بكالوريوس المغرب... ترويج وتراجع وضياع طلاب

13 يونيو 2022
يبدي طلاب مغاربة ندمهم من اختيار نظام البكالوريوس (فاضل سنّا/ فرانس برس)
+ الخط -

يشعر الطالب المغربي رضا شفيق (18 عاماً)، بالندم من اتخاذه قرار إطلاق دراسته الجامعية عبر التسجيل في نظام البكالوريوس الذي اعتمدته وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار في مطلع العام الدراسي الحالي تحديداً، ثم ألغته قبل انتهاء العام الأول بحجة أنه "لا يصلح للطلاب الجامعيين في المغرب".
ويقول شفيق لـ"العربي الجديد": "بات مستقبلي الجامعي مهددا بعدما خاب أملي في الدراسة وفق نظام البكالوريوس الذي أطلق باعتباره مفتاحاً لدخول سوق العمل".
ويعرف الخيبة ذاتها آلاف من الطلاب المغاربة، بينهم سمية العلالي (18 عاماً)، التي لم تخف غضبها وصدمتها بالقول لـ"العربي الجديد": "يتلاعب المسؤولون بمصير آلاف الطلاب من خلال اتخاذ قرارات عشوائية لا تراعي مصالح الأجيال ولا تضحيات أسرهم. لقد أجهضوا بجرة قلم أحلامنا وأمنياتنا بتحقيق مسار أكاديمي متميز. أليس هذا اعتداءً علينا؟".
تتابع: "اخترت الالتحاق بالجامعة بعدما روجت الوزارة لميزات نظام البكالوريوس وجودة تكوينه العلمي، لكنها حولتنا فعلياً خلال أقل من ستة أشهر إلى ضحايا وربما إلى فئران تجارب".
وبدا حجم غضب الطلاب المتضررين من قرار الحكومة لافتاً من خلال إسراعهم إلى تأسيس "التنسيقية الوطنية لطلاب البكالوريوس"، التي استنكرت "القرار المفاجئ بإلغاء البكالوريوس بدلاً من إجراء تعديلات مسؤولة عليه توازي حجمه وقيمته عالمياً"، وأبدت استغرابها "لتخلي وزارة التعليم العالي عن التجربة الرائدة عالمياً، وتكريس تطبيق نظام إل أم دي (إجازة - ماجستير – دكتوراه)، المحدود على صعيد القدرات التعليمية والمهارات في قطاعات الأعمال".

حجة "بلا رؤية وغاية"
وكان نحو 24 ألف طالب قد باشروا الدراسة بنظام البكالوريوس مع بداية العام الجامعي الحالي، بناء على مذكرة وزارية وجهها وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي السابق سعيد أمزازي إلى رؤساء الجامعات، وشملت مختلف التخصصات العلمية والأدبية والتقنية والاقتصادية والقانونية في 10 جامعات حكومية وأخرى خاصة.
وقدم أمزازي نظام البكالوريوس باعتباره نظاماً إصلاحياً جديداً يفتح الباب أمام إكمال الطلاب دراستهم في الخارج، وحدد ميزاته بالاهتمام بالمهارات واللغات والوحدات المعرفية، مؤكداً أن النظام يهدف إلى تخريج طلاب مزودين بمهارات شخصية ويتقنون اللغات الأجنبية والرقمنة، وقادرين على فهم عالم العمل، والنجاح في الاندماج في المهن.

غضب طلابي من قرار الحكومة إلغاء البكالوريوس (جان لوك مانو/ Getty)
غضب طلابي من قرار الحكومة إلغاء البكالوريوس (جان لوك مانو/ Getty)

