تفعيل الإعدام... تخويف روسي محتمل بعد "توديع" أوروبا

23 مارس 2022
تعتبر روسيا الإعدام وسيلة لتقليص الجرائم (ألكسندر نيمينوف/ فرانس برس)
+ الخط -

فتح انسحاب روسيا من مجلس أوروبا إثر تدهور علاقاتها في شكل غير مسبوق مع الغرب مع بدء عمليتها العسكرية في أوكرانيا في 24 فبراير/ شباط الماضي، نقاشات واسعة في البلاد حول إعادة تفعيل تطبيق عقوبة الإعدام التي لا يزال يتضمنها القانون الجنائي الروسي، رغم تعليق تطبيقها حين انضمت موسكو إلى المجلس عام 1996. 
ويجدد المجتمع الروسي عادة مناقشة مسألة إعادة تفعيل عقوبة الإعدام، بعد حدوث جرائم تثير ضجة كبيرة في الرأي العام والتي قد تسفر عن سقوط ضحايا أطفال، أو جرائم قتل جماعية، لكنه أثير هذه المرة بعد انسحاب روسيا من مجلس أوروبا، وأظهر عدم وجود إجماع في شأن جدوى تفعيل عقوبة الإعدام، وتشكيك حقوقيين في أن يقلص الخوف من الإعدام عدد الجرائم بالغة الخطورة. 
تؤكد عضو مجلس حقوق الإنسان التابع للرئاسة الروسية إيفا ميركاتشيفا رفضها إعادة تفعيل عقوبة الإعدام في بلدها، وتربط الدعم الواسع للإعدام لدى السكان بضعف وعيهم وتحكم غريزة الانتقام بعقولهم. وتقول لـ"العربي الجديد": "أعارض بشدة إعادة تفعيل عقوبة الإعدام، وآمل ألا يحدث ذلك، فالإعدام عملية انتقام، في حين يجب إدراك أن المجرمين المدانين بارتكاب جرائم بالغة الخطورة لم يحضروا من المريخ، لذا يجب درس نفسياتهم. وفي كل الأحوال لا يمكن تدارك حكم إعدام بعد تنفيذه، علماً أنه لا يمكن استبعاد حدوث أخطاء قضائية. وفي شأن الأحكام بالسجن المؤبد فهي لا تمنح المدانين فرصة جديدة للعيش خارج أسوار السجون، لكن عملهم يسمح بصرف تعويضات لذوي الضحايا، كما قد تقود هذه العقوبة أشخاصاً كُثراً إلى سلوك طريق الدين والإيمان". 
وتلفت إلى أن مجموعة من البحوث الاجتماعية تظهر أن معدل الجريمة في الدول التي تطبق عقوبة الإعدام، لا يقل عنه لدى الدول التي لا تطبقها، فإيران والنرويج مثلاً تتشاركان في كونهما بين الدول التي تشهد معدلات جريمة منخفضة، علماً أن عقوبة الإعدام مطبقة في إيران بخلاف النرويج. من هنا يمكن القول إن معدل الجريمة يستند إلى الأوضاع الاجتماعية في بلد محدد. وفي كل الاحوال، إذا كان الجاني يعاني من مشاكل نفسية وعقلية، فهو لا يفكر في العقوبة". 
وفي حديث سابق لـ"العربي الجديد"، شرح المحامي دميتري دينزه، أن "الشعب الروسي متعطش للدماء، لكنه لو علم كيف تعمل المنظومة القضائية وسهولة إصدارها أحكاماً صارمة، لكان فكّر بطريقة مختلفة"، علماً أن روسيا تعرف بإصدار أدنى نسبة أحكام بالبراءة، وبأن المدانين بالسجن المؤبد ينفذون العقوبة بظروف بالغة القسوة، وبينها ملازمة سجن "الدلفين الأسود"لشديد الحراسة الذي يقع في منطقة أورال، ويؤوي مئات من المدانين في قضايا قتل واغتصاب الأطفال وإرهاب وحتى آكلي لحم البشر. وجميعهم لن يغادروه إلّا في توابيت". 
 
