بين المنبع والمصبّ!

19 أكتوبر 2024
لاجئون سودانيون على ضفة النيل في أسوان، مصر، 8 سبتمبر 2023 (فرانس برس)
+ الخط -

من كان يصدّق أنّ أعداداً مقدّرة من السودانيين سيجدون أنفسهم موزّعين بين منبع النيل ومصبّه؟ وقدّرت المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة إجمالي عدد السودانيين المقيمين في مصر بنحو أربعة ملايين سوداني، يتمركز نحو 56% منهم في محافظات القاهرة والجيزة والإسكندرية ودمياط والدقهلية، فيما تستضيف أوغندا أكثر من 1.4 مليون لاجئ يعيشون بين مخيم اللجوء والعاصمة كمبالا.
وبينما يتحدّث كثيرون في هذه الأيام عن صراع السدود، تتزايد معاناة السودانيين بعد الحرب التي اندلعت في 15 إبريل/ نيسان 2023، وذلك بين صراع الجنود، والسعي العشوائي الحثيث خلف النقود، وعبور الحدود إمّا شمالاً حيث المصبّ، وإمّا جنوباً عند المنبع، في التصاق أزلي حميم بمجرى أعظم أنهر العالم "شريان الحياة"، إلى جانب الذين آثروا اللجوء غرباً وشرقاً، وأولئك الذين ابتعدوا أكثر عن نهر النيل.
وبالنسبة إلى الفئة الأولى، بالإضافة إلى 100 مليون مصري، يوفّر النيل 97% من احتياجاتهم من المياه. لكن على الرغم من ذلك، فإنّ تقريراً صادراً عن الأمم المتحدة (2020) بيّن أنّ 7% من المصريين لا تتوافر لهم مياه عذبة ونظيفة، ويعيش 8% منهم في ظروف كفيلة بنقل الأمراض، فكيف تكون الحال بعد ثلاث سنوات من الضغط المتزايد على النهر، وبعد أن تفاقمت مشكلة تلوّث المجرى من جرّاء ملايين الأطنان من مخلفات الصناعة، المقدّرة وفقاً لتقرير صادر عن وزارة البيئة في عام 2018 بـ 150 مليون طنّ. وتشير أحدث التقارير إلى آلاف الأطنان من مخلفات تعدين الذهب الملوّثة بالزئبق والسيانيد التي وجدت طريقها إلى مجرى النهر. فقد أكّد تقرير صادر في يناير/ كانون الثاني من هذا العام أنّ 450 ألف طنّ تنتشر في ولايات شمال السودان جرفتها مياه السيول والأمطار إلى مجرى النهر.

موقف
التحديثات الحية

ومن الظواهر الأكثر خطورة، أنّ المواطنين في مناطق عدّة لم يجدوا أمامهم سوى التربة الملوّثة بمخلفات التعدين ليبنوا حواجز صدّ مياه السيول التي فاجأتهم في اندفاعها نحو المباني، في طريقها إلى مجرى النهر. وهذا يعني أنّ نسبة التلوّث في مجرى النهر ستصل إلى مستوى غير مسبوق. ومن المعروف أنّ آثار المياه الملوّثة لن تتوقّف على صحة الإنسان الذي يتناولها مباشرة فحسب، بل ستتعدّى ذلك لتصل إلى تلويث المحاصيل الغذائية من خضراوات وفواكه من جرّاء مستوى الملوّثات في مياه الريّ.
أمّا الفئة الثانية من اللاجئين السودانيين، فوجدت نفسها بين مناظر طبيعية خلابة، وطقس معتدل، ومصادر مياه وافرة، إلا أنّ تغير المناخ بات يهدّد الأنظمة البيئية والاقتصادية والاجتماعية، حيث التأثير في أنماط هطول الأمطار وأثرها في الأحداث الهيدرولوجية المتطرّفة مثل الفيضانات وحالات الجفاف. وهو ما يؤثّر في الزراعة، والموارد المائية، والبنية التحتية، ويعمّق الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، وخصوصاً في ظلّ تفاقم موجات النزوح منذ ما قبل 1983، حين اندلعت الحروب في الجارة الشمالية، في تزامن مع حروب أخرى في القرن الأفريقي جاءت بالملايين من اللاجئين إلى أوغندا.
ويبقى الأمل دائماً في توقّف الصراعات وعودة اللاجئين إلى ديارهم.
(متخصّص في شؤون البيئة)

المساهمون