تلفزيونية وصحف ومواقع ومحطات إذاعية، وتفرض هذه الوسائل الإعلامية التي تخضع لملكية مؤسسات الدولة على العاملين فيها قيوداً في ما يتعلق بالمحتوى، وضرورة تماشيه مع تعليمات الأجهزة الأمنية.
وأكّد التقرير أن الوضع لا يختلف كثيراً في ما يخصّ ملف حرية الإبداع، إذ تحاول السلطات المصرية، ليس فقط قمع أي أعمال إبداعية حسب محتواها النقدي، ولكن تسعى كذلك إلى السيطرة على ملكية قطاع من الوسائط التي يُعرض عليها المحتوى، وملاحقة المبدعين. أحدث الخطوات في هذا الإطار كانت إعلان مديرة المركز القومي للترجمة وضع آليات جديدة لقبول المواد المقترحة للترجمة، على رأسها رفض أي أعمال تتعارض مع القيم المجتمعية والأخلاق والأعراف، وهو ما يُعدّ إعلاناً من المركز للوصاية على المبدعين والقرّاء معاً، بالإضافة إلى رفض ترجمة أعمال تحت دعاوى فضفاضة وغير محدّدة، كالقيم والأعراف.
ورصدت مؤسسة حرية الفكر والتعبير واقعتي انتهاك بحقّ مبدعين، أحدهم أعيد تدويره بعد قرار من نيابة أمن الدولة بإخلاء سبيله، ويتحفّظ التقرير عن ذكر اسمه أو أي تفاصيل قد تكشف هويته، حسب طلب محاميه. كما داهمت قوة من المصنفات الفنية "مركز الصورة المعاصر" بوسط البلد، في 15 سبتمبر/أيلول الماضي، وتحفّظت على عاملتين في المركز، أُخلي سبيلهما لاحقاً.