تقرير حقوقي إسرائيلي: انتهاك ممنهج لحقوق الأسرى الفلسطينيين

21 فبراير 2024
وقفة لأهالي الأسرى الفلسطينيين في نابلس تطالب بإطلاق سراحهم (نضال اشتية/الأناضول)
+ الخط -

أصدرت منظمة "أطباء لحقوق الإنسان"، وهي مؤسسة حقوقية إسرائيلية، تقريراً يكشف صورة جديدة وشاملة عن انتهاكات حقوق الأسرى الفلسطينيين المحتجزين في سجون الاحتلال منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023. 

ويعتمد التقرير على عشرات الشهادات لأسرى فلسطينيين في السجون الإسرائيلية عن الانتهاكات بحق الأسرى، كالاعتداء والضرب وإساءة المعاملة والإهانات الجنسية والإهمال الطبي، التي جمعها محامون من قبل المنظمة الحقوقية، أثناء زياراتهم للأسرى في مختلف السجون. 

كما يستند التقرير إلى السجلات الطبية والمراسلات مع مصلحة السجون والإجراءات القانونية، بالإضافة لتقارير تشريح جثامين الأسرى الذين توفوا داخل السجون في الأشهر الأخيرة.

ويستعرض التقرير القيود المختلفة التي فُرضت على الفلسطينيين المحتجزين في السجون الإسرائيلية، ويبين كيف شرعن الاحتلال الإسرائيلي ذلك من خلال تشريعات قانونية والتفسيرات الخاطئة للمعاهدات الدولية وأخلاقيات مهنة الطب.

ويتحدث التقرير عن ثلاث مجموعات من الأسرى: سكان قطاع غزة الذين يمتلكون تصريح إقامة في إسرائيل وتم اعتقالهم عند اندلاع الحرب، ومئات الفلسطينيين من سكان قطاع غزة الذين تمّ أسرهم خلال هجوم حماس على مستوطنات غلاف غزة وأيضاً أثناء الحرب، والأسرى الفلسطينيين الذين تمّ اعتقالهم قبل أو بعد الحرب وتحتجزهم مصلحة السجون.

8 حالات وفاة في صفوف الأسرى الفلسطينيين

تصف الشهادات الواردة في التقرير العنف اليومي الذي يمارسه السجانون في الزنازين، حيث يعتدون على السجناء بالضرب عشوائياً بالهراوات وغيرها من الأشياء كإلقاء الشتائم الجنسية على السجناء، وإجبار المعتقلين على التبول على أحد السجناء، والصفعات واللكمات أثناء نقل السجناء بين المهاجع المختلفة، وإجبار المعتقلين على تقبيل العلم الإسرائيلي، وضرب من يرفض القيام بذلك. ويخرج التقرير باستنتاج مفاده أن العنف الشديد الذي تمّت ممارسته على المعتقلين الفلسطينيين يتساوى مع تعريف التعذيب بموجب "اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة، أو العقوبة القاسية، أو اللاإنسانية، أو المهينة".

ويقول التقرير إنه ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول "نعرف عن ثماني حالات وفاة لمعتقلين وأسرى فلسطينيين في السجون الإسرائيلية: مجدو وعوفر وكتسيعوت، بالإضافة لمرافق الاعتقال التابعة للجيش".

ويضيف التقرير أنه في أربع من سبع حالات شارك طبيب من قبل منظمة "أطباء لحقوق الإنسان" كممثل عن العائلة في عملية التشريح التي أجريت في معهد الطب الشرعي في أبو كبير. وفي اثنتين من الحالات أفاد طبيب المنظمة عن وجود علامات عنف شديدة على الجثمانين، وفي حالتين أخريين لم يكن هناك علامات عنف لكن الأسيرين كانا يعانيان من مشاكل طبية سابقة، وتلك الحقيقة أثارت شكوكاً من أن الوفاة قد حصلت نتيجة للإهمال الطبي.

الإخفاء القسري للأسرى من غزة

يشير التقرير إلى تدهور حاد في ظروف احتجاز الأسرى والمعتقلين، منها الحبس لفترات طويلة في الزنازين، تصل أحياناً لعدة أيام متواصلة؛ اكتظاظ في الزنازين بمعدل 2.5 متر مربع لكل أسير؛ قطع كامل للمياه والكهرباء لفترات تصل إلى 23 ساعة يومياً؛ إلغاء إمكانية شراء الطعام من المقصف؛ مصادرة جميع ممتلكات الأسرى بما في ذلك الأجهزة الكهربائية والملابس الشتوية والأغراض الشخصية.

كما تحدثت الشهادات عن منع النوم عن السجناء من خلال وضع المصابيح الكاشفة فائقة السطوع في الزنازين لمدة 24 ساعة يومياً، وتشغيل النشيد الوطني لإسرائيل "هتيكڤا" دون توقف، وعدم توفر فرشات للنوم بسبب إلغاء الحق في النوم على السرير.

يعرض التقرير أيضاً قضية مقلقة تتعلق بالإخفاء القسري لمئات السكان من قطاع غزة، والذين لم يكن العديد منهم مشاركاً في القتال.

