بركة البطريرك... مسرح أحداث "المعلم ومارغريتا" في موسكو

22 ابريل 2021
تزلّج على جليد البركة (ديميتار ديلكوف/ فرانس برس)
+ الخط -

على بعد كيلومترات معدودة من الساحة الحمراء والكرملين وسط موسكو، ثمّة بِرْكة يُطلق عليها اسم "باتريارشي برودي" أو بركة البطريرك التي نالت مكانتها في الأدبَين الروسي والعالمي بعدما جعلها الكاتب المسرحي والروائي الروسي ميخائيل بولغاكوف (1891 - 1940) مسرحاً لبداية أحداث أبرز رواياته "المعلم ومارغريتا". تتناول الرواية رحلة خيالية يقوم بها الشيطان إلى موسكو في عهد الاتحاد السوفييتي وسط إعلان الإلحاد أيديولوجية رسمية للدولة، ويلتقي في فصلها الأوّل مع الأديبَين السوفييتيَّين ميخائيل بيرليوز وإيفان بيزدومني في أثناء جولتهما بجوار بركة البطريرك، فيدخلان معه في نقاش فلسفي حول الله ويسوع المسيح. ويصرّ بيرليوز على إنكار وجودهما من دون أن يعلم من أمامه، فيما يتنبأ الشيطان بأنّ بيرليوز سوف يموت نتيجة انفصال رأسه عن جسده. وتتحقق هذه النبوءة بعد سقوطه تحت عجلات الترام بموسكو في الفصل الثالث من الرواية.
ولمّا كان الفصل الأوّل من الرواية قد جاء تحت عنوان "لا تتحدثوا أبداً إلى الغرباء"، فقد وُضعت لافتة خُطّت عليها هذه العبارة لتستقبل زائري بركة البطريرك، للمرة الأولى في عام 2012. لكنّها كانت تُسرق في كل مرة بعد تركيبها، ربّما من قبل المعجبين بإبداع بولغاكوف.
وإلى جانب ارتباطها بأعمال بولغاكوف، نُصب بجوار البركة تمثال للشاعر وكاتب الحكايات الرمزية الروسي إيفان كريلوف (1769 - 1844) الذي نال شهرته من خلال تناوله مختلف الصفات البشرية مسلطة على عالم الحيوان. وتُعرَض في المكان مجموعة تضمّ ست لوحات برونزية مجسّدة لأبطال أعمال كريلوف، من بينها القصائد الرمزية "الفيل وموسكا" و"الغراب والثعلب" و"القرد والنظارة". والأخيرة تتناول قصة قرد تقدّم في العمر ويحصل على نظارة لتحسين بصره، لكنّه لا يعرف كيف يستخدمها فيكسرها.

تقع بركة البطريرك في المنطقة التاريخية من موسكو، محاطة بمجموعة من الشوارع الفرعية. وهي لم تعد اليوم مجرّد وجهة لمحبّي الأدب، إنّما يمكن وصفها بالمنطقة الراقية وسط العاصمة التي تضمّ عدداً من المطاعم الفاخرة، علماً أنّها تُعَدّ واحداً من أغلى الأحياء السكنية في المدينة. ويظهر البحث عبر مواقع إعلانات العقارات بأنّ أسعار الشقق في شارع مالايا برونايا المطل على البركة تبدأ من نحو 650 ألف دولار أميركي لشقة صغيرة لا تزيد مساحتها عن 50 متراً مربّعاً، وتصل إلى نحو مليون ونصف مليون دولار لشقق فخمة مساحتها نحو 70 متراً مربّعاً وتطلّ على البركة مباشرة.  

بركة البطريرك في موسكو 2 (سيرغي بوبيليف/ Getty)
"لا تتحدثوا أبداً إلى الغرباء" (سيرغي بوبيليف/ Getty)

وعلى مقربة من بركة البطريرك، يقع متحف ميخائيل بولغاكوف الذي تأسّس في عام 2007 في الشقة رقم 50 من المبنى رقم 10 بشارع بولشايا سادوفايا، حيث أقام الكاتب مع زوجته الأولى تاتيانا لابا من عام 1921 إلى عام 1924، علماً أنّه كتب في هذه الشقة عدداً من أعماله.

متحف ميخائيل بولغاكوف قرب بركة البطريرك في موسكو (العربي الجديد)
في متحف ميخائيل بولغاكوف (العربي الجديد)

وفي إمكان زائري المتحف، إلى جانب التنقّل بين غرف الشقة التي تحفظ ذكرى بولغاكوف، الاطلاع على يومياته التي كتبها عند انتقاله من شمال القوقاز إلى موسكو "بلا مال وبلا متعلقات شخصية للبقاء فيها إلى الأبد"، على حدّ وصفه حاله في سيرته الذاتية. ولم يحرص بولغاكوف في يومياته على تسجيل الأحداث الشخصية فحسب، إنّما سعى أيضا إلى رصد المستجدّات في الدولة السوفييتية الوليدة على المستويَين السياسي والمجتمعي. وفي المبنى ذاته، يقع كذلك متحف ومسرح "بيت بولغاكوف" الذي يقدّم للزائرين جولات تعريفية بالمسيرة الحياتية والإبداعية لبولغاكوف وتعريفاً بشخصيات أعماله الأدبية.

قضايا وناس
التحديثات الحية

وكان ميخائيل أفانيسيفتس بولغاكوف قد ولد في مدينة كييف (عاصمة أوكرانيا حالياً)، ونشأ في عائلة مثقفة وتعوّد منذ صغره على القراءة وسماع الموسيقى، قبل أن يلتحق في عام 1909 بكلية الطب في جامعة كييف. وبعد تخرّجه عمل طبيباً عسكرياً في الحرس الأبيض الذي تكبّد هزيمة أمام الحرس الأحمر في الحرب الأهلية عقب ثورة البلاشفة في عام 1917.

لوحة لأبطال إيفان كريلوف قرب بركة البطريرك في موسكو (العربي الجديد)
واحدة من لوحات أبطال إيفان كريلوف (العربي الجديد)

وبعد انسحاب الحرس الأبيض من مدينة فلاديقوقاز حيث كان مقرّ عمله، توجّه بولغاكوف إلى موسكو لتتحول مسيرته من الطب إلى المسرح والأدب. وإلى جانب "المعلم ومارغريتا"، نذكر من أبرز أعماله روايتَي "الحرس الأبيض" و"قلب كلب" ومسرحية "إيفان فاسيلييفتيش". تجدر الإشارة إلى أنّه، على مدى سنوات طويلة وحتى الأيام الأخيرة من عمره في عام 1940، واصل بولغاكوف عمله على رواية "المعلم ومارغريتا" التي كُتب لها أن تحقق له شهرة عالمية لم تتضاءل مع مرور الزمن وصُنّفت واحدة من أشهر روايات القرن العشرين.

المساهمون