تعذيب معتقلي غزة... مفرج عنهم يروون يوميات الجحيم

03 اغسطس 2024
آثار تعذيب وجوع وصدمة على المفرج عنهم (مجدي فتحي/Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **أساليب التعذيب الوحشية والابتزاز**: يتعرض معتقلو غزة لتعذيب وحشي من جنود الاحتلال الإسرائيلي، يشمل الضرب على مناطق الإصابة، استخدام الكلاب الشرسة، ومنع الأدوية، مما يزيد معاناتهم.

- **شهادات المعتقلين وتجاربهم**: يروي المعتقلون تجاربهم المروعة، مثل التعذيب بالكهرباء، سوء التغذية، والابتزاز عبر التصوير بالهواتف المحمولة، مما يؤدي إلى تلف الأعصاب وتقطع الأوردة.

- **الوضع الصحي والنفسي للمعتقلين**: يعاني المعتقلون المفرج عنهم من أعراض نفسية وصحية خطيرة، ويحتاجون إلى متابعة طبية دورية. اللجنة الدولية للصليب الأحمر أعلنت أن نحو 6,400 فلسطيني من غزة مفقودون، معظمهم معتقلون.

تحدث عدد من معتقلي قطاع غزة المفرج عنهم عن أساليب التعذيب الوحشية التي يستخدمها جنود الاحتلال، ومن بينها تعمد إذلالهم، ومحاولات ابتزازهم، والتركيز على التنكيل بالمرضى منهم.

أفرج الاحتلال الإسرائيلي مؤخراً عن عدد من سكان قطاع غزة الذين اعتقلهم على "حاجز إيرز"، وآخرين اعتقلهم خلال العمليات العسكرية المتكررة في جميع مناطق القطاع، والتي يجري فيها مداهمة المنازل، واستخدام الكلاب الشرسة التي تنهش أجسادهم قبل اعتقالهم. 
ويوم الجمعة الماضي، أفرج الاحتلال عن دفعة جديدة من معتقلي غزة ضمت 64 شخصاً، وكانت آثار التعذيب الشديد واضحة على معظمهم، ومن بينهم مرضى، و15 من جرحى العدوان، والذين أكدوا أن الجنود كانوا يتعمدون ضربهم على مناطق الإصابة. وكانت الدفعة السابقة من المفرج عنهم يوم الخميس الماضي، تضم 22 معتقلاً، وقد تعرضوا لطرق التعذيب والتنكيل الإجرامية نفسها.
وأصبح من المتعارف عليه بين المعتقلين أنه حال اكتشاف جنود الاحتلال وجود إصابة أو مكان ألم أو حتى إعاقة في جسد المعتقل من غزة، يركزون التعذيب على مكان الإصابة، وكلما اشتكى من الألم زاد التعذيب أكثر، ولو طلب المعتقل أدوية لعلاج مرضٍ ما أو تسكين آلام في الأسنان أو العظام أو غيرها، يضرب الجندي الإسرائيلي على مكان الألم.
يحاول الفلسطيني سعيد عماد تجاوز صدمة الاعتقال والتعذيب عبر الحديث عن كل شيء حدث معه، وهو يتذكر تفاصيل التعذيب بابتسامة رضا لأن الله أنجاه من الموت من بين أيدي الجنود. 

يكرر جنود الاحتلال أن قيادتهم تسمح لهم بفعل ما يريدون مع المعتقلين

عندما قابل سعيد أسرته بعد الإفراج عنه، سارعوا به إلى مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح، وهي أول محطة يصل إليها المفرج عنهم من أجل الفحوص الطبية والنفسية، والتغيير على جروحهم، وتقييم حالتهم الطبية من أجل المتابعة الدورية. في المستشفى صمم سعيد على الحديث أمام من استقبلوه عما يحصل مع معتقلي غزة، مشيراً إلى أنه "أخطر مما حصل في سجن غوانتنامو".
يتابع الحديث الصادم ضاحكاً: "ما سمعناه من شهادات عن غوانتنامو دفعني إلى مشاهدة إحدى الوثائقيات القديمة عن تعذيب الجيش الأميركي للسجناء، لكني تعرضت لأصناف أقسى من العذاب على أيدي جنود جيش الاحتلال. ربما تتشابه بعض التفاصيل مثل الحرمان من النوم، أو من الطعام، لكن تعذيبنا أكثر إجراماً مما جرى في غوانتنامو". 
يقول سعيد عماد لـ"العربي الجديد": "ضربوني بشكل قاس رغم أنني أحمل إصابة منذ كنت بالقرب من منزل أقاربي الذي نزحنا إليه في مدينة غزة خلال العدوان، وكلما صممت على طلب العلاج كان الضرب يزيد، وحين رفضت الانصياع إلى ما يريدون أن أردده من شتائم ضد القيادات الفلسطينية، قاموا بضربي بقسوة، وكان يتبادل ضربي ما يقارب خمسة جنود". 