وبحسب التقرير، فإن بعض هؤلاء المعتقلين كانوا يحملون تصريح إقامة قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول واعتقلوا في إسرائيل أو الضفة الغربية، وبعض منهم جرى اعتقالهم في قطاع غزة أثناء القتال، وحتى وقت كتابة التقرير ترفض السلطات الإسرائيلية إعطاء أهاليهم أو المحامين أية معلومات عن أماكن وجودهم أو ظروف اعتقالهم. ويشير التقرير إلى أنه وبموجب اتفاقية روما يعتبر الإخفاء القسري للفلسطينيين جريمة ضد الإنسانية.

منع العلاج الطبي وانتهاك أخلاقيات الطب

من المعلومات الواردة في التقرير، يظهر أن هناك تدهوراً حصل في مستوى الخدمات الطبية التي يتلقاها الأسرى الفلسطينيون من سلطات السجون، وتجلى هذا التدهور في حرمانهم من الحصول على العلاج الطبي داخل عيادات السجون، وإلغاء إمكانية الخروج لتلقي العلاجات الطبية في المستشفيات، وعدم انتظام تقديم العلاج الدوائي، وعدم الفحص والمتابعة الطبية من قبل أطباء السجن، ورفض المستشفيات العامة علاج الأسرى الفلسطينيين الذين شاركوا في القتال، بعد تلقيها توجيهاً مخالفاً لأخلاقيات الطب من وزارة الصحة.

ويتطرّق التقرير بشكل خاص إلى انتهاك الحق في الصحة لمئات المعتقلين الذين احتجزوا في "سدي تيمان"، وهو مستشفى ميداني جرى إنشاؤه بالقرب من منشأة عسكرية جنوب فلسطين المحتلة، للفلسطينيين من سكان غزة الذين جرى تعريفهم من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي كمقاتلين غير شرعيين.

ويحلل التقرير نشرةً أصدرتها وزارة الصحة ووُزعت قبل إقامة المنشأة بقليل، وقد خصصت لتنظيم طريقة علاج المعتقلين من غزة في "سدي تيمان"، ويقول التقرير إن هذه النشرة تقلل من المعايير المهنية والأخلاقية فيما يتعلق بالعلاج الطبي والعلاقة بين المتعالج ومقدّم العلاج.

ويبدو أن النشرة وُضعت بشكل أساسي من أجل حماية الأطباء العاملين في هذا المستشفى من دعاوى قضائية مستقبلية، حيث تقول مثلاً إن الطاقم الطبي في المنشأة يضمّ طبيباً مشرفاً واحداً وعدداً من العاملين في المجال الطبي، لذا فهناك مخاوف من أن الطاقم الطبي غير قادر على تلبية الاحتياجات الطبية لمئات المحتجزين في المنشأة العسكرية. إضافة إلى ذلك، لا يُسمح لأفراد الطاقم المعالج التوقيع بأسمائهم على الوثائق الطبية، ولا يوجد في الوثيقة (النشرة) أي ذكر للواجب الأخلاقي المفروض على الطواقم الطبية بالتوثيق أو الإبلاغ عن أي تعذيب أو إساءة معاملة يتعرض لها المعتقلون.

تواطؤ القضاء

ويوضح التقرير كيف تجنّب الجهاز القضائي للاحتلال الإسرائيلي التدخل لحماية حقوق الأسرى، وكيف تجاهل الكم الكبير من المعلومات التي قُدمت له في جلسات الاستماع في مختلف المحاكم.

وفي حالتين منفصلتين رفضت محكمة العدل العليا التماسات قدمتها منظمات حقوق إنسان ضد انتهاك حقوق الأسرى الفلسطينيين وظروف احتجازهم، على الرغم من الأدلة العديدة التي قُدمت لها حول المعاملة العنيفة والتعذيب. وكما يقول التقرير، استُغلت قرارات المحكمة من قبل مصلحة السجون كمبرر لمواصلة سياستها، وإعطائها حصانة من الانتقادات العلنية لما يحدث داخل السجون.

ويشير التقرير أيضاً إلى أن سلوك المحاكم يتعارض مع الاتفاقية بشأن الحقوق المدنية والسياسة التي تلزم الأطراف بتعزيز التشريعات، وتلزم النظام القضائي بضمان عدم حدوث انتهاك للحقوق.

كما ينتقد التقرير بشدة وزارة الصحة، لعدم قيامها بمجهود كاف للتأكد من أن العلاج الطبي المعطى للأسرى يتوافق مع المعايير المهنية ومع أخلاقيات الطب.

بالإضافة إلى ذلك، يتهم التقرير حكومة الاحتلال الإسرائيلي بأن الانتهاكات الممنهجة لحقوق الأسرى الفلسطينيين هي تعبير عن سياسة انتقامية من العقاب التعسفي. وهذه السياسة، يضيف التقرير، ما هي إلا استمرار مباشر لسلسلة من القرارات التي اتخذها وزير الأمن الداخلي إيتمار بن غفير منذ ما قبل 7 أكتوبر، والتي تهدف إلى الإضرار بظروف احتجاز الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية من خلال التشريعات القانونية.

وطالب واضعو التقرير بالإفراج عن الفلسطينيين الذين اعتقلوا بشكل تعسفي بعد اندلاع الحرب، ووقف كل الممارسات التي تشكل تعذيباً وسوء معاملة، والسماح فوراً للصليب الأحمر ومنظمات حقوق الإنسان بزيارة الأسرى الفلسطينيين، وإجراء تحقيق شامل ومستقل في قضية وفاة فلسطينيين في السجون.

المساهمون