في مدينة قصور في ولاية البنجاب الباكستانية، تعرّضت طفلة مسيحيّة تبلغ من العمر 13 عاماً لاعتداء جنسي من قبل شابين في العشرين من شهر مارس/ آذار الماضي. وبعد الاعتداء عليها تحت تهديد السلاح، ترك الجناة الطفلة في الحقول القريبة مغمى عليها، ما أثار حالة من الذعر في أوساط أبناء الأقليّة المسيحية. وعلى الرغم من تأكيد رئيس الوزراء عمران خان، سنّ قوانين من أجل الحفاظ على حقوق الأقليات في باكستان، إلّا أنّ الحوادث المتكررة على أبناء الأقليات بأشكال مختلفة ما زالت متواصلة، وقُتل منذ تولي خان زمام الحكم في البلاد 31 من أبناء الأقليات بتهمة ازدراء الدين، بينما أصيب 58 آخرون بجراح.
وكانت حكومة خان قد تعهدت في بيانها الانتخابي عام 2018 بأنّها ستحمي الحقوق المدنية والاجتماعية والدينية للأقليات، خصوصاً أماكن عبادتهم وممتلكاتهم ومؤسساتهم على النحو المنصوص عليه في الدستور. وكان ذلك شعار الحزب الحاكم وأحد بنود ما وصفه بباكستان الجديدة التي تسوده القانون والإنصاف، كما ادعى الحزب الحاكم.
ويرى مراقبون أنّ ثمة تعهدين مهمين يتطلبان اهتمام الحكومة التي تواجه العديد من الملفات الداخلية والخارجية في الوقت الراهن، وأبرزها في الداخل عملية سحب الثقة التي تسعى لها المعارضة من خلال البرلمان، وهما يشملان العدالة المتساوية وحماية الأقليات من العنف وخطاب الكراهية والتمييز.
ومنذ تولّي خان سدة الحكم في البلاد، كانت حكومته منشغلة في الغالب بأزمة داخلية وعلاقات مدنية عسكرية. بالتالي، أضحت حالة الحرية الدينية مهمشة وتحت تهديد مستمر، وظلت الأقليات الدينية في مواجهة التمييز والاضطهاد، كما تدعي تلك الأقليات، فيما وعد خان قبل تشكيل الحكومة وبعده بحماية الأقليات، وبالعدالة المتساوية لكلّ مواطن، بغضّ النظر عن دينه وعرقه.
وتُعَدّ باكستان دولة متنوعة ثقافياً وعرقياً ولغوياً ودينياً. ويشكل المسلمون 96.28 في المائة من سكان البلاد، بينما يشكل المسيحيون 1.59 في المائة والهندوس 1.60 في المائة. ومن بين المسلمين، تشمل طوائف الأقليات: الشيعة، والإسماعيلية، والأحمدية، والبهرة. وتشكل الأقليّة الشيعية نسبة كبيرة من السكان المسلمين، وتقدَّر بما بين 15 و20 في المائة، بينما تشكل الطائفة الأحمدية 0.22 في المائة فقط، علماً بأنّ العديد من أتباع الطائفة الأحمدية لا يعلنون عن أنفسهم بسبب ما يواجهونه من مخاطر أمنية، إذ إنّها طائفة محظورة بموجب القانون منذ عام 1974.
وتتكرر حوادث الاغتصاب والخطف لبنات الأقليات وأبنائها في باكستان على غرار ما حدث في مدينة قصور. إلّا أنّ تلك الحوادث لا تشمل فتيات الأقليات فحسب، بل أيضاً فتيات الأكثرية السنّية. ولا يكاد يمر يوم من دون أن يتحدث الإعلام الباكستاني عن حوادث مماثلة. لكنّ الأقليات تواجه القتل بتهمة ازدراء الأديان. ومن بين الاعتداءات بتهمة ازدراء الدين، حادث قتل المواطن السريلانكي دياواداناجي (47 عاماً) في مدينة سيالكوت في إقليم البنجاب، إذ قتلت الحشود الغاضبة الرجل ضرباً ثم أضرمت النار في جثته بحجة أنه مزق لافتة كتب عليها كلمات دينية في السادس من شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
وفي يناير/ كانون الثاني الماضي، قُتل أحد زعماء الأقلية المسيحية، وهو القس ويليم سراج، في هجوم مسلح في مدينة بشاور.
ويرى خبراء أنّ القضية هُمِّشَت بسبب إنشغال الحكومة بالملفات الداخلية، وخصوصاً الصدام مع المعارضة التي ترى أنّ الحكومة فشلت في مواجهة هذا الملف على غرار ملفات أخرى. وتقول قيادية في حزب الشعب الباكستانية والنائبة السابقة في مجلس الشيوخ الباكستاني شيري رحمان، إنّ حكومة خان فشلت في كلّ الملفات، كما هو شأنها في هذا الملف الأهم الذي يسيء إلى سمعة باكستان دولياً.
تضيف رحمان أنّ حماية الأقليات مسؤولية دستورية وأخلاقية لباكستان وكل مواطن. وعام 2009، أعلن الرئيس السابق، وهو زعيم حزب الشعب، صف علي زرداري، أن يوم 11 أغسطس/ آب هو يوم الأقليات بهدف التذكير بحقوقهم والحفاظ عليها. وتشير إلى أنّ مؤسس باكستان محمد علي جناح شدد في خطابه في 11 أغسطس/ آب عام 1947 على حقوق الأقليات والحرية الكاملة. وتؤكّد رحمان في خطاب لها في 22 من الشهر الماضي أنّ وثيقة حزب الشعب الباكستاني الصادرة عام 1973 تشدد على مساواة الأقليات وتمكينها. وكان مؤسس الحزب ذو الفقار علي بوتو، وهو رئيس الوزراء الأسبق، قد أعلن للأقليات حصتهم من الوظائف في المؤسسات الحكومية، وذلك وفق الدستور. وكانت رئيسة الوزراء السابقة بينظير بