تبخر الأجساد... قذائف وصواريخ الإبادة في غزة

09 يناير 2025
قذائف ضخمة تخلف دماراً هائلاً، 4 يناير 2025 (حسن الزعانين/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- استخدام الأسلحة المحرمة دولياً وتأثيرها المدمر: يستخدم جيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة أسلحة محرمة دولياً تؤدي إلى تبخر أجساد الشهداء، حيث وثق الدفاع المدني اختفاء 7820 جثماناً بسبب صواريخ الاحتلال التي تُنتج طاقة حرارية عالية.

- قصص مأساوية لعائلات فقدت أحبائها: تعرضت عائلات مثل جعرور والبهنساوي لمجازر مروعة، حيث فقدت عائلة جعرور ابنها سند ولم يُعثر على جثمانه، كما فقدت عائلة البهنساوي تسعة أفراد دون العثور على جثامينهم.

- مطالبات بالتحقيق الدولي وتحديات الفحص: يطالب مختصون وعائلات الضحايا بلجان تحقيق دولية للكشف عن الأسلحة المستخدمة، لكن يواجهون تحديات بسبب منع الاحتلال إدخال أجهزة الفحص اللازمة.

تؤدي بعض القذائف التي يستخدمها جيش الاحتلال في قطاع غزة إلى تبخر أجساد الشهداء واختفائها بالكامل، ويطالب مختصون بضرورة تشكيل لجان تحقيق لإثبات استخدام الاحتلال أسلحة محرمة دولياً

استخدم جيش الاحتلال الإسرائيلي شتى أنواع الأسلحة المُحرمة دولياً في ارتكاب مئات المجازر ضد المدنيين العُزل خلال حرب الإبادة المستمرة على قطاع غزة، ووفق توثيق لجهاز الدفاع المدني في غزة، فإن 7820 جثماناً على الأقل لم تُسجل بياناتهم لدى وزارة الصحة كونها لم تصل إلى المستشفيات بسبب تبخرها أو ذوبانها بفعل صواريخ الاحتلال وقنابله الفتاكة.
كانت عائلة جعرور واحدة من العائلات التي اكتوت بنيران تلك الأسلحة الفتاكة خلال مجزرة مروعة ارتكبها جيش الاحتلال في مصلى مدرسة التابعين بحي الدرج شرقي مدينة غزة، في 10 أغسطس/آب الماضي، إذ كان من بين الشهداء سند سلمان جعرور (36 سنة)، والذي كان يؤدي صلاة الفجر جماعة في مُصلى المدرسة التي نزح إليها قسراً، وقامت طائرات الاحتلال بقصف المصلى بصاروخ ثقيل، ما أدى إلى استشهاد عشرات.
تقول والدته ابتسام جعرور (63 سنة) لـ"العربي الجديد"، إنها سمعت صوت انفجار قوي هزّ المنطقة برمتها، وحينها تسلل الخوف إلى قلبها كونها تعلم أن ابنها سند كان في مُصلى المدرسة، فهرعت بسرعة رفقة أبنائها إلى المُصلى، وعندما وصلت كانت صدمتها كبيرة، إذ شاهدت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء متفحمة، وآخرين مُصابين بحروق خطرة.
تضيف جعرور: "أخذت مع أبنائي نفتش بين الأشلاء المُتناثرة على الأرض بحثاً عن سند، لكن لم نجد له آثراً، وبعدما تأكدنا من عدم نجاته، واصلنا البحث لأكثر من سبع ساعات عن جثمانه، أو ما تبقى منه، لكن من دون جدوى. توجهنا إلى كل مستشفيات شمالي القطاع من أجل البحث عن جثمانه بين الشهداء، لكننا عدنا بلا أي معلومة، أو حتى قطعة من أشلاء جسده، كما توجهنا إلى قبرٍ كُتب عليه (شهيد مجهول)، ونبشناه أملاً في إيجاد سند، لكنه لم يكن قبره أيضاً. تبدد أمل العائلة بعد مرور ثلاثة أيام من البحث بلا نتيجة".
تتابع: "توجهنا إلى وزارة الصحة، والدفاع المدني وغيرهما من الجهات المختصة للاستفسار عن مصير سند، فكانت الإجابة أن الصاروخ الذي استهدف المصلى يعمل على حرق وتفتيت الأجساد، ويؤدي ذلك إلى تبخرها واختفاء أثرها". 
لا يختلف حال عائلة البهنساوي التي كانت تقيم في مخيم جباليا شمالي قطاع غزة، والتي ارتكب الاحتلال بحقها مجزرة مروعة في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2023. يقول محمود البهنساوي لـ"العربي الجديد"، إن الاحتلال قصف بستة صواريخ المربع السكني الذي كان يضم منزل عائلته المكون من ثلاثة طوابق، والذي كان يؤوي 11 فرداً، وأسفرت المجزرة عن ارتقاء أكثر من 80 شهيداً، غالبية جثامينهم كانت أشلاء ممزقة.

