"تحايل" على فحوص كورونا في الصين

15 نوفمبر 2022
صف طويل لاختبار كورونا في غانغزهو (الأناضول)
+ الخط -

يتداول الصينيون، على سبيل السخرية من سياسة "صفر كوفيد"، قصة حقيقية لمسن مقعد أجبرته اللجان الشعبية بعدما أمضى شهوراً معزولاً في بيته بسبب حالته الصحية، على مغادرة المنزل لإجراء اختبارات كورونا اليومية، ثم أعلن بعد أيام إصابته بالفيروس. 
أثارت هذه القصة مخاوف الصينيين من خطورة الانضمام إلى أفراد يصطفون في طوابير طويلة للخضوع لفحص كورونا، تنفيذاً للسياسة الصارمة في مكافحة الوباء، والتي تعتبر أن إصابة واحدة كفيلة بنقل العدوى في حال الاختلاط المباشر.
هذا الأمر دفع الشباب إلى اللجوء إلى حيل كثيرة من أجل الالتفاف على ما بات يشبه الروتين اليومي، وبينها استخدام رموز صحية لأشخاص آخرين، أو دفع أصدقاء لإجراء الفحص بالنيابة عنهم، عبر تمرير الكود الصحي الخاص بهم، خصوصاً أن اللجان لا تشترط إبراز الهوية الشخصية لكل فرد أثناء الفحص. وهذه التجاوزات طرحت تساؤلات جديدة عن نجاح سياسة "صفر كوفيد" ومدى قدرتها على مكافحة الجائحة.
يقضي لين جانغ يومه في مدينة شينزن (جنوب) في العمل بتوصيل طلبات الطعام، ويجد بالكاد الوقت لإجراء الاختبار اليومي لكورونا الذي يتطلب الانتظار نحو نصف ساعة أحياناً لإنهاء الفحص، وتفعيل الرمز الصحي الخاص به الذي يسمح بدخوله المطاعم لاستلام الوجبات التي تباع إلكترونياً. 
يقول لين لـ"العربي الجديد": فيما أنتظر دوري لإجراء اختبار كورونا، أخسر أجرة توصيل ثلاث طلبيات، أي حوالي دولارين، لذا ألجأ في بعض الأحيان إلى زملائي في العمل للقيام بذلك نيابة عني، عبر تمرير الكود الصحي الخاص بهم من أجل تفعيله. وأنا أرد نفس الخدمة لهم حين أمرّ بلجان صحية غير مزدحمة، لأننا فعلياً نسابق الوقت من أجل كسب لقمة عيشنا. ولكن منذ أن بدأت السلطات تشدد إجراءاتها في المدينة وتحديداً في شهر إبريل/ نيسان الماضي، أصبحنا نواجه عدة مشاكل وعقبات. وفي الأيام التي كان يُسمح بدخولنا المجمعات الصحية، كان الأمر معقداً وكنا مطالبين بإبراز الكود الصحي المفعّل خلال 24 ساعة، كما كان يجب أن نجري الفحص عبر اصطحاب الهوية الشخصية، ومن دون ذلك لا نستطيع ممارسة أي عمل". 
يتابع: "تغيّر الأمر وصولاً إلى منعنا منذ مطلع سبتمبر/ أيلول الماضي من دخول المجمعات السكنية، والاكتفاء بوضع طلبات الطعام في أكشاك أسفل كل منها. أيضاً لم يعد يشترط إبراز الهوية الشخصية أثناء الفحص، لذلك لجأنا إلى الالتفاف على الضوابط المحددة من أجل تسهيل الأمر، وجعله أقل تعقيداً".
من جهته، يقول وانغ تسي، وهو موظف في شركة لإنتاج ألعاب الفيديو في مدينة شنغهاي، لـ"العربي الجديد": "الاختبارات اليومية أمر مبالغ فيه، ويشكل عبئاً على السكان. كل مرة أصطف فيها بين مئات من الاشخاص لإجراء الفحص، أشعر بخوف شديد، لأن احتمالات التقاط العدوى تكون كبيرة جداً بسبب تردد عشرات آلاف السكان يومياً على هذه الأماكن، منهم من يكون عائداً للتو من مدينة أو بلد آخر، ومنهم من يكون مريضاً أو حتى مقعداً.

الصورة
يعتبر البعض أن اختبارات كورونا الحالية لا طائل منها (الأناضول)
يعتبر البعض أن اختبارات كورونا الحالية لا طائل منها (الأناضول)

يصطف الجميع من أجل غاية واحدة، علماً أن أي إصابة تسجل خلال اليوم تحتم إغلاق السلطات المنطقة بالكامل لأيام، وفحص السكان مجدداً في مجمعاتهم السكنية، علماً أن الإعلان عن إصابات جديدة يثير حالة من القلق والإرباك، إلى جانب الأضرار المرتبطة بالإغلاق والحجر الصحي للطلاب والموظفين والعاملين في القطاع الخاص.
من جهته، يعلّق الباحث في معهد قوانغ شي للدراسات الاجتماعية ليوان يي، بالقول لـ"العربي الجديد"، إن "خوف السكان من تداعيات الاختبارات اليومية أمر مبرر نظراً إلى المخاطر التي قد تنتج من الاختلاط اليومي، والاحتكاك المباشر بمئات بل آلاف السكان". يضيف: "يتناقض الوضع القائم مع متطلبات الحياة اليومية ذات الإيقاع السريع، إذ يصعب أن يوقف الموظفون أعمالهم وأشغالهم لإجراء اختبارات يشعرون بأنها روتينية، وعبثية أحياناً".
ويلفت إلى أن "الشعب الصيني أحد أكثر الشعوب انضباطاً والتزاماً بالقوانين والتعليمات التي تصدرها السلطات، لكن حال التذمر الراهنة تعكس غضباً شديداً يجب أن يؤخذ في الاعتبار خلال اتخاذ أي قرارات مستقبلية تتعلق بسياسة صفر كوفيد".

كما يشير إلى أن "العديد من المؤسسات واللجان الصحية تبالغ في تطبيق الإجراءات، ما يصعّب حياة الناس. وبين هذه الإجراءات اشتراط إبراز الرمز الصحي للدخول إلى مجمع سكني أو مركز تسوق، أو حتى ركوب سيارة أجرة. وهذه الإجراءات فعلياً تشديد لا طائل منه على مستوى الإجراءات الاحترازية خصوصاً داخل مدن تخضع منافذها لإجراءات مشددة ترصد حركة السكان في الخارج والداخل.
وكان نشطاء طالبوا الحكومة بوقف العمل بسياسة "صفر كوفيد"، والتحوّل إلى التعايش مع الوباء على الطريقة الغربية، لكن السلطات الصينية ترفض فكرة التعايش باعتبار أن ظروف البلاد تختلف عن باقي الدول على صعيد عدد السكان (1.4 مليار)، ونسبة المسنين الذين يتجاوز عددهم 300 مليون.

المساهمون