تحذيرات من الارتهان التقني بعد تزايد هجرة مهندسي تونس

30 يوليو 2024
من احتجاج سابق لمهندسين تونسيين (ياسين قايدي/ الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- كشفت دراسة عن هجرة مقلقة للمهندسين التونسيين، حيث يغادر البلاد سنوياً حوالي 3 آلاف مهندس، وبلغت الهجرة ذروتها في عام 2022 مع مغادرة نحو 6500 مهندس، مما يهدد التنمية الاقتصادية والاجتماعية في تونس.

- أرجع عميد المهندسين التونسيين، كمال سحنون، أسباب الهجرة إلى صعوبة ظروف العمل وضعف الرواتب، مشيراً إلى الطلب الكبير على المهندسين التونسيين في أوروبا وكندا والولايات المتحدة.

- أوصت الدراسة بتحسين ظروف العمل وتثمين المسارات المهنية، وتعزيز الاستقرار السياسي والاقتصادي، وتطوير البنية التحتية، وزيادة الدعم للبحث والتطوير، وتحديث أساليب الإدارة، ودعم الشراكات الدولية.

كشفت نتائج دراسة نشرها المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية التابع لرئاسة الجمهورية، عن نسق هجرة مثير للقلق للمهندسين التونسيين، ما يهدد البلاد بفقدان الكثير من الكفاءات، والتحوّل إلى مرحلة الارتهان التكنولوجي خلال السنوات القليلة القادمة.
وأكدت الدراسة الصادرة مطلع شهر يوليو/تموز الجاري، أن 3 آلاف مهندس يغادرون البلاد سنوياً، وأن هذا التوجه إلى الهجرة بلغ ذروته عام 2022، والذي شهد هجرة نحو 6500 مهندس، محذرة من تداعيات مرتقبة على التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، واستدامة نموذجها الاقتصادي وقدرتها التنافسية الدولية، والحدّ من قدرتها على تحقيق الانتقال في مجالات عدة من بينها الطاقة والرقمنة والبيئة.
ويشمل نزيف الهجرة المستمر مهندسين تونسيين من مختلف الشرائح العمرية، ما يزيد من صعوبات الانتقال المهني بين الأجيال، ويعطل عملية تجديد الكفاءات في عدد من المجالات الحيوية.

واعتبر عميد المهندسين التونسيين، كمال سحنون، أن "الدراسة الصادرة عن معهد الدراسات الاستراتيجية تعد تأكيداً لكل أجراس الخطر التي سبق أن قرعها العاملون بالمهنة، واعتراف صريح بخطورة الأوضاع"، وقال في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن "معدل الهجرة الذي بلغ ذروته في 2022 مستمر على نفس النسق حتى الآن"، مشيراً إلى أن "أرقام المغادرين تضاعفت خلال السنتين الأخيرتين، ما يدل على عمق الأزمة التي انتهت إليها مهنة الهندسة".
ويفسر سحنون أسباب هجرة المهندسين بـ"صعوبة ظروف العمل في ظل تأخر الانتقال التكنولوجي في تونس، فضلاً عن ضعف الرواتب"، ويؤكد أن "الطلب على المهندسين التونسيين في الدول الأوروبية وكندا والولايات المتحدة كثيف، والهجرة تشمل مختلف الشرائح العمرية، والطلب الأوروبي على المهندسين يتركز على عدة اختصاصات، وهؤلاء عادة ينتمون إلى الشريحة العمرية بين 25 و35 سنة".
واعتبر أن "نتائج الدراسة تضع السلطات أمام مسؤولياتها التي تتطلب إيجاد حلول لكبح النزيف قبل خلو أغلب القطاعات من الكفاءات الهندسية. نموذج التنمية الحالي لا يحفّز المهندسين على الاستقرار في تونس، والدول التي نجحت في جذب الطاقات الهندسية أرست نماذج اقتصادية قائمة على اقتصاد المعرفة".
وبلغ عدد المهندسين في تونس نحو 80 ألفاً، منهم نحو 10 آلاف مهندس يعملون في القطاع الحكومي. وأكدت دراسة أنجزتها عمادة المهندسين عام 2019، أن نحو 22 ألف مهندس هاجروا خلال السنوات العشر الأخيرة، أي نحو 22% من مجموع الكفاءات المهنية التي تضمها البلاد، والمقدّر عددها بنحو 100 ألف في الاختصاصات المختلفة.

يطالب مهندسو تونس بتحسين أوضاعهم المهنية والمالية (ياسين قايدي/الأناضول)
يطالب مهندسو تونس بتحسين أوضاعهم المهنية والمالية (ياسين قايدي/الأناضول)

ولا يستبعد عميد المهندسين كمال سحنون انزلاق تونس نحو الارتهان التكنولوجي في قطاعات حساسة بسبب ندرة المهندسين في المستقبل، ويقول إن "المهندسين في دول مثل المغرب والأردن يتقاضون أجوراً تبلغ 4 أضعاف ما يتقاضاه المهندس التونسي، والحلول التي طرحها معهد الدراسات الاستراتيجية للحد من هجرة الكفاءات والوقاية من تداعياتها مهمة، ومن بينها تحسين الأجور، والتحفيز الضريبي، إضافة إلى إدماج المهنيين في المشاريع المتجددة".
وأوصت دراسة معهد الدراسات الاستراتيجية بتحسين ظروف العمل، وتثمين المسارات المهنية، والتركيز على التدريب، وملاءمة المنظومة التعليمية لاحتياجات سوق العمل، إلى جانب تعزيز الاستقرار السياسي والاقتصادي، وتطوير البنية التحتية، وتنشيط منظومة ريادة الأعمال.
كما دعت إلى زيادة الدعم الموجه للبحث والتطوير، وتعزيز الاستثمار الخاص، وإرساء أنظمة ضريبية مميزة للمهندسين، وسياسات ضريبية تحفيزية لشركات التكنولوجيا، فضلاً عن تحديث أساليب الإدارة، ودعم الشراكات مع المؤسسات الدولية، والنهوض بإدماج المهندسين التونسيين المغتربين في المشاريع المحلية.

وتندرج النزعة نحو الهجرة لدى المهندسين ضمن نطاق أوسع يضع تونس أمام رهان كبير، وهو قدرتها على الحفاظ على الكفاءات المحلية واستقطاب الكفاءات الدولية. وبناء على تصنيف أجرته الأمم المتحدة في مجال تطوير المهارات عام 2022، تحتل تونس المرتبة 119 بين 141 دولة من حيث قدرتها على استقطاب الكفاءات، والمرتبة 111 من حيث استبقاء كفاءاتها، وذلك بالرغم من أن البلاد تحتل المرتبة 67 من حيث عدد الكفاءات في المجال الرقمي بالنسبة إلى عدد السكان، ويؤشر ذلك إلى أن تونس تنفر الكفاءات الأكثر خبرة، وتعجز عن استقطاب الكفاءات الأجنبية.

المساهمون