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

ويوضح أن الاحتلال حوّل المربع السكني إلى أكوام من الحجارة، وارتقى من عائلته تسعة أفراد، وعثر على جثماني شقيقه الأكبر "محمد" وطفلته، فيما اختفت آثار جثامين بقية عائلته. وبيّن أنه بحث برفقة طواقم من الإسعاف والدفاع المدني عن الجثامين لكن لم يجد أي أثر لهم.
يضيف البهنساوي لـ"العربي الجديد": "اختفى خمسة أشخاص كلياً، من بينهم والدتي، وشقيقي علي وابنتا شقيقي الشهيد محمد، وقد استمر بحثنا عن جثامينهم لمدة ثلاثة أيام بلا جدوى، كما توجهنا إلى مستشفيات شمالي القطاع للبحث، ومن دون نتيجة أيضاً. اختفت آثار الشهداء، ولم نجد حتى أجزاء من الأشلاء من أجل دفنها. نطالب بتشكيل لجان تحقيق دولية للكشف عن طبيعة الأسلحة الفتاكة التي تعمل على صهر أجساد الشهداء".
بدوره، يؤكد الناطق باسم جهاز الدفاع المدني في غزة، الرائد محمود بصل، أن كوادر الدفاع المدني عايشت عشرات الحالات من هذا النوع خلال توجهها إلى المناطق المستهدفة لإنقاذ الضحايا، إذ لم يتمكنوا من انتشال عددٍ كبير من الجثامين التي اختفى أصحابها تماماً. ويبيّن لـ"العربي الجديد"، أنه "بعد التحقق من شهود العيان، أو سكان الأماكن المستهدفة عن أعداد الأفراد الذين كانوا في المكان، يتم التثبت من اختفاء بعض الجثامين، وفي بعض الحالات تتبقى أجزاء من الجسد، وبقية الأعضاء تتبخر".

لا تعثر فرق الإنقاذ على جثامين أحياناً. 4 يناير 2025 (حسن الزعانين/الأناضول)
لا تعثر فرق الإنقاذ على جثامين أحيان، 4 يناير 2025 (حسن الزعانين/الأناضول)

ويوضح بصل أنّ "الأشخاص الذين يكونون في الدائرة القريبة من مركز الاستهداف هم الذين يُصابون بدرجات حرارة عالية، وكمية متفجرات كبيرة تعمل على انصهار أجسادهم وتبخرها. هذه الظاهرة بحاجة إلى تفسير طبي، خصوصاً أن دور الدفاع المدني يقتصر على إنقاذ المصابين وانتشال الشهداء".
من جهته، يؤكد مدير عام وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، الطبيب منير البرش، أن الكثير من المجازر التي ارتكبها الاحتلال في قطاع غزة منذ بداية حرب الإبادة الحالية، تسببت في تبخر العشرات من أجساد الشهداء بالكامل.
ويفسّر البرش لـ"العربي الجديد"، أن "الاحتلال يستخدم أسلحة فتاكة مستوردة من الولايات المتحدة الأميركية، وذات أوزان عالية، وهي تُنتج طاقة حرارية تتجاوز الأربعة آلاف درجة مئوية، وبالتالي تستطيع صهر جسم الإنسان بالكامل. فالمكون الأساسي لجسم الإنسان هو الماء مع البروتين، لذلك فإن هذه الصواريخ تعمل على تفتيت خلاياه نتيجة الضغط والحرارة الناتجين عنها، ما يؤدي إلى تبخر الجسد، كما أن الأكسدة السريعة تُسبب الاحتراق القوي للأنسجة، ما يعمل على تفحمها وتحولها إلى رماد أو غاز".