لكن بعد مرور أقل من ستة أشهر على بدء تنفيذ النظام الجديد، ألغى وزير التعليم العالي الحالي عبد اللطيف ميراوي قرار العمل بالبكالوريوس، وأوعز بتوجيه الطلاب الذين باشروا دراستهم نحو أنظمة مشابهة، مثل الإجازة المهنية وغيرها، مبرراً قراره "باستحداث النظام من دون الأخذ في الاعتبار دفتر الضوابط البيداغوجية الوطنية، وعدم المصادقة على مشروع مرسوم تنظيمه، ما يعني عدم قانونية مسار تطبيقه".
وكان المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي قد رأى، في بيان أصدره في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أن نظام "البكالوريوس يفتقر إلى الرؤية والغاية"، ويطرح صعوبات تنظيمية عدة، في مقدمها عدم ضمان إضافة تحقيق أهداف جودة التكوين في الإجازتين التطبيقية والمهنية، ويزيد التكاليف المادية ولا يوضح الأبعاد المهنية للطلاب، ويعاني من محدودية في أطره الداخلية".

امتعاض برلماني
لكن ذلك لم يمنع مجموعات برلمانية تضم بعضها غير معارضين أيضاً، من إبداء امتعاضها من "القرارات المتسرعة لوزارة التعليم العالي الخاصة بإلغاء نظام البكالوريوس". ووصف بعضهم القرار بأنه "ارتجالي، وأثار الكثير من التذمر والغضب في صفوف الطلاب المسجلين". وعلّق آخرون بالقول: "رغم أن نظام البكالوريوس مدرج في الصفحة 45 من البرنامج الحكومي الممتد بين عامي 2021 و2026، لكنه دفن في بدايته، وفي منتصف السنة الدراسية، في إجراء لم يخضع لدراسة مناسبة أو لتقييم مسبق، ما يتنافى مع التزام الحكومة بتطبيق النظام انطلاقاً من واقع كونه منهجاً تستخدمه دول كثيرة في إطار مشاريعها للإصلاحات البيداغوجية الخاصة بالتعليم العالي".
وطالبت المجموعات البرلمانية المعارضة للقرار بعقد لجنة التعليم والثقافة والاتصال في مجلس النواب اجتماعاً استثنائياً عاجلاً لبحث الموضوع وذيوله المؤثرة على المسيرة الدراسية لطلاب كثيرين، وشددت على ضرورة حضور وزير التعليم العالي الاجتماع لدرس أسباب إلغاء نظام البكالوريوس. 

روجت وزارة التعليم العالي لميزات البكالوريوس... وتراجعت (عبد الحق سنّا/ فرانس برس)
روجت وزارة التعليم العالي لميزات البكالوريوس... وتراجعت (عبد الحق سنّا/ فرانس برس)

ولد ميتاً
أما رئيس المرصد الوطني لمنظومة التربية والتكوين غير الحكومي محمد الدرويش، فيرى أن "القرار حكيم ومنطقي رغم أنه جاء متأخراً، إذ يتماشى مع رأي المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، ومواقف أصدرتها مجموعة من الأساتذة وباحثين ومتخصصين، ويقول لـ"العربي الجديد ": "أهدرت أموال وأكثر من أربع سنوات من الدراسات على مشروع ولد ميتاً. فمن يحاسب على ذلك، ومن يتحمل المسؤولية؟".

يضيف: "لن يؤثر القرار على منظومة التعليم العالي لأسباب عدة، منها أن عدد المسجلين في هذا النظام الذي أوقف العمل به لا يمثل إلا نسبة قليلة جداً من عدد طلاب نظام الإجازة، وجرى تطبيقه قبل أقل من 6 أشهر، كما سهلت الجامعات انتقال الطلاب إلى الإجازة".

قضايا وناس
التحديثات الحية

من جهته، ينتقد رئيس منظمة التجديد الطلابي مصطفى العلوي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، هدر وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار الوقت عبر تبنيها نظام البكالوريوس، ثم تراجعها عنه، "ما أضاع الوقت على أبناء من الشعب اتخذتهم فئران تجارب في لعبة فاشلة".
ويوضح أن "الوزارة فتحت الباب واسعاً ببعض الجامعات على جملة من المشاكل الإدارية التي ستنهك الطلاب والأساتذة والإداريين خلال السنوات القليلة المقبلة جراء تبني النظام ثم العودة عنه بين ليلة وضحاها".

المساهمون