كشف استطلاع عبر الإنترنت، أجرته جامعة "لييج" في منطقة والوني، جنوبي بلجيكا، وفي العاصمة بروكسل، سياقات العنف الزوجي التي يعاني منها عامة المواطنين، خصوصاً أولئك القادرين على تقديم شهاداتهم، أي من يستطيعون استخدام الإنترنت ويمتلكون استقلالية في الكشف عن هذه التجارب، وذلك لرصد مستوى العنف بالترافق مع انتشار فيروس كورونا الجديد، والإجراءات الوقائية المصاحبة له في البلاد.
وضمت الفئة المستجوبة 1530 شخصاً، تتراوح أعمارهم بين 18 و83 عاماً، مع متوسط عمر يصل إلى 35 عاماً، وكان 80 في المائة منهم من النساء، جميعهن يعشن في إطار الحجر الصحي المفروض بسبب فيروس كورونا مع أزواجهن. كذلك، فإنّ لدى 46 في المائة من المشاركات النساء أطفالاً، فيما نصفهن متزوجات منذ أكثر من 10 سنوات، وثلثهن متزوجات منذ عامين على الأقل من دون أن يصلن إلى عشر سنوات، بينما 2 في المائة فقط التقين للتوّ بأزواجهن، في مدة لا تتجاوز ستة أشهر، أي خلال فترة الحجر الصحي ساري المفعول.
ومن بين العوامل المتعلقة بظروف الحجز، ركزت الأسئلة على الوقت الممضي في مكان السكن وأساليب العمل، وأبرزت أنّ 46 في المائة من النساء يعملن عن بعد، وربعهن كنّ في إجازة مرضية أو عاطلات من العمل، و15 في المائة منهن كنّ ينتقلن إلى مكان عملهن، فيما 13 في المائة طالبات. وكانت واحدة من كلّ أربع مشاركات قد واجهت بالفعل، بعد أربعة أسابيع من الحجر الصحي، فقدان الدخل المالي.
وإذا كان التواجد لفترة طويلة في المنزل يشكل ضغطاً، فإنّ الدراسة لم تكشف عن صلة مباشرة بين العمل عن بعد والعنف داخل العلاقات الزوجية. لكن، من ناحية أخرى، أدى عاملان بشكل خاص إلى زيادة مخاطر العنف الجسدي أو النفسي. العامل الأول الذي يرتبط بشكل واضح بالعنف هو حداثة العلاقة بين الزوجين. فكلما كانت العلاقة حديثة، زاد خطر العنف. وتوضح الطبيبة النفسية، فابيان جلواكز، الاختصاصية في العنف الزوجي لـ"العربي الجديد" أنّه "في حال وجود زوجين شابين، ولم يتم بعد التوصل إلى الأسس الزوجية بينهما، فإنّ خبرتهما في أساليب التنظيم العلائقي والعاطفي، والتعديلات في التفاعلات، ومعرفة الآخر، والتواصل ستكون أضعف. وفجأة، يجد هؤلاء الأزواج الشباب أنفسهم معزولين في فقاعة، وتصبح العلاقة الزوجية المكان الوحيد الذي تجري فيه تلبية جميع الاحتياجات من الشريك، في غياب الموارد لتحقيق الاحتياجات والعلاقات الاجتماعية والدعم لإدارة التوتر، خصوصاً في أوقات الأزمات". أما العامل الثاني فهي المساحة التي يجد الزوجان نفسيهما محصورين فيها: "كلما صغر مكان العيش، زاد معدل العنف النفسي أو الجسدي. يعكس هذا بوضوح كيف يمكن لسياق الاختلاط في مكان الحياة أن يولّد التوترات ويحدّ من احتمالات الانسحاب من المشاحنات" بحسب جلواكز التي تشير إلى أنّ هذا الوضع يشكل "في الوقت نفسه مؤشراً اجتماعياً - اقتصادياً يعكس التفاوتات الاجتماعية في تجربة التدابير الصحية".
جرى في الدراسة تحديد العوامل الرئيسية الأخرى المؤدية إلى العنف داخل الزيجات، ومنها الاكتئاب والقلق وعدم اليقين. تعلق جلواكز: "نعود إلى فكرة أساسية في هذا الوقت من الأزمة، وهي الصحة العقلية" فنظراً إلى أنّ سياق الأزمة يولّد شكوكاً قوية، فإنّ الرجال والنساء الأكثر عرضة لهذه الشكوك هم أكثر عرضة لأعراض الاكتئاب والقلق ويكونون أكثر عرضة للعنف الجسدي والنفسي داخل علاقتهم، كما تؤكد الدراسة. فالقلق النفسي يحرم الناس من مواردهم المعتادة لإدارة الصراع. ومع الحجر، يجد الزوجان نفسيهما معزولين، ويتعين عليهما التعامل مع ضغوط متعددة وفقدان الأمل والملل والإحباط وزيادة الانفعال. وقد كان أحد عوامل الأزمة لدى الأزواج طريقة مواجهة الخطر الصحي، فبعضهم يضاعف الإجراءات الاحترازية، بينما النصف الآخر لا يهتم على الإطلاق. وبالتالي، فإنّ سياق الأزمة والتدابير الصحية يمكن أن يولّدا العنف، لكن، يمكن أيضاً أن يؤدي إلى تفاقم وتعزيز ديناميات العنف الزوجي القائم مسبقاً، وكذلك السيطرة التي يمارسها الزوج، بحسب الدراسة.
وأبلغت المستطلعات عن عنف نفسي، كالصراخ والإهانات والتجاهل لفترة طويلة، وجسدي، كالصفع واللكمات أو الركلات التي تؤدي إلى الإصابة وتتطلب رعاية طبية. ومن بين الذين شملهم الاستطلاع، أقرّ 13 في المائة من الرجال أنّهم مارسوا العنف الجسدي، و7 في المائة من النساء. وعلى الرغم من أنّ العنف كان في الغالب "بسيطاً نسبياً" كالدفع والصفع، لكن لم يكن من دون ضرر. وقد أبلغ الرجال، أنفسهم، عن أشدّ أشكال العنف الجسدي. أما في ما يتعلق بالعنف النفسي، فقد أشارت ثلث النساء المجيبات وربع الرجال إلى أنّهم لجأوا إليه. ومن بين جميع الذين شملهم الاستطلاع، تورط الثلث في عنف جسدي ونفسي أثناء الحجر الصحي. ويميل الرجال أكثر بكثير من النساء إلى ملاحظة أنّ العنف الزوجي قد ازداد خلال الأزمة. تعلق جلواكز: "العدد ضخم، فهذا يعني أنّ واحداً من كلّ ثلاثة أزواج شهد على العنف. مع ذلك، فإنّ أولئك الذين عاشوا فترة الحجر الصحي مع أزواجهم يظهرون مشاكل نفسية أقلّ من أولئك الذين اضطروا إلى مواجهة الوحدة. وهذه مفارقة الاستطلاع".