تحول قوة الانفجار الجثث إلى أشلاء. 18 نوفمبر 2024 (داود أبو الكاس/ الأناضول)
تحول قوة الانفجار الجثث إلى أشلاء. 18 نوفمبر 2024 (داود أبو الكاس/الأناضول)

ويشير الطبيب الفلسطيني إلى أنّ "الضغط الناجم عن الانفجار يتسبب في تفجر أنسجة الأجسام، وتحويلها إلى جزيئيات دقيقة تنتشر في الهواء، وغالبية الشهداء الذين تتبخر أجسادهم هم الذين في بؤرة الاستهداف المباشرة، وقد يتبقى في بعض الأحيان من جثامينهم فروة الرأس فقط، فيما تتسبب هذه الأسلحة بإصابة المواطنين البعيدين عن بؤرة الاستهداف قليلاً بحروق خطيرة. استخدم الاحتلال هذه الأسلحة منذ بداية الحرب على قطاع غزة، لكنه استخدمها بكثافة خلال اجتياحه لمناطق شمالي غزة قبل أكثر من 80 يوماً".
في السياق ذاته، يقول مصدر من هندسة المتفجرات بوزارة الداخلية في قطاع غزة لـ"العربي الجديد"، إن "الاحتلال استخدم أسلحة جديدة محرمة دولياً خلال عدوانه على قطاع غزة، وهي تُنتج حرارة عالية تؤدي إلى حرق وصهر أجساد الشهداء". وأوضح المصدر الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه، أن "المواد المتفجرة عبارة عن مركبات كيميائية مختلفة، ولكل مادة خواصها التفجيرية التي تختلف عن الأخرى. الاحتلال جعل من قطاع غزة حقل تجارب لاستخدام مختلف الأسلحة الأميركية والإسرائيلية، ومن أشهر القنابل التي يطلقها الطيران الحربي قذائف MK82، MK83، MK84، والتي يستخدمها لقصف المنازل الكبيرة والأبراج السكينة والأراضي الزراعية".

ويضيف: "تُعرف القنبلة (MK84) باسم "مارك 84"، وقد سُميت بـ(المطرقة) نظراً للضرر الشديد الذي تلحقه إثر انفجارها، وهي تزن ألفي رطل (900 كيلوغرام تقريباً) وهي قنبلة موجهة لها رأس حربية متفجرة. أما القنبلة الأكثر شيوعاً التي استخدمها الاحتلال في العديد من المجازر ضد المدنيين، فهي (GBU 39) الأميركية، والتي تنتج درجة حرارة عالية تعمل على صهر أجساد الشهداء الذين في مركز الانفجار، وهي قنبلة أميركية الصنع ذات رأس حربي خارق للتحصينات يزن 93 كيلوغراماً، ولصغر حجمها تستطيع الطائرات حمل عدد منها، وتستطيع القنبلة التي تبلغ تكلفتها نحو 40 ألف دولار اختراق 2.4 متر من الخرسانة المسلحة، وهي تحتوي على 17 كيلوغراماً من مادة (إف إكس 757) المتفجرة، كما يمكن تركيب رأس حربي من اليورانيوم المنضب عليها".
ويؤكد المصدر الأمني أن "هناك عدة عوامل تصهر الجثامين تنتج عن المواد المتفجرة، وهي درجة الحرارة العالية، والضغط الشديد، وهما يعملان على تفتيت أجساد الشهداء، خاصة القريبين من مركز الانفجار، ومن غير المستبعد على الاحتلال استخدام كل أنواع القنابل المحرمة دولياً، حتى تلك التي تحتوي اليورانيوم، خصوصاً أنه يضرب بكل القوانين الدولية عرض الحائط، ولا يأبه لأي من لجان التحقيق. في الأصل لا نمتلك معامل أو مختبرات خاصة بفحص طبيعة المواد الكيميائية التي تتكون منها الصواريخ والقنابل شديدة الانفجار التي يستخدمها جيش الاحتلال، والاحتلال يتعمد منع إدخال أي أجهزة لفحص المتفجرات إلى قطاع غزة، من أجل مواصلة استباحة الدم الفلسطيني، وتكرار استخدام المواد المحرمة دولياً من دون محاسبة".

المساهمون