استمع إلى الملخص
- تشمل أساليب التهرب الزواج من امرأة معوقة، التوظيف بمنشآت استراتيجية، الإعفاء الصحي، وعبور الحدود بطرق غير رسمية، مع ارتفاع كلفة خدمات المهربين بعد تحديث قانون التعبئة.
- يعتبر الأكاديمي إيغور سيميفولوس التهرب من التعبئة ظاهرة اعتيادية في زمن الحروب، بينما يشير قسطنطين سكوركين إلى تراجع عدد المتطوعين وتأثير ذلك سلباً على المزاج العام والاقتصاد في أوكرانيا.
يتزايد عزوف الأوكرانيين عن التطوع للذهاب إلى جبهة القتال في ظل تواصل الحرب مع روسيا، وتتزايد حالات التهرب من التعبئة الإلزامية التي صدر في مايو/أيار الماضي قانون جديد يشدد إجراءاتها.
وينص القانون الذي دخل حيز التنفيذ في 18 مايو، على إلزام جميع الذكور بين الـ18 والـ60 سنة بتحديث بياناتهم لدى لجان التجنيد خلال شهرين حدا أقصى، من دون انتظار استدعائهم، كما يلغي إمكانية تأجيل الالتحاق بالخدمة لمجموعة من فئات الذكور، بمن فيهم من يتلقون التعليم العالي، والعاملون بالمؤسسات التابعة لوزارة الدفاع، وغيرهم.
وتنقسم أساليب التنصل من التجنيد إلى ما يغلب عليه الطابع القانوني مثل الزواج من امرأة معوقة، أو لديها ثلاثة أبناء من زواج سابق، أو التوظيف بمنشآت استراتيجية ثم السفر في مهمة عمل، إضافة إلى الحصول على الإعفاء الصحي، وهناك أساليب غير قانونية مثل عبور الحدود بعيداً عن المنافذ الرسمية. وفي بعض الأحيان، تنتهي محاولات عبور الحدود تلك بوفيات، إذ أعلنت هيئة حرس الحدود الأوكرانية في مطلع يونيو/حزيران الحالي، مصرع نحو 45 شخصاً خلال محاولتهم التسلل عبر الجبال أو عبور الأنهار في غرب البلاد هرباً من التجنيد إلى بلدان أوروبية.
ويعد عبور نهر تيسا على الحدود الأوكرانية الرومانية أحد الخيارات المفضلة لدى الفارين من التجنيد، ومنذ تحديث قانون التعبئة في مايو الماضي، ليشمل فئات أكثر من الذكور، ارتفعت كلفة خدمات المهربين إلى آلاف الدولارات، وفق ما يتم تداوله في الصحافة الأوكرانية.
وينتمي المهربون في الغالب إلى المناطق الحدودية، وهم يبحثون عن "زبائن"، وينظمون عمليات التهريب كونهم يعلمون تفاصيل المنطقة جيداً، إذ يصل المتهرب إلى نقطة متفق عليها مسبقاً، ثم يصحبه المهرب المحلي عبر الغابة، أو يعبر معه الحدود، وهناك من يتسنى له الهروب من البلاد، بينما آخرون يوقفهم أفراد الأمن أو حرس الحدود.
ويرى الأكاديمي الأوكراني، إيغور سيميفولوس، أن الحياة اليومية في أوكرانيا تتواصل طبيعية، معتبراً أن التهرب من التعبئة العسكرية هو ظاهرة اعتيادية في أي دولة تعتمد التجنيد الإجباري، لا سيما في زمن الحروب التي تؤدي حتماً إلى تغيير في أنماط الحياة اليومية. ويقول سيميفولوس في اتصال مع "العربي الجديد" من العاصمة كييف: "حركة مترو الأنفاق والشاحنات لم تتوقف، وحالة الفوضى ناجمة عن الإجراءات البيروقراطية، خاصة بعد أن تم تبني قانون التعبئة بعجالة من دون آليات لتطبيقه بصورة ملائمة. لكنه من الجيد أنه تجري مناقشة القانون علناً في المجتمع".
