تعطيش غزة... الأهالي يؤمنون المياه بالقطّارة

13 أكتوبر 2023
خلال تعبئة ما أمكن من المياه (محمد عبد/ فرانس برس)
+ الخط -

يبحث المواطن الغزي عن ملاذ آمن لأطفاله، وعن طعام لهم، وعن مصدر بديل للكهرباء المقطوعة تماماً عن قطاع غزة. وفي الوقت الحالي، باتت المهمة الأصعب تأمين مياه للشرب بعدما توقفت محطات تحلية المياه عن العمل في ظل عدم توفر التيار الكهربائي أو الوقود اللازم لتشغيل مولدات الكهرباء، ما يدخل قطاع غزة في أزمة عطش تضاف إلى الحرب والقصف المستمر والموت. 
ويقول المواطن يسري أبو طه لـ "العربي الجديد": "أقف صباح كل يوم على مفترقات الطرقات في انتظار عربات تعبئة المياه، لملء ما أمكن من زجاجات صغيرة في ظل عدم وصول مياه الشرب إلى المنازل، وعدم قدرة سيارات التعبئة الكبيرة على ملء خزانات المنازل". يضيف أنه "يحاول الاتصال بموزعي المياه إلا أنه لا يلقى رداً في ظل خطورة تحرك سيارات تعبئة المياه في حال تمكن الموزع من توفيرها". ويوضح أنه "تم ترشيد استهلاك المياه في المنازل لأدنى حد ممكن في ظل ندرة المياه، سواء كانت المياه الصالحة للشرب أو حتى مياه الاستخدام المنزلي بشكل يومي، في ظل توقف المؤسسات الخدماتية عم العمل لعدم توفر الكهرباء والمحروقات من جهة، واستمرار استهداف طائرات الاحتلال لكل مصادر الكهرباء والمياه والطرقات وكل ما يتحرك على الطرقات من جهة أخرى".
من جهته، يقول أبو علي عقل لـ "العربي الجديد"، وهو أحد موزعي المياه في مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، إنه يضطر إلى التوجه إلى محطة تحلية مياه الشرب البعيدة عن مكان سكنه كيلومترات عدة، علماً أن في ذلك مخاطرة كبيرة عليه، إذ يمكن أن يتعرض للقصف في أي لحظة خلال قيادته عربته. يضيف أنه لا يستطيع البقاء في مكانه في ظل مناشدات المواطنين الذين لم يعد لديهم أي قطرة مياه في منازلهم منذ أيام، وخصوصاً تلك المنازل التي يتواجد فيها أطفال وكبار سن لا يمكنهم شرب مياه الاستخدام المنزلي.
ويوضح أن غالبية محطات تحلية مياه الشرب في قطاع غزة لم تعد تعمل بتاتاً لعدم وجود كهرباء أو وقود للمولدات، أما البقية فتعمل على الطاقة الشمسية، مشيراً إلى أن ساعات عملها محدودة بسبب بدء الخريف وتراجع ضوء الشمس. بالتالي، فإن الكهرباء التي يتم توليدها عبر الطاقة الشمسية لا تكاد تكفي لتشغيل الأجهزة إلا لوقت قصير، ولا تنتج كميات كبيرة من المياه النقية الصالحة للشرب.
ما سبق دفع الأهالي للتهافت على شراء المياه المعبأة، والتي تباع في المحال التجارية، إلا أن شدة الطلب عليها أدت إلى ارتفاع أسعارها من جهة، ونفادها تماماً من المحال التجارية من جهة أخرى. ولم يبق أمام الأهالي سوى انتظار عربات بيع المياه عند أبواب المنازل والطرقات يومياً، علهم يحظون بكمية مياه تكفيهم ليوم واحد، في ظل محاولة موزعي المياه إيصالها لأكبر عدد ممكن من الناس.
ما سبق دفع الأهالي للنشر في ما بينهم وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، إرشادات في استخدام المياه بهدف الحفاظ عليها لأطول فترة ممكنة.

من جهته، يقول رئيس سلطة المياه مازن غنيم، إن قطاع غزة يزود بالمياه من ثلاثة مصادر أساسية بواسطة محطات التحلية، والآبار المختلفة، وشركة ميكروت الإسرائيلية. يضيف: "اليوم نعيش كارثة حقيقية ناتجة أولاً من توقف شركة ميكروت عن تزويد القطاع بالمياه، بالإضافة إلى توقف محطات التحلية بشكل كامل والآبار بسبب نقص الطاقة". يتُابع: "قمنا باتصالات متعددة مع جميع المؤسسات الإنسانية العاملة في هذا المجال، من أجل توفير 50 ألف لتر من الوقود بشكل عاجل، لنكون قادرين على تشغيل المحطات المختلفة، وطلبنا من الجهات المختلفة توفير 600 ألف لتر من الوقود احتياطاً خلال شهر من هذا اليوم، لنكون قادرين على تشغيل هذه الخدمات ولو بالحد الأدنى المطلوب".

