تدني معدلات الخصوبة في تونس

22 اغسطس 2022
الأوضاع المعيشية متردية في تونس (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

يشهد المجتمع التونسي تحوّلات واضحة في سياسة الإنجاب تتجلى في تقلص عدد الأطفال بعد أكثر من 60 عاماً من بدء السلطات تنفيذ سياسة "تحديد النسل"، إذ أصبح الأزواج الشبان أكثر اقتناعاً بإنجاب طفل واحد، أو طفلين على الأكثر، رغبة في توفير ظروف حياة أفضل لأطفالهم.
وتفيد أحدث الإحصائيات الرسمية بأن "نسبة الخصوبة" انخفضت بشكل متكرر خلال السنوات الأخيرة، وصولاً إلى 1.8 طفل في سنة 2021، مقارنة بـ2.4 طفل في عام 2013، وفق بيانات معهد الإحصاء الحكومي، وتعد المباعدة بين الولادات، وتأخر سن الزواج من بين أبرز المؤشرات في هذا السياق.
ونسبة الخصوبة تعني عدد الولادات الجديدة لكلّ ألف امرأة في سنّ الإنجاب في الفئة العمرية من 15 إلى 49 سنة أيا كانت حالتهن المدنية، سواء كن عازبات أو متزوجات أو أرامل أو مطلقات.
تقول السيدة سهى حجلاوي (34 سنة): "قررت الاكتفاء بإنجاب طفل واحد رغم أن الظروف المادية لأسرتي جيدة، ودخل زوجي يسمح بإعالة أسرة وافرة العدد"، مضيفة لـ"العربي الجديد"، أن "إنجاب طفل واحد هو خيار ناقشته مع زوجي في بداية حياتنا الزوجية، واتفقنا على أن لا يتجاوز عدد أفراد الأسرة 3 أفراد حتى نتمكن من رعاية الطفل بشكل جيد، ونوفر له العناية اللازمة".
وتعتبر حجلاوي أنّ "تنشئة الأطفال في تونس أصبحت مهمة صعبة، وتحتاج إلى الكثير من الجهد في ظل تراجع الخدمات العامة، وتردي مستوى التعليم، فضلاً عن تباعد الأسر على عكس ما كان عليه الأمر في العقود السابقة. الأسرة كانت في السابق تجد أشكالاً من المساعدة في تنشئة الأطفال من قبل الأهل، ومن قبل المدرسة، غير أن تلك التنشئة تحولت مع تطور المجتمع إلى مسؤولية فردية على عاتق الزوجين، مادياً ومعنوياً، وهذا ما يفسر خيار تقليص عدد الأطفال، والمباعدة في الإنجاب، وهذه القناعة تتوسع بين الأزواج الشبان، وخاصة في المدن الكبرى".
وقدر عدد سكان تونس في عام 2020، بنحو 11.819 مليون نسمة، موزعة بنسبة 49.60 في المائة من الذكور، و50.40 في المائة من الإناث، بينما بلغ متوسط معدل النمو السنوي للسكان 1.12 في المائة في الفترة بين عامي 2015 و2020. 
تقول الباحثة التونسية المختصة في علم الاجتماع، صابرين الجلاصي، إن "توجه الأسر التونسية نحو الاكتفاء بطفل واحد، أو طفلين، هو نتيجة للتطوّر التاريخي لسياسة تحديد النسل التي عرفتها تونس قبل أكثر من ستة عقود"، معتبرة أن "السياسات الاجتماعية التي تفرضها الحكومات تتطور بطبعها، وربما تأخذ أشكالاً جديدة، وتتحول إلى قرارات فردية".

وتؤكد الجلاصي لـ"العربي الجديد"، أن "الضغوط المعيشية المتزايدة، ومتطلبات المجتمع الجديدة تؤثر بدورها على قرار الإنجاب لدى الأسر، فاللجوء إلى تقليص الإنجاب، أو التباعد بين الولادات، ظواهر تعيشها كل المجتمعات التي تمر بصعوبات معيشية، لاسيما إذا اقترن ذلك بمستويات جيدة من الوعي والتعليم".

وتشير الباحثة التونسية إلى تواصل تأثير الوضع الاقتصادي والاجتماعي على السياسة السكانية، وعلى نسبة الخصوبة، خصوصاً في ظل تأخر سن الزواج، وارتفاع معدلات العزوف عن الزواج لدى الجنسين، موضحة أن "حالة التماهي الاجتماعي تحوّل قرار تقليص الإنجاب إلى ظاهرة، كما ان عدم شعور الأسر بالأمان في ظل ارتفاع مستويات الجريمة التي تستهدف الأطفال يجعل حماية الأبناء أكثر كلفة، ويحتاج إلى مزيد من الجهد من الأسر".
ويرجح المختص في البحوث الديموغرافية، علي بن إبراهيم، أن يشهد المجتمع التونسي بين عامي 2035 و2040، ما يطلق عليه "تهرماً سكانياً" إذا ما تواصل معدل تراجع الخصوبة، معتبرا أن جميع البلدان التي تعتمد سياسة تحديد النسل تنخفض فيها معدلات الإنجاب.

الصورة
يكتفي كثير من التونسيين بإنجاب طفل واحد (جديدي وسيم/Getty)
يكتفي كثير من التونسيين بإنجاب طفل واحد (جديدي وسيم/Getty)

ويضيف بن إبراهيم أن "المشكلة الحقيقية في تونس هي صعوبة الوضع المعيشي الذي يدفع العائلات إلى تحديد النسل، ومنذ الثورة، يتواصل ارتفاع الأسعار، وغلاء المعيشة، بالإضافة إلى التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي يشهدها المجتمع".
وحسب بيانات الأمم المتحدة، فإن معدل النمو السكاني في تونس من بين أقل المعدلات العالمية حالياً نتيجة انخفاض معدلات الخصوبة، وعلى الرغم من ذلك، فإن المجتمع التونسي مازال من بين المجتمعات الفتية، فأكثر من ربع عدد السكان دون سن الخامسة عشرة وفق تقديرات رسمية لعام 2020.

ويتراوح سنّ 56 في المائة من سكان تونس بين 15 و54 سنة، و10 في المائة من السكان في الفئة العمرية بين 55 و64 سنة، وتقدر نسبة من تجاوزوا عمر 65 سنة بأكثر قليلاً من 8 في المائة من إجمالي عدد السكان في البلاد، وفقاً لكتاب "حقائق العالم" الصادر عن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية.

المساهمون