ويقلل الأكاديمي الأوكراني من أهمية الأنباء حول تزايد حالات فرار المطلوبين للتجنيد، مضيفاً: "هذا الوضع طبيعي بالنسبة إلى أي دولة تعتمد التجنيد الإلزامي أثناء الحرب، فمن الصعب نفسياً على المرء الانتقال من حالة السلام إلى الحرب، والامتثال للأوامر بدلاً من البقاء بالمنزل".
يقر الصحافي والباحث المختص في الشؤون الأوكرانية، قسطنطين سكوركين، بأن الموجة الحالية من التعبئة تختلف عن سابقاتها من حيث تراجع عدد المتطوعين وعزيمتهم. ويقول لـ"العربي الجديد": "تتسم الموجة الحالية من التعبئة بتراجع عدد المتطوعين وأصحاب العزيمة، إذ إن من يريد القتال قد التحق بالفعل بالجيش. هذا الوضع طبيعي في ظل إطالة أمد الحرب وتزايد الخسائر وحالة إنهاك المجتمع. تأثر المزاج العام بفشل الهجوم المضاد في العام الماضي، وتغيير القائد العام، فاليري زالوجني، والذي كان يحظى بشعبية وثقة كبيرتين".
ويلفت سكوركين إلى انتشار الشبهات بأن جنرالات القائد العام الجديد، أولكسندر سيرسكي، مستعدون للتفريط في أرواح الجنود من أجل تحقيق نجاحات ميدانية، واستشراء الفساد في لجان التجنيد، وعزوف الفقراء عن الالتحاق بالجيش إدراكاً منهم أن الأثرياء يمكنهم دفع رشى للهرب، أو الفرار إلى الخارج.
وحول تأثير التعبئة على الاقتصاد الأوكراني، يضيف: "تؤدي التعبئة في أي دولة إلى تقليص الأيدي العاملة، وأوكرانيا ليست استثناء، إذ تكبد اقتصادها خسائر فادحة من جراء الحرب، وموجة اللجوء إلى الخارج، ما يجعل التعبئة عبئاً، سواء لجهة الاقتصاد، أو لجهة إرغام الذكور على القتال من دون تقديم حوافز مالية لهم، على غرار ما تقدمه روسيا لعسكرييها".
وفي موسكو، يجزم الصحافي المختص في الشأن الأوكراني، ألكسندر تشالينكو، بأن تراجع تقبل الأوكرانيين للتعبئة يعود إلى فشل الهجوم الأوكراني المضاد في العام الماضي، مقراً في الوقت نفسه بأنه لا مجال للحديث عن انهيار خطوط الدفاع الأوكرانية على جبهة القتال. ويقول لـ"العربي الجديد": "الذكور الأكثر عزيمة على القتال ذهبوا إلى الجبهة بإرادتهم، أما من يتم إلزامهم بالذهاب، فلن يخاطروا بأرواحهم، بل سيفضلون البقاء داخل الخنادق، أو سيسلمون أنفسهم للأسر".
وحول رؤيته لأسباب تراجع عزيمة الأوكرانيين على النصر، يضيف تشالينكو: "في عام 2022، كانت هناك آمال في النصر بعد إقصاء القوات الروسية من مشارف كييف وتشيرنيهيف وخاركيف وخيرسون، وساد شعور بأن الجيش الروسي ضعيف. لكن المزاج العام تغير بعد فشل الهجوم الأوكراني المضاد في العام الماضي، إذ بات الجميع يدركون انعدام آفاق النصر، ولا أحد يريد أن يكون هدفاً للمدافع".
لكنه يقر أيضاً بأن الحياة في أوكرانيا لم تصب بالشلل، ويقول: "لا يزال المترو ينقل ركاباً، وحركة الشاحنات لم تتوقف، وعملية تصدير الحبوب لا تزال مستمرة. على الجبهة أيضاً، أعداد من يسلمون أنفسهم قليلة، ولا انهيار لخطوط الدفاع الأوكرانية حتى الآن".
وفي مايو الماضي، نظم سائقو شاحنات أوكرانيون احتجاجات، وقطعوا الطريق السريع الرابط بين كييف وأوديسا، رفضاً لقانون التعبئة الجديد الذي يجيز لأفراد حرس الحدود تسليمهم إخطارات الاستدعاء للتجنيد عند عبورهم الحدود.