- تعميق الانقسامات القبلية والمجتمعية نتيجة الحرب، مع دعم زعماء القبائل لأطراف النزاع وتشكيل مليشيات مسلحة، ينذر بتوسع نطاق الحرب ويؤكد على أهمية التوصل إلى حل سياسي لضمان وحدة وتعايش السودانيين.
- الأزمة تعكس هشاشة بناء الدولة وسوء إدارة التنوع القبلي، مع دور محوري للمجتمع المدني والأكاديميين في دعوة إلى تجاوز الخلافات وتعزيز الوحدة، مشددين على أن الحل يكمن في وقف الحرب وتطبيق مبادئ العدالة الاجتماعية.
بعد أكثر من عام على الحرب بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع، والتي اندلعت في 15 إبريل/ نيسان 2023، برز خطاب كراهية متبادل بين بعض المكونات المجتمعية السودانية، ووصل خطاب قبلي إلى وسائل الإعلام.
وهاجم ضابط متقاعد من جهاز المخابرات عبر الإذاعة الرسمية أخيراً، قبيلة في شرق السودان، وقال إنها ليست سودانية، واستكثر على أبنائها الوصول إلى المناصب الحكومية، كما استنكر قتال أبنائها في صفوف الجيش، ما أثار غضباً واسعاً، ودفع الإذاعة السودانية إلى كتابة خطاب اعتذار رسمي سلمته إلى زعيم القبيلة.
كما جرت حادثة أخرى كان مسرحها سفارة السودان في العاصمة الأوغندية كمبالا، حيث تقدم مواطن سوداني بطلب استخراج جواز سفر، لكن طلبه قوبل بالرفض بحجة انتمائه القبلي، وعندما تحدث لوسائل الإعلام ثار جدل واسع، وصدرت بيانات توضيحية من الشرطة ووزارة الخارجية.
لا يمكن التعامل مع الحادثتين بمعزل عن مشهد الاصطفافات والاستقطابات وشراء الولاءات القبلية، ففي نهاية العام الماضي، أعلن عدد من زعماء القبائل مبايعتهم لقوات الدعم السريع في حربها ضد الجيش السوداني، وقبل أيام أعلن الزعيم القبلي الأشهر موسى هلال انحيازه إلى الجيش.
وتابع السودانيون، خلال الأسابيع الماضية، حفل تخريج مليشيات قبلية مسلحة في شرقي السودان، في حين عمدت قبائل في الغرب لتسليح نفسها بهدف مقاومة اعتداءات الدعم السريع، وفي الوقت ذاته تكتظ وسائل التواصل الاجتماعي بالدعاية والدعاية المضادة على أسس قبلية أو جهوية.
يقول الناطق باسم التحالف المدني لشرق السودان صالح عمار لـ"العربي الجديد"، إنه "من الطبيعي أن تخلف الحرب في السودان واقعاً قبلياً محتقناً وأن تخلق أزمات مجتمعية، فنحن نتحدث عن بلد معروف بتنوعه وتعدد قبائله وثقافاته وجغرافيته. ما يزيد الأمور تعقيداً هو توسع نطاق الحرب وفقدان الطرفين زمام التحكم بشكل ربما يقود إلى انقسامات داخلية واحتشاد قبلي تتضاعف مخاطره عبر التنافس على امتلاك السلاح".
يضيف عمار: "وصل الوضع إلى مرحلة شديدة الاحتقان، وقد يتسع نطاقه لتكون له تبعات مجتمعية خطيرة إذا لم يتم التوصل إلى حل سياسي للصراع، لا سيما بعد انهيار خدمات الصحة والتعليم، ونزوح ملايين الأشخاص. لا مجال لاستخدام المسكنات لعلاج كارثة، والحل الوحيد هو وقف الحرب، وفعل كل ما يمكن لضمان وحدة السودانيين وتعايشهم".
من جانبه، يقول أستاذ علم الاجتماع بجامعة النيلين أشرف أدهم، لـ"العربي الجديد"، إن "هناك تضخيماً مقصوداً لكثير من الحوادث العرضية، مثل حادثة رفض استخراج جواز السفر، إذ كانت إدارة الجوازات تتشدد دائماً في استخراج الوثائق للأشخاص المنتمين للقبائل الحدودية، وذلك للتأكد من انتماء الشخص إلى المجموعة القبلية أو العرقية الموجودة داخل السودان".