"عقوبة فعّالة" 
في غضون ذلك، أبدى الحزب الليبرالي الديمقراطي الروسي ذو التوجهات اليمينية الشعبوية استعداده لطرح مسألة إلغاء تعليق تطبيق عقوبة الإعدام على استفتاء شعبي.
وقال نائب رئيس كتلة الحزب الليبرالي الديمقراطي أليكسي ديدينكو، في مقابلة مع صحيفة "نيوز دوت رو" الإلكترونية الروسية، إن "الإعدام عقوبة فعّالة"، ووصف التخلي عنها بأنه "إجراء غريب فُرضه عملاء الغرب سابقاً على روسيا". 

يرفض ناشطون إعادة تفعيل عقوبة الإعدام (نيكولاي خورزوف/ فرانس برس)
يرفض ناشطون إعادة تفعيل عقوبة الإعدام (نيكولاي خورزوف/ فرانس برس)

وقلل ديدينكو من أهمية حجج "المحامين الليبراليين" في شأن احتمال حصول أخطاء قضائية، معتبراً أن "إعدام الأبرياء يقتصر على حالات فردية، بينما ترتبط غالبية الأحكام بجرائم حقيقية". 
أضاف: "يجب اتخاذ عقوبة الإعدام بالاعتماد على نظام خاص يلحظ زيادة فترة الطعن واستئناف الحكم. الخطأ القضائي ليس مشكلة كبيرة فالحكم لا يصدر اليوم وينفذ في اليوم التالي. هذا هراء لم يكن الأمر كذلك قط". 

واعتبر الرئيس المشارك لمجموعة "موسكو - هلسنكي" الحقوقية، فاليري بورشيف، في حديث لـ"نيوز دوت رو" أيضاً، أن "تنفيذ عقوبة السجن المؤبد باعتباره وسيلة إصلاحية أكثر قسوة من الإعدام. وقد تحدثت مرة مع شخص صدر حكم إعدام في حقه قبل أن يعلق تطبيقه، وأبلغني أنه كان يبحث عن سبيل لتعجيل تنفيذ حكم إعدامه". 

وأمل بورشيف في ألا تعيد المحكمة الدستورية النظر في قرار منع إصدار أحكام بالإعدام، لافتاً إلى استحالة ضمان عدم وقوع أخطاء قضائية على غرار تلك التي حدثت سواء في الولايات المتحدة أو الاتحاد السوفييتي السابق.

ميدفيديف
وكان نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، الرئيس الروسي السابق دميتري مدفيديف، لوّح مع بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا بإمكان إعادة تفعيل عقوبة الإعدام في روسيا على خلفية تعليق عضوية موسكو في مجلس أوروبا وبرلمانه، معتبراً أن "الفرصة جيدة لاستعادة عدد من المؤسسات قراراتها المهمة التي تهدف إلى منع ارتكاب جرائم بالغة الخطورة في البلاد، مثل عقوبة إعدام أخطر المجرمين"، واستشهد بتجربتي الولايات المتحدة والصين في تطبيق عقوبة الإعدام. 

يطرح اليوم إعادة تفعيل عقوبة الإعدام (كيريل قدرييافتسيف/ فرانس برس)
تطرح اليوم إعادة تفعيل عقوبة الإعدام (كيريل قدرييافتسيف/ فرانس برس)

وكان الرئيس الروسي الراحل، بوريس يلتسين، علّق عام 1996 تطبيق عقوبة الإعدام، وهو قرار أكدته المحكمة الدستورية عام 2009. ورغم توقف روسيا عن إصدار أحكام الإعدام وتنفيذها، لكنه لم يستبعد من قانونها الجنائي، في وقت يطالب البعض بالعودة إلى تطبيقها بعد حوادث إرهابية وجرائم تشهد قتل أطفال، وأخرى مروعة. 
وتعتبر المادة 59 من القانون الجنائي الروسي عقوبة الإعدام "إجراءً استثنائياً ينطبق على جرائم بالغة الخطورة تشهد اعتداءات على الحياة"، علماً أنها لا تطبق على نساء وقصر ورجال فوق سن الـ 60. 

وحالياً، تعتبر بيلاروسيا الدولة الوحيدة في أوروبا والجمهوريات السوفييتية السابقة التي تطبق عقوبة الإعدام على أرض الواقع، وذلك عبر الرمي بالرصاص وسط تعتيم كامل وعدم تسليم جثث المعدومين إلى ذويهم. كما أنها مع الولايات المتحدة البلدان الوحيدان في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا اللذان يستمران في تطبيق الإعدام.

المساهمون