غالبية المفرج عنهم يحتاجون إلى علاج نفسي وبدني طويل (أشرف أبو عمرة/الأناضول)
يحتاج المفرج عنهم إلى علاج نفسي وبدني (أشرف أبو عمرة/الأناضول)

يضيف: "هناك المئات من المعتقلين، وهناك وفيات سمعنا عنها في السجن نتيجة التعذيب، فالكثيرون مرضى أو جرحى، وآخرون كانوا أصحاء وأصبحوا مرضى في السجن، فالمعتقل لا يحصل على ما يكفيه من الطعام أو الماء، ويحرم من الاستحمام لفترات طويلة، والمشكلة الأكبر للمعتقلين المصابين، مثلما كانت حالتي قبل إطلاق سراحي، أنه يتم تعذيبهم أكثر من غيرهم على أمل الحصول على معلومات منهم، والأسئلة المتكررة تدور حول: أين كنت؟ ومتى ولماذا أصبت؟". 
يتابع عماد: "تعرض كثير من المعتقلين أخيراً للتعذيب بالكهرباء من خلال أجهزة محمولة توضع على مناطق الإصابات في أجسادهم، أو المناطق التي تظهر عليها آثار التعذيب حتى تزيد آلامهم، كما يتم منح الأسرى طعاماً لمرة واحدة في اليوم، وهو عبارة عن علبة جبنة صغيرة مع قطعة خبز لا تكفيهم، وهي كما يصفونها، وجبة تبقينا على قيد الحياة من أجل استكمال الاستجواب، ويتم توزيعها مع نظرات حقد، والكثير من الشتم والصراخ". 
ويقوم بعض جنود الاحتلال بابتزاز المعتقلين عبر تصويرهم بالهواتف المحمولة، وهم يكررون أنه لا يوجد أحد يمكنه منعهم من فعل ما يشاؤون، وأن قيادتهم تسمح لهم بفعل كل ما يريدون مع المعتقلين. 
يفهم المعتقل المفرج عنه محمد حامد (54 سنة) اللغة العبرية، لكنه ادعى خلال فترة اعتقاله أنه لا يفهمها، حتى أمام بقية المعتقلين، وقد سمع أحد الجنود يخبر زميله أنه يريد إرسال مقاطع فيديو صورها للمعتقلين إلى صديقته، لتدرك أنه بطل، وأنه اعتقل "مخربين من حماس"، رغم أنهم جميعاً في الحقيقة مدنيون، ومن بينهم مسنون ومرضى. 

طاول الاعتقال مرضى ومسنون (مجدي فتحي/Getty)
طاول الاعتقال مرضى ومسنون (مجدي فتحي/Getty)

يقول حامد لـ"العربي الجديد": "كان عدد من أصدقائي معي في المعتقل، وطلبت منهم كشف أن بعضنا يعرف بعضاً حتى لا يسبب ذلك مشكلات أثناء التحقيق. قاموا بضربي بقسوة، وعندما شاهدوا آثار جرح في ساقي منذ عدوان عام 2021، زادوا الضرب عليه، وتم التحقيق معي عن سبب الإصابة ومكانها، واتهامي بأنني مخطط لعمليات إرهابية. تعرضنا للكثير من الإهانة والتعذيب، وبعض الأسرى ادعوا عدم تعرضهم لأي إصابة حتى لا يزيد تعذيبهم، وكان معنا رجل مسن تم تعذيبه رغم أنه مريض. كنت أفهم العبرية، وكانوا يتحدثون عنا باحتقار شديد، ولم يكن هناك أي قيود على تصرفات الجنود، بل كان لديهم حرية التصرف، وكانوا يكررون ضربنا، والحرمان من النوم، وحتى من الطعام والشراب". 
يضيف: "كانوا يريدون كسر إرادتنا، لكننا لم نبك داخل السجن، وأثناء التعذيب كنا فقط نصرخ من شدة الألم، وقد فقدت الوعي عدة مرات من شدة التعب أو التعذيب، وكان يتم حينها رش المياه علي كي أستيقظ، ويساعدني بقية المعتقلين على الإفاقة. لكن عندما أطلق سراحي بكيت كثيراً، فنحن نعيش في كذبة كبيرة مفادها أننا قضية العرب، بينما الأمة كلها لا تعرف ما نتعرض له، بل إن دولاً عربية شقيقة لا تزال تطبع مع الكيان الإرهابي". 
وأفرج الاحتلال الإسرائيلي خلال الشهر الماضي عن 123 معتقلاً من قطاع غزة، ووصل هؤلاء إلى مستشفى شهداء الأقصى، وجميعهم أكدوا تعرضهم للتعذيب، وبعضهم أصيب بتقطع في الأوردة، أو تلف في الأعصاب، وآخرون مصابون بسوء التغذية والجفاف، ومن بينهم 30 في حالة متابعة بسبب أعراض نفسية نتيجة التعذيب. 
وكشف المكتب الإعلامي الحكومي في غزة عن تسجيل أكثر من خمسة آلاف معتقل لا يزالون في السجون الإسرائيلية، وأن الاحتلال يفرج عن المعتقلين الذين تم استجوابهم، ومن بينهم مرضى ومسنون وجرحى، ويبقي لديه أعداداً كبيرة من المعتقلين الذين يتعرضون لأبشع أنواع التعذيب. 
وأعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في بداية شهر أغسطس/آب الحالي، أن نحو 6.400 فلسطيني من غزة مدرجون في عداد المفقودين، معظمهم يعتقد أنهم معتقلون، ولا يعرف مصيرهم لغياب التنسيق بسبب الظروف الأمنية، وقد تم الإبلاغ عن وجود أعداد منهم عبر محامين في الضفة الغربية، ومحامين في الداخل الفلسطيني المحتل ممن يتمكنون من زيارة الأسرى في السجون الإسرائيلية. 

يعالج المعتقل المفرج عنه محمد إسماعيل (30 سنة) بمسكنات الآلام وبعض المراهم التي يمكن توفيرها من المراكز الصحية والمؤسسات الدولية التي تقدم الرعاية الصحية في إحدى خيام النزوح بالقرب من شاطئ بحر مخيم دير البلح، والتي تقيم فيها عائلته منذ تدمير منزلهم.
يحاول شقيقه عمر إسماعيل (39 سنة) تأمين ما يتاح من عقاقير مسكنة بكل صعوبة منذ أن أفرج عن محمد قبل أسبوع، فقد أصيب خلال العدوان في رأسه، وبحروق في الظهر، ونتيجة التعذيب خلال اعتقاله تفاقمت حالته الصحية، حتى إن المنطقة المصابة بحروق تظهر فيها التهابات، وشكلت طبقة جلدية خشنة نتيجة حرمانه من العلاج، كما تعرض للضرب المتكرر على منطقة الإصابة في رأسه. 
لا يستطيع محمد التحدث في كل الأوقات، ويقول شقيقه عمر لـ"العربي الجديد": "ضربوه بقسوة طوال فترة اعتقاله، وكانوا ينقلونه مع كثير من المرضى بين المعتقلات من منطقة إلى أخرى في النقب الفلسطيني المحتل، وكان مثل الكثير من المعتقلين المرضى يعيشون ظروفاً صحية قاتلة بسبب التعذيب للحصول على معلومات، وكانوا يقومون بمنحهم قرص دواء واحداً كل عشرة أيام، ويرفضون عرضهم على الطبيب، وبعض المعتقلين الذين تم عرضهم على الأطباء، قالوا إنهم عاملوهم بقسوة، حتى إن شقيقي تعرض للتنكيل من طرف أحد الأطباء. بعد أن فقدنا الأمل في إيجاده، أو معرفة أي شيء عنه، جرى إطلاق سراحه، ونحاول الآن جعله يستعيد وعيه وعافيته".