استمع إلى الملخص
- تتضمن الجهود زيادة رسوم الطلاق، لكن هناك تشكيك في فعاليتها. تشير عالمة النفس سفيتلانا بويارينوفا إلى أن التدخل المبكر هو الحل الأمثل للحفاظ على الأسرة.
- يناقش مجلس الدوما إجراء صلح إجباري قبل الطلاق، مستفيداً من تجارب دول أخرى، مع تحفيز العائلات على الإنجاب عبر حوافز وقوانين مثل "حظر الترويج لعدم الإنجاب".
بموازاة بذل السلطات الروسية جهوداً حثيثة من أجل تحسين الوضع الديمغرافي وتحفيز العائلات على الإنجاب، تتزايد مبادرات الحد من معدلات الطلاق وتعزيز مؤسسة الأسرة. وآخر هذه المبادرات، مشروع قانون أحيل إلى مجلس الدوما (النواب) في سبتمبر/ أيلول الماضي، يقضي بإخضاع الزوجين لاستشارات مع معالج نفسي معنيّ بشؤون الأسرة قبل إتمام الطلاق في حال وجود أطفال قاصرين، أو إصرار أحدهما على استمرار الزواج. إلا أنه لم يتم تمرير القانون حتى الآن.
وتنظر وزارة العدل الروسية في مسألة اعتماد إجراء الصلح الإلزامي قبل إجراءات الطلاق، إذ أوضح ناطق باسم الوزارة لصحيفة كوميرسانت، أن الأمر يناقَش في إطار "تحقيق سياسات الدولة في مجال حماية الأسرة، والحفاظ على القيم الروحية الأخلاقية الروسية التقليدية وتعزيزها"، مؤكداً أن المبادرة تناقش بمشاركة ممثلين عن الدوائر العلمية والجهات الفدرالية.
وأعلن وزير العدل الروسي، قسطنطين تشويتشينكو، هو الآخر أن وزارته تعتزم إعداد مشروع قانون "إجراء الصلح" الإلزامي في مرحلة ما قبل المحكمة حتى يتفق الزوجان خلاله على تفاصيل من بينها محل إقامة الأبناء، وتقاسم الأملاك، وقيمة النفقة.
واعتباراً من العام المقبل، ستزيد رسوم الطلاق من 650 روبلاً (6.5 دولارات وفقاً لسعر الصرف الحالي) إلى 5 آلاف روبل (نحو 50 دولاراً)، بينما تشكك عالمة النفس المتخصصة في شؤون الأسرة، سفيتلانا بويارينوفا، في جدوى رفع الرسوم وإجراءات مكافحة الطلاق في مرحلة ما قبل المحكمة حين تكون الخلافات بين الزوجين قد تراكمت.
تقول بويارينوفا لـ"العربي الجديد": "يمكن اعتبار أي مبادرة رامية إلى الحد من معدلات الطلاق إيجابية، لكن الفاعلية مشكوك في أمرها، لأنه عندما يصل الأمر إلى البدء في إجراءات الانفصال، فهذا يعني أن الخلافات تراكمت، وأن الأوان لإنقاذ الأسرة قد فات. حتى إذا بات الطلاق معقداً أو مكلفاً، فهذا لن يمنع الأشخاص من العيش بشكل منفصل مع البقاء أزواجاً على الورق. الحالة الوحيدة التي يمكن فيها إنقاذ الأسرة هي التدخل قبل اتخاذ الزوجين قراراً نهائياً بالانفصال".
وحول رؤيتها للأسباب الرئيسية التي أدت إلى تزايد حالات الطلاق في روسيا، تضيف: "لم يعد البشر قادرين على استماع بعضهم إلى بعض، ما يؤدي إلى تراكم الضيق المتبادل، ثم نصل إلى مرحلة تصبح فيها أي واقعة فارغة ذريعة للطلاق. أضف إلى ذلك التقبل المجتمعي للطلاق الذي لم يعد يندد به مقارنةً بما كان الأمر عليه سابقاً".
من جانبه، يتوقع رئيس مجلس الإشراف في معهد الديمغرافيا والهجرة والتنمية الإقليمية، يوري كروبنوف، أن تأتي المبادرات بنتائج جيدة من دون أن يغني ذلك عن ضرورة تعزيز مكانة الأسرة باعتبارها كياناً اجتماعياً. ويقول لـ"العربي الجديد": "يجب تعزيز مؤسسة الزواج لكونها قاعدة للأسرة السليمة، ولذا فإن أي مبادرة تمنح الزوجين مهلة إضافية للتفكير تستحق الثناء، خصوصاً أنها لا تحظر الطلاق، وأتوقع أن تأتي بنتائج إيجابية".
ويقلل كروبنوف من أهمية المزاعم حول أن هذه الإجراءات تشكل تدخلاً من الدولة في الحياة الخاصة للمواطنين، ويضيف: "الزواج المدني الموثق لدى الدولة يقتضي تلقائياً تسوية الأمور المتعلقة به بمشاركة الدولة، خصوصاً أن الشباب والفتيات دون الـ30 سنة لا يتمتعون بخبرة حياتية كافية، ويحتاجون إلى بعض الإرشاد. مؤسسة الأسرة تمرّ بأزمة في روسيا، وللأسف انهار مفهوم الأسرة في كونها اتحاداً بين عائلتين، فلم يعد أهالي الزوجين يعملون على ثنيهم عن الانفصال، ويتعاملون معه على أنه أمر يخصهما".
وناقش مجلس الدوما وغيره من المؤسسات مراراً مسألة استحداث إجراء صلح إجباري قبل الطلاق. وفي يوليو/ تموز الماضي، اقترحت لجنة الدوما لحماية الأسرة والطفولة الاستفادة من تجربة أذربيجان التي تلزم المطلقين منذ عام 2021 باللجوء إلى خدمة الوساطة للصلح. وأوضح النائب عن حزب روسيا الموحدة الحاكم، أوليغ ماتفيتشتيف، أن 20% من الأزواج يعدلون عن الذهاب إلى المحكمة بعد الجلسة الأولى من الوساطة، من دون الإشارة إلى ما إذا كانوا يتخلون عن فكرة الطلاق نهائياً.
لكن عالمة النفس بويارينوفا تقلّل من فاعلية استنساخ التجربة الأذرية في روسيا، نظراً للاختلاف الثقافي بين البلدين، في إشارة إلى كون أذربيجان بلداً إسلامياً وروسيا أقرب إلى النموذج الأوروبي العلماني.
وتشير بيانات هيئة الإحصاء الروسية "روس ستات" إلى أن عدد حالات الزواج في روسيا بلغ في عام 2023 الماضي نحو 946 ألفاً، في مقابل نحو 684 ألف حالة طلاق، ما يؤشر على انتهاء الأغلبية الساحقة من الزيجات الروسية بالانفصال، ما يدعو السلطات إلى العمل جاهدة على الحد من تفاقم هذه الظاهرة.
وكذلك تعمل السلطات الروسية جاهدة على تحفيز العائلات على الإنجاب عبر تقديم مختلف الحوافز لدعم العائلات وسن تشريعات تثير جدالاً واسعاً في بعض الأحيان، ومن بينها قانون "حظر الترويج لعدم الإنجاب" الذي وقعه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، والقاضي بفرض عقوبات مالية تعادل قيمتها آلاف الدولارات على من ينشر معلومات "ترمي إلى تكوين صورة جذابة للعزوف عن الإنجاب والمساوة الاجتماعية بين إنجاب الأطفال والتخلي عنهم".