بناء الذات بالتعليم حق "مرفوض" لفتيات سورية

17 نوفمبر 2022
أثرّ التدهور المالي على حال الفتيات في سورية (لؤي بشارة/ فرانس برس)
+ الخط -

يتذرع أهالٍ كُثر في سورية بأنهم تزوجوا صغاراً، من دون أن يمنع ذلك حصولهم على حياة يرضونها، وذلك للتهرب من مسؤولياتهم تجاه بناتهم تحديداً، تمهيداً لتزويجهنّ والتنصل من منحهنّ الحق في التعلّم وبناء الذات.

تقول سلمى ق. البالغة 19 عاماً، وتقيم في قرية البيضاء بريف اللاذقية، لـ"العربي الجديد": توفي والدي بعدما أتممت المرحلة الإعدادية بتفوق، ووجب عليّ الذهاب إلى المدينة لمتابعة الدراسة الثانوية، لكن أمي رفضت ذلك، وأخبرتني أنّ من المعيب أن أذهب إلى المدينة، باعتباري فتاة. وقد أتبعت قولها بأنّ المرأة لا يجب أن تتعلم، فنهايتها في بيت زوجها، علماً أنها كانت تخبرني دائماً أنه لم يصبها مكروه، رغم أنها لم تدخل إلى المدرسة".
وتتابع: "رفضت فكرة الزواج، وأبديت دائماً رغبتي في إكمال تعليمي، لكن والدتي زوجتني رغماً عني ابن خالي حين كنت في الـ15 من العمر، وهو رفض بدوره فكرة أن أكمل تعليمي، وبدأ لاحقاً بشتمي وضربي حتى وصل الأمر بيننا إلى الطلاق، والعودة إلى منزل أمي ومعي ابن يبلغ عاماً واحداً. واللافت أن أمي تتمسك بمحاولة تبرئة نفسها مما حصل لي، وتزعم أنها سترتني كي لا يحكي الناس علينا، لكنني أرى أنه كان من حقي الحصول على شهادة جامعية، واختيار حياة تليق بي".

العبارة السائدة في سورية أنّ المرأة نهايتها في بيت زوجها (دليل سليمان/ فرانس برس)
العبارة السائدة في سورية أنّ المرأة نهايتها في بيت زوجها (دليل سليمان/ فرانس برس)

تفوق "بلا فائدة"
بدورها، تقول عائشة الخطيب (باسم مستعار) البالغة 24 من العمر، وتقيم في مدينة حيش بريف إدلب الجنوبي، لـ"العربي الجديد": "عشقت الدراسة لدرجة أن والديّ أطلقا لقب الدكتورة عليّ طوال أعوامي في المدرسة حتى الصف التاسع، لأنني كنت متفوقة على أقراني، وتخيّلت نفسي دائماً أنني طبيبة تفتخر بي عائلتي، لكن أحد أقارب والدي طلبني للزواج، فأخبرت عائلتي أنني أريد متابعة تعليمي، وهو ما لم يعترضوا عليه، وأبلغوني أن الأمر سيكون مجرد خِطبة حتى حصولي على الشهادة الثانوية، ثم دفعت مشاكل ومشاحنات مع الأقارب والدي إلى إجباري على الزواج بشخص آخر غير متعلم، وترك المدرسة حين كنت في السادسة عشرة من العمر. ولم أملك القدرة حينها على الرفض، ولا سيما أن وضعنا المادي بدأ يتدهور بعدما اضطر والدي إلى ترك العمل بسبب المعارك الدائرة في المنطقة".
تضيف: "أعيش حالياً مرغمة مع زوجي الذي يكرر توبيخي وافتعال مشاكل كلما ذكرت موضوع الدراسة أمامه، أو شاركته رغبتي في إكمال تعليمي. وأنا مجبرة على تحمّل الوضع لأنني لا أملك عملاً أو شهادة جامعية أجابه بها متطلبات الحياة. أما والداي، فلم يعودا قادرين على التعامل مع وضعي وتفهمه، لأنهما يعيشان في مخيم للنازحين، وبالتالي لا حول لهما ولا قوة".
أما وداد شعبان التي أرادت أن تبتعد ابنتها عن فكرة الزواج والتركيز على التعلّم، فاصطدمت بقرار أبنائها وزوجها بإخراج وحيدتها رهف من المدرسة، وإجبارها على الزواج. وتقول لـ"العربي الجديد": "وصلت ابنتي إلى المرحلة الثانوية بنتائج مرضية جداً، لكن حين عرف أحد إخوتها بأنها تحدثت مع شاب حين كانت في سنّ المراهقة تعرضت لتعنيف، ومنعت من الذهاب إلى مدرستها، ثم وافق والدها بعد فترة قصيرة على خطبتها إلى أحد أقاربها حين كانت في الـ16 من العمر".
تضيف: "أحاول تأخير موعد زفاف ابنتي التي أرى أن مكانها في مقاعد الدراسة، لكن ليس في يدي حيلة".

المرأة
التحديثات الحية

قانون ضعيف
ويأسف المحامي زكريا الحراكي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، لعدم وجود عائق قانوني يمنع زواج القاصرات، ويقول: "تغضّ المحاكم الطرف عن موضوع الزواج المبكر بسبب انتشاره في الأرياف. ورغم أن قانون الأحوال الشخصية حدد سنّ الزواج بـ18 عاماً، لكن يمكن أخذ إذن من قاضٍ لعقد قران من هم دون السنّ المذكورة، والقانون لا يجرّم تزويج القاصرات، بل فقط توثيق الزواج خارج المحكمة بما يعرف بالعقد العرفي، والأمر متاح في المحاكم الرسمية، إلا في حالات الإكراه على الزواج مع وجود دعوى رسمية".
وتنص المادة الـ16 من قانون الأحوال الشخصية الذي يحمل الرقم 59 على أن أهلية الزواج لدى الفتى والفتاة تتم لدى بلوغ سنّ الـ18. ويعاقب القانون بالحبس من شهر إلى ستة أشهر أو بدفع غرامات مالية، إذا حصل عقد زواج خارج المحكمة المختصة من دون موافقة من يملك الولاية على القاصر، وأيضاً بدفع غرامة أخرى أقل إذا حصل عقد الزواج خارج المحكمة المختصة بموافقة الوليّ، وفق تعديل أُجري عام 2018.

المساهمون