فرض تفشّي فيروس كورونا الجديد واقعاً مختلفاً على عملية التعليم، ليس في الأردن فحسب، بل في كل دول العالم، وهو ما يوجب التعاطي مع هذا الواقع بشكل مختلف. وقد وقع التلاميذ ضحية لغياب التعليم الوجاهي في المدارس، الأمر الذي سبّب فاقداً تعليمياً (هدر تربوي). وعانى جزء كبير من التلاميذ نتيجة عدم توافر الأدوات الإلكترونية للتعلّم عن بُعد أو عدم امتلاكهم القدرة على التعامل معها، في بيئة مختلفة تماماً عن التعليم الحضوري المباشر، فلم يتمكّنوا من التفاعل والمتابعة المطلوبَين.
وقد طرحت وزارة التربية والتعليم الأردنية حلولاً، في محاولة لتعويض التلاميذ غيابهم عن المدرسة وما فاتهم في خلال عام ونصف عام، فكانت فكرة برنامج تعويض الفاقد التعليمي على مدى شهر واحد فقط، قبيل العام الدارسي الجديد الذي ينطلق في بداية سبتمبر/ أيلول المقبل. وقد أتى تفاعل الأهالي مع هذا البرنامج متبايناً، فثمّة من عمد إلى تسجيل أبنائه في هذا البرنامج الخاص بتعويض الفاقد، في حين أنّ آخرين لم يقتنعوا بأهميته.
ابتسام المناصير أمّ لثلاثة تلاميذ، تخبر "العربي الجديد" بأنّها عمدت إلى تسجيل ابنَيها الصغيرَين في البرنامج، لكنّ الابن الأكبر (في الصف التاسع) لم يرغب في ذلك. بالنسبة إليها، "البرنامج مقبول، لكنّه غير كافٍ لتعويض الانقطاع عن التعليم الحضوري الذي استمرّ عاماً ونصف عام"، وتدعو وزارة التربية إلى "وضع حلول واقعية لتعويض التلاميذ في خلال العام الدراسي المقبل".
أمّا محمد العبادي، وهو أب لتلميذَين في مدرسة خاصة، فيقول لـ"العربي الجديد" إنّه سجّلهما في البرنامج لعلّهما يعوّضان جزءاً ممّا فاتهما، لافتاً إلى أن "لا بديل من التعليم الوجاهي". يضيف العبادي: "كنت أفضّل بدء العام الدراسي رسمياً حتى يكون الأطفال أكثر جديّة بالتعامل مع العودة إلى المدرسة في هذه الفترة".
في هذا الإطار، يقول مدير إدارة المناهج والكتب المدرسية في وزارة التربية والتعليم، محمد كنانة، لـ"العربي الجديد" إنّ "التسجيل في برنامج تعويض الفاقد التعليمي الذي أطلقته الوزارة اختياري لمن يودّ المشاركة من التلاميذ، وقد تخطّى عدد الملتحقين به 900 ألف تلميذ وتلميذة، أي نحو 50 في المائة من التلاميذ، في حال استثناء تلاميذ الثانوية العامة غير المشمولين بالبرنامج. بالتالي إنّ هذا الرقم من أصل مليونَي تلميذ وتلميذة يُعَدّ جيداً". يضيف كنانة أنّ "الوزارة لجأت إلى مواد تعليمية مبنيّة على المفاهيم الأساسية في أربعة مباحث أساسية، هي اللغتان العربية والإنكليزية والرياضيات والعلوم، لتمكين التلميذ من المعارف والمهارات للانتقال من مرحلة دراسية إلى أخرى". ويوضح كنانة أنّ "هذه المباحث الأربعة هي الأكثرحاجة إلى التعويض، لذلك جرى التركيز عليها. وهي مبنيّة بناءً تراكمياً، أي إنّ التعليم اللاحق يعتمد على التعليم السابق، لذلك إنّ مسار التلميذ التعليمي يتأثّر بأيّ فجوة. أمّا الفاقد التعليمي بالمواد الأخرى، فهو أقلّ تأثيراً، إذ إنّ مباحثها غير مبنيّة بناءً تراكمياً، وعلاجها في المستقبل أسهل". وعند سؤاله عن تقييم التجربة، يجيب كنانة بأنّ "ما تحقق جيّد، خصوصاً في ظل تفاعل المدرّسين والتلاميذ، والأهم عودة التعليم الوجاهي (الحضوري)"، مؤكداً أنّ "ردود فعل التلاميذ والمدرّسين مبشّرة، فالمواد رشيقة، والتركيز كان على المفاهيم المهمة. بالتالي إنّ البرنامج نجح أكثر ممّا كنّا نتوقّع".