واتهم أدهم دولاً ومنظمات لم يسمها بالعمل على تحويل الصراع السياسي إلى حرب قبلية، مشيراً إلى أن "هناك أطرافاً تسعى لتغذية الأزمة بالمال والسلاح لضمان تحقيق مصالحها العسكرية والاقتصادية، كما تعمل على استغلال المناخ القائم لترويج أفكار سلبية، كما أن بعض نشطاء مواقع التواصل يحاولون تأجيج الفتنة القبلية. المطلوب حالياً صدور تصريحات واضحة من أعلى المستويات الرسمية تؤكد أنه ليس هناك تمييز بين القبائل السودانية، وأن حقوق المواطنين متساوية".
ويؤكد الرئيس المناوب للجنة المركزية لأبناء قبيلة الهوسا، الأكاديمي عبد العزيز النور، أن "الحرب مظهر من مظاهر سوء إدارة التنوع القبلي والثقافي، وإفرازات ما بعد الحرب تدل على هشاشة بناء الدولة السودانية، وهشاشة القوانين المنظمة لأعمال القبائل والإدارات الأهلية. قضى قرار سابق في عهد الرئيس الأسبق جعفر نميري بتقليص سلطة الإدارة الأهلية، وبعد التراجع عنه، عادت سطوة القبيلة، وتمسكت كل قبيلة بأرضها، وتعاملت مع الآخرين كضيوف، فحدثت جملة من النزاعات".
يضيف النور، في حديث لـ"العربي الجديد": "على السودانيين بكافة مكوناتهم المجتمعية تجاوز أخطاء الماضي والشروع في تأسيس جديد تبتعد فيه الدولة عن الشؤون القبلية، على أن تبتعد القبائل عن الحكم والسياسة والتدخل في شؤون الأفراد، مع تطبيق مبادئ العدالة الاجتماعية في توزيع الثروة والسلطة".
ويرى الناطق باسم منبر البطانة الحر يوسف عمارة أبو سن أن "تجاوز حالة الاحتقان القائمة يتطلب التحلي بالمسؤولية الوطنية، وتجاوز الخلافات والنعرات، وتعزيز قيمة الوطن، وإعلاء الوحدة والتعايش بين المكونات القبلية والمناطقية".
ويستبعد أبو سن حدوث انزلاق نحو الحرب القبلية، لأن "العدو واحد، وهو مليشيا الجنجويد التي عرضت كافة أبناء الشعب السوداني للأذى، وقتلت وشردت ونهبت، وارتكبت انتهاكات جسيمة في كل مكان وصلت إليه"، ويستشهد بإقليم شرق السودان الذي كان قبل الحرب ميداناً للصراع القبلي والتنازع الإثني، لكن بعد الحرب اختفت تلك النعرات.
ويقول لـ"العربي الجديد": "هذا شعور بالمسؤولية، وتقدير للحظة التاريخية التي تمر بها البلاد، وعلى أرض الواقع لا وجود لخطاب كراهية ممنهج ضد أي قبيلة، وإنما هناك آراء شخصية متطرفة لا تمثل سوى قائليها، وهي مرفوضة من كافة المكونات".
ويرى يعقوب الدموكي أن "ما يثار حول بوادر حرب قبلية يأتي في إطار الحرب الإعلامية بعد حملة الاستنفار الفاشلة داخل القبائل العربية في دارفور، والتي رفضت الاستجابة لقوات الدعم السريع لأنها تعلم أهداف الاستنفار القبلي، وتدرك أن أبناءها موجودون في كل مؤسسات الدولة"، مضيفاً، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الاحتقان القبلي موجود بين القبائل المحسوبة كحاضنة اجتماعية للدعم السريع منذ اعتقل الجيش قيادات بعض القبائل واتهمهم بالتحريض ضده، ما خلق احتقاناً يمكن أن ينفجر في أي لحظة، وأبناء بعض القبائل الذين التحقوا بالحرب ضمن التجنيد القبلي قرروا التخلي عن القتال والعودة إلى ديارهم".