غزة (عبد رحيم خطيب/ الأناضول)
يتهافت الأهالي على تأمين المياه (عبد رحيم خطيب/ الأناضول)

من جهتها، تفيد سلطة المياه في غزة بأن ما تقوم به الحكومة الإسرائيلية من محاولة لوقف الخدمات الأساسية من كهرباء ومياه عن المواطنين في قطاع غزة كعقاب جماعي، هو جريمة حرب خطيرة سيكون لها عواقب وخيمة على الأرض، معربة عن قلقها البالغ من انعكاسات النقص الحاد في تزويد المياه لسكان قطاع غزة في هذه الفترة الصعبة، إذ وصلت نسبة مجمل انخفاض التزود بالمياه منذ يومين في جميع أنحاء قطاع غزة إلى حوالي 40 في المائة. وتقول إن هذا الانخفاض هو نتيجة عدد من المسببات، في مقدمتها تنفيذ الحكومة الإسرائيلية قرارها بقطع إمدادات المياه المزودة من ميكروت، ما أدى إلى إيقاف تزويد المياه للمحافظة الوسطى، وتخفيض الكميات في محافظة خانيونس ومدينة غزة بحوالي 40 في المائة.
وتوضح أن انقطاع التيار الكهربائي أثر بشكل خطير على تشغيل محطات التحلية ومحطات معالجة مياه الصرف الصحي. فحتى تاريخه، توقفت محطات التحلية في كل من شمال غزة والمحافظة الوسطى عن العمل بشكل كامل، فيما تقلصت كميات المياه من محطة تحلية الجنوب إلى حوالي النصف. أما محطات معالجة الصرف الصحي فهي متوقفة بشكل تام، كما أدى انقطاع الكهرباء إلى توقف آبار المياه الرئيسة أو انخفاض معدلات الضخ من هذه الآبار. وتشير سلطة المياه إلى أن من المقدر أن تتفاقم أزمة المياه في الفترة المقبلة في غزة، من جراء العدوان الإسرائيلي الغاشم، والذي في كل مرة يُكبّد البنية التحتية للمياه والصرف الصحي خسائر فادحة من جراء استهداف المرافق المائية بشكل مباشر أو غير مباشر، وتدمير الشوارع، وبالتالي البنية التحتية للمياه والصرف الصحي، أو من جراء انقطاع الكهرباء.

غزة (محمد عبد/ فرانس برس)
يشارك الأطفال في تعبئة المياه (محمد عبد/ فرانس برس)

وتشدد على أن الممارسات الإسرائيلية في وقف الخدمات الأساسية وخصوصاً تعطيل أنظمة المياه والصرف الصحي، ستؤدي إلى تفاقم الوضع الإنساني الصعب في غزة، وسيكون لها انعكاسات طويلة المدى على جميع مناحي الحياة الصحية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وستتطلب جهوداً مضاعفة وكبيرة قد تمتد لسنوات واستثمارات ضخمة لإصلاحها وإعادة تشغيلها، وإن توقف عمل محطات المعالجة يُنذر بحدوث مكرهة صحية خطيرة جراء سيول المياه العادمة، وستؤدي في حال تفاقمها إلى انتشار الأوبئة والأمراض بين المواطنين، بالإضافة إلى إعادة تلويث الخزان الجوفي، وإعادة تلويث البحر في غزة.
ويطالب رئيس سلطة المياه مازن غنيم، المجتمع الدولي بضرورة اتخاذ مواقف حازمة وخطوات عملية للضغط على إسرائيل لوقف هذا التوجه الإسرائيلي المنافي لجميع الشرائع والقوانين ومبادئ الإنسانية، والمتمثل في استخدام المياه كسلاح أو عقوبة جماعية ضد أهالي غزة، ما سيكون له من عواقب وخيمة، من شأنها أن تطاول جميع مقومات الحياة والتنمية، داعياً إلى ضرورة إعادة خدمات الكهرباء وتوفير الوقود اللازم لتشغيل محطات التحلية ومحطات المعالجة.

كما يطالب بضرورة توفير الحماية للطواقم الفنية للقيام بأعمال الصيانة والتشغيل اللازمة في مرافق المياه والصرف الصحي. ويحذر من تواصل هذه الانتهاكات الإسرائيلية الخطيرة التي قد تؤدي إلى إعادة الوضع المائي في قطاع غزة إلى الوضع الكارثي السابق، والذي كان يهدد باستحالة استمرار الحياة في القطاع، وتدمير جميع الجهود الكبيرة والمضنية التي بذلتها الحكومة الفلسطينية مع الشركاء والداعمين الدوليين خلال السنوات الماضية ما بعد عدوان عام 2014 على غزة، والتي أدت إلى النجاح في تخطي التحديات وإيجاد مشاريع إستراتيجية بلغ حجم الاستثمار فيها ما يقارب المليار دولار.
وتمنع إسرائيل الماء والكهرباء والوقود عن غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، حين أطلقت كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) عملية طوفان الأقصى العسكرية ضد المستوطنات الإسرائيلية، ردا على الاعتداءات اليومية التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني ومقدساته. وأعلن وزير الطاقة الإسرائيلي يسرائيل كاتس، أول من أمس الخميس، أن تل أبيب لن تعيد الماء والكهرباء والوقود لقطاع غزة إلا بعودة الأسرى الإسرائيليين إلى منازلهم.

المساهمون