يثير موضوع تدخين الأطفال والمراهقين استهجاناً في كلّ المجتمعات، إذ إنّه شائك ويستلزم معالجة دقيقة، حتى لا يذهب الصغير إلى ردود فعل عكسيّة لتحدّي كلّ من له سلطة عليه.
صعّد ناشطون وحقوقيون عراقيون أخيراً حملاتهم للضغط على السلطات الصحية والأمنية في البلاد، بهدف تفعيل القوانين المتعلقة بمنع دخول الأطفال والمراهقين إلى المقاهي وصالات الألعاب لتدخين الشيشة أو النرجيلة، وكذلك تلك المتعلقة ببيع المحال التجارية علب التبغ لهؤلاء، مؤكدين ارتفاع عدد المدخنين دون الثامنة عشرة من عمرهم إلى مستويات قياسية في البلاد.
بحسب آخر الأرقام الصادرة عن وزارة الصحة العراقية في نهاية العام الماضي، نقلاً عن عضو برنامج مكافحة التبغ في وزارة الصحة وسيم كيلان، فإنّ مسوحات أجريت في العراق تشير إلى أنّ شخصاً واحداً يموت كل 20 دقيقة لأسباب تتعلق بالتدخين، مشيراً إلى أنّ العراق ينفق يومياً مليارَي دينار عراقي (نحو مليون و400 ألف دولار أميركي) لشراء التبغ ومنتجاته من الخارج. وفي تصريحات لكيلان، نقلتها وسائل إعلام محلية، فإنّ "نصف مراجعي العيادات الطبية من الأطفال دون الخامسة من عمرهم، يعانون من مشاكل تنفسية مرتبطة بالتدخين والنرجيلة من قبل ذويهم". أمّا تقديرات نقيب الأطباء العراقيين، عبد الأمير الشمري، فتشير إلى أنّ نحو 40 في المائة من العراقيين هم من المدخنين، وأنّ نحو 20 في المائة من تلاميذ المدارس مدخنون كذلك.
يقول الناشط الحقوقي أحمد عبد السلام الشيخلي إنّ الناشطين والحقوقيين في بغداد في هذا الإطار قابلوا "مسؤولين في وزارة الداخلية، لبحث أسباب عدم تفعيل القوانين وبقاء المقاهي وصالات لعب البولينغ وغيرهما مكاناً لجذب المراهقين نحو التدخين الذي هو باب أوّل للوصول إلى المخدرات بمختلف أنواعها". يضيف الشيخلي، لـ"العربي الجديد" أنّهم لم يحصلوا "إلا على وعود وتأكيدات بأنّ الوزارة والوزير (عثمان الغانمي) شددا على تفعيل القانون. لكنّ الواقع يأتي بخلاف ذلك، وكل الجهود التي تبذل تكاد تظهر كمبادرات شخصية من قبل ضباط ومسؤولي أمن يُروَّج لهم على مواقع التواصل، على الرغم من أنّ ذلك من صلب عملهم". ويشير الشيخلي إلى أنّه "من غير المستبعد وجود دوافع سياسية، كون تجارة التبغ في البلاد تسيطر عليها أحزاب وجهات نافذة وتسحب من خلالها مليارات الدنانير شهرياً من جيوب العراقيين".
من جهته، يقول مدير الشرطة المجتمعية في وزارة الداخلية العراقية، العميد غالب العطية، لـ"العربي الجديد"، إنّ "تدخين الأطفال والمراهقين ينتشر في مجتمعنا، سواء في بغداد أو المحافظات. وقد تحوّل ذلك إلى خطر مجتمعي، فيما تُنفَّذ عمليات تفتيش وبحث بشكل مستمر في المقاهي وغيرها من الأماكن، وقد نجد على سبيل المثال طفلاً في العاشرة من عمره أو أقلّ يدخّن الشيشة في أحد المقاهي. وعندما نحاول محاسبته، نكتشف أنّ والده يرافقه ويدخّن معه". يضيف العطية أنّ "المقاهي بمعظمها تبلّغت بوجوب وضع لافتات تمنع دخول الأطفال للحدّ من ذلك، بالإضافة إلى إطلاق برامج توعية في المدارس وبفعاليات مجتمعية مختلفة، مع أهمية توعية الأسر كذلك لمتابعة أبنائهم، لأنّ ثمّة قصوراً واضحاً من قبل الأهل تجاه أطفالهم وتقويم سلوكهم". ويؤكد العطية أنّ "اختلاط الأطفال مع كبار السنّ في المقاهي يمثّل خطراً على الأطفال، إذ يُستغلّون ويُغرقون في هذه العادات السيئة، بالإضافة إلى استخدامهم في مهام خطرة. وهذا ما يدعو إلى ضرورة متابعتهم من قبل الأهل وكلّ فئات المجتمع المعنيّة ليكون هذا الجيل سويّاً".
في السياق نفسه، يقول الحقوقي أحمد عبد الخضر جاسم لـ"العربي الجديد" إنّه "في الربع الأول من عام 2012، صدر قانون مكافحة التدخين رقم 19 لسنة 2012، بهدف حماية الأشخاص من أخطار التدخين الصحية والبيئية والاجتماعية، وقد حُظر بموجبه التدخين في الأماكن العامة ومُنع الترويج له. وذهب القانون إلى منع الصغير والحدث من التدخين أو ممارسة مهنة بيع وشراء التبغ ومشتقاته، فيما أكدت الفقرة الثانية من القانون معاقبة الجهات التي تخالف النصّ بعقوبات مالية، وفي حال تكرار المخالفة يصار إلى الغلق". يضيف الجاسم أنّ "قانون مكافحة التدخين يُصنَّف من القوانين ذات المضمون الجيد إنّما غير المطبقة. فعلى الرغم من أنّ المشرّع اجتهد كثيراً في مسألة تقنين تجارة التبغ ومشتقاته وحظره في الأماكن العامة وفرض غرامات مالية على المخالفين، فإنّنا نجد أنّ الدوائر بمعظمها، بل ومراكز بعض الوزارات، لم تطبّق نصوصه، وقد تمادى موظفوها في خرق القانون. كذلك فإنّ مقاهي كثيرة تستقبل الأحداث وتقدّم لهم الشيشة وتسمح لهم بالتدخين، وهذا أمر قد يدفعهم إلى تعاطي المخدرات".
وعن أسباب انتشار التدخين بين الأطفال، تقول الباحثة الاجتماعية منى كاطع، وهي عضو جمعية "أجيال لتنمية الذكاء والإبداع" غير الحكومية، إنّ "تدخين الأطفال بدأ يتزايد يوماً بعد آخر، لا سيّما أنّ ثمّة دوافع كثيرة جعلت الأطفال يتبنّون هذا السلوك وضاعفت أعداد المتورطين فيه". تضيف كاطع لـ"العربي الجديد" أنّ "ثمّة ضرورة لتغليظ القوانين تجاه أصحاب المقاهي وبائعي التبغ وكذلك معاقبة الأهل في حال ثبُت إهمالهم لأطفالهم. والإهمال العائلي سبب رئيسي قبل أن يكون ضعف الرقابة الخارجية هو السبب، لذا تُلقى على عاتق الوالدَين مسؤولية كبيرة في مراقبة أطفالهما. كذلك لا بدّ من ضمان توعية الأطفال في المدارس بخطورة التدخين والمضار الصحية الكبيرة المترتبة عليه، وتحذيرهم بالعقبات التي قد تلحق بصحتهم وذويهم في حال قيامهم بذلك". وتشدد على أنّه "يتوجّب على المجتمع نبذ ومحاربة هذه الظاهرة بكل أشكالها للحدّ من انتشارها بكل الطرق السليمة".