من جهتها، تقول المتخصصة في أصول التربية هبة أبو حليمة لـ"العربي الجديد" إنّ "فاقد التعليم في خلال عام ونصف عام لا يمكن تعويضه في شهر واحد. كذلك إنّ تعويض الفاقد بأربع مواد أمر غير كافٍ، إذ ثمّة فاقد في المواد الأخرى كذلك وليس فقط في اللغتَين الأساسيتَين والرياضيات والعلوم". تضيف أبو حليمة أنّ "حرية الاختيار للمشاركة بالفاقد أو عدم المشاركة أدّت إلى النظر إلى هذا البرنامج كأمر غير مهم من قبل بعض الأهالي والتلاميذ"، لافتة إلى أنّ "تلاميذ كثيرين لم يعودوا إلى المدرسة بنشاطهم، بل بكسل واضح وعدم جديّة".
وتشير أبو حليمة إلى أنّ "من المعتاد مع بداية كلّ عام دراسي أن تعمد المدارس في الأسبوعَين الأوّلَين إلى مراجعة منهاج السنة الماضية، لكن في ظل انتظام الدراسة وجديّة من قبل التلاميذ والمدرّسين". وتنتقد "عدم تسجيل الأهالي أبناءهم ببرنامج تعويذ الفاقد التعليمي، وهذا أمر يُعَدّ تقاعساً من قبل الأهالي والتلاميذ. فكان من المهم كسر خمول التلاميذ وإعادة النشاط إليهم، حتى إن لم تكن القيمة كما هو مطلوب". وحول إمكانية الاستفادة من هذه التجربة في خلال العام الدراسي المقبل، ترى أبو حليمة أنّ "ما هو مطبق كنظام الفترتَين في المدارس الحكومية، صباحي ومسائي، أو كنظام الدوام المتقطع (يوماً بعد يوم) غير مناسب للأهالي، وخصوصاً بالنسبة إلى الأمهات العاملات في فصل الشتاء". وتشدّد أبو حليمة على أنّ "المشكلة الأكبر كانت لدى تلاميذ المدارس الحكومية، في وقت كانت المدارس الخاصة تحاول متابعة تلاميذها من خلال عام ونصف عام من أزمة كورونا".
في سياق متصل، يقول المدرّس المتقاعد في وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) خالد جوهر لـ"العربي الجديد" إنّه "كان من الأفضل بدء العام الدارسي في الأوّل من سبتمبر المقبل، وبرنامج تعويض الفاقد التعليمي في بداية شهر أغسطس/ آب الجاري" للنجاح في المهمة. ويشير جوهر إلى أنّ "مدارس وكالة أونروا كانت رائدة في السابق في مواكبة التطوّرات التربوية، وفي مستوى التحصيل التربوي لتلاميذها، مقارنة بالمدارس الحكومية والخاصة. لكنّ تخبّطاً وعشوائية وعدم استعداد لاستقبال العام الدراسي سُجّلت لدى دائرة التربية والتعليم، فماكينات النسخ لا تحوي حبراً، وثمّة نقص كبير في الورق، الأمر الذي أدى إلى عدم توفير المواد التعليمية الخاصة ببرنامج تعويض الفاقد التعليمي، وبالتالي حرمان التلاميذ ذلك التعويض".
يضيف جوهر أنّ "عدم توافر خطة تربوية وإدارية لاستقبال العام الدراسي الجديد يدلّ على فشل الإدارات التربوية والإدارية التي تشرف على التعليم، وهو أمر يُعزى إلى سوء اختيار الإدارات. فمن الأولويات الأساسية قبل الانطلاق بعام جديد، دراسة واقع المدارس من ضمن خطة إدارية وتربوية شاملة وموضوعية تُحدَّد فيها احتياجات المدارس الأساسية والمستقبلية، ويُصار العمل على توفيرها". ويتابع جوهر أنّه "على الرغم من أنّ وكالة أونروا مؤسسة أممية وذات علاقة بالتعليم منذ النكبة، في الأردن، فإنّها عانت في الفترة الأخيرة من تلكؤ في العمل وعدم وضوح في الرؤية وغياب لصرامة القرار.
ويظهر ذلك جلياً في قضية الفاقد التعليمي، علماً أنّها لم تُعِدّ أيّ ملازم مرتبطة ذات صلة ببرنامج التعويض، بل اعتمدت على ملازم الحكومة وروابطها". ويلفت إلى أنّ "العدد الفعلي للتلاميذ المسجلين في المدارس غير معلوم، وليس قراراً صارماً بحضور الجميع بهدف تقليل المبالغ المترتّبة عن الفاقد التعليمي".