تحذيرات إسرائيلية من حرب أهلية بسبب تنامي الاستقطاب المجتمعي

25 مارس 2023
تحولت احتجاجات في تل أبيب إلى اشتباكات (مصطفى الخروف/الأناضول)
+ الخط -

تجمع مئات الإسرائيليين ليلة السبت الماضي، في أحد ميادين مدينة "هرتسليا" شمال تل أبيب، للاحتجاج على "الإصلاحات القضائية" التي تعكف الحكومة على تشريعها، لكنّ سيارة فاجأت المحتجين، بعدما اندفعت إلى وسط الجموع بهدف دهس أكبر عدد منهم، ما أفضى إلى إصابات. وحسب روايات الشهود، فإن المتظاهرين نجوا بأعجوبة من محاولة الدهس التي نفذها أحد المؤيدين لقرارات الحكومة. 
وتدل الشواهد على أن الطرف الذي يبادر إلى ممارسة العنف هم مؤيدي الأحزاب التي تشكل الحكومة، ومعظمهم من أتباع التيار الديني القومي، واليهود من أصول شرقية. ونشر صحافيون ونشطاء معارضين للإصلاحات القضائية مقاطع فيديو عبر حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، يظهر فيها أعضاء من اللجنة المركزية لحزب الليكود، وهم يعترضون طريق المحتجين، ويوجهون لهم الشتائم.
ومع تعاظم مظاهر العنف المجتمعي بالتزامن مع تراجع الاستعداد لإدارة حوار سلمي، حذرت قيادات سياسية وعسكرية ونخب من "حرب أهلية". وكان الرئيس الإسرائيلي، إسحاق هيرتسوغ، الأكثر وضوحاً، إذ قال: "من يظن أننا لن نصل إلى الحرب الأهلية، فهو لا يفهم الواقع الذي تحياه إسرائيل".
وكان وزير الأمن السابق زعيم حزب "المعسكر الرسمي"، بني غانتس، أكثر تشاؤماً في تحذيره، إذ كتب على "تويتر": "حزين لسماع تقارير عن متظاهر صدمته سيارة خلال تظاهرة في هرتسليا. لقد بدأ العنف ضد المتظاهرين في جميع أنحاء البلاد يتصاعد، والحرب الأهلية على الأبواب. نحن نقترب من الهاوية".
ويعزز من فرص تطور الصدامات الداخلية الإسرائيلية أنّ المحتجين على الإصلاحات القضائية، وأغلبيتهم الساحقة من العلمانيين، لا يحركهم فقط الحرص على "الديموقراطية"، أو رفضهم أن يوظف رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، هذه الإصلاحات لتوفير مسار قانوني يمنحه حصانة من المحاكمة في قضايا الفساد؛ بل شعور عميق بأن الأحزاب والحركات الدينية المشاركة في الائتلاف الحكومي تخطط لتوظيف الإصلاحات في تكريس عدم المساواة الاجتماعية.

ويؤدي الإحساس بانعدام المساواة الاجتماعية إلى مجاهرة الأغلبية الساحقة من العلمانيين بأن العقد الاجتماعي الذي ينظم العلاقة بينهم وبين الدولة لم يعد قائماً، وهذا ما أفضى إلى تكريس واحدة من أكثر الظواهر تهديداً لوجود إسرائيل، وهي إعلان آلاف الضباط والجنود في قوات الاحتياط رفضهم أداء الخدمة العسكرية. ونظراً لأنّ 70 في المائة من الجهد الحربي الإسرائيلي تنفذه قوات الاحتياط، فإنّ اتساع هذه الظاهرة قد يفضي إلى المس بقدرتها على الحفاظ على مصالحها الأمنية والعسكرية. ومنذ الأحد الماضي، شرع المئات من ضباط "لواء العمليات الخاصة" المسؤول عن تنفيذ عمليات خارج الحدود، في عدم الانصياع للأوامر بالمشاركة في التدريبات، أو أداء المهام القتالية، وخلال الأسبوع، انضم المئات من ضباط سلاح الجو، ووحدات "السايبر"، والأجهزة الاستخبارية إلى رافضي أداء الخدمة العسكرية.

الاستقطاب المجتمعي يتزايد في إسرائيل (أمير ليفي/Getty)
الاستقطاب المجتمعي يتزايد في إسرائيل (أمير ليفي/Getty)

ودفعت مظاهر بداية تفكك العقد الاجتماعي الذي قامت عليه إسرائيل، كلّاً من رئيس الموساد السابق، تامير باردو، ورئيس المخابرات الداخلية السابق، نداف أرغمان، إلى التحذير من تفكك إسرائيل. وقبل عام، نشر رئيس الوزراء السابق، إيهود باراك، مقالاً في صحيفة "يديعوت أحرنوت"، تناول فيه ما أسماه "لعنة العقد الثامن"، وحذر من أنّ الاستقطاب الداخلي والصدع المجتمعي يمكن أن يفضيا إلى اختفاء إسرائيل.
بدوره، يعزو الأكاديمي الإسرائيلي، دورون ماتسا، في مقال نشرته "يديعوت أحرنوت"، حالة التشظي المجتمعي إلى ما أسماه "بداية تفكك الدولة، وتحول المجتمع إلى قبائل يهودية متصارعة. مؤسس إسرائيل، ديفيد بن غوريون، حرص على إعلاء مكانة الدولة كإطار جامع، وعمل على ترسيخ وحدة المجتمع عبر صهر الثقافات المختلفة التي ينتمي إليها اليهود لبلورة ثقافة واحدة، بينما الإطار الثقافي الجامع الذي يستند إليه المجتمع يتهتك حالياً، وهناك مظاهر لعودة القبلية، والتمحور على أساس الانتماء لها بدلاً من الشعور بالانتساب إلى دولة".

أضاف الأكاديمي الإسرائيلي: "الاضطرابات المجتمعية، والصراعات المتعاظمة بين الفرقاء تدلل على أن إسرائيل انتقلت إلى طور تتفاعل في سياقه التكتلات الاجتماعية المتصارعة على أساس ماضيها قبل الدولة. مقدمات تفكك المجتمع إلى نظام قبلي تجلت أثناء مواجهة جائحة كورونا، ففي حين سعت الدولة إلى التعاطي مع الوباء وفق استراتيجية وطنية شاملة، أصرت بعض التكتلات المجتمعية على ألّا تؤثر هذه الإستراتيجية على أنماط حياتها وتقاليدها ومنطلقاتها الدينية". وأبدى ماتسا تشاؤماً كبيراً إزاء إمكانية خروج المجتمع الإسرائيلي من أزمة البنيوية الخانقة، حتى مع التوصل إلى تفاهمات بشأن الإصلاحات القضائية.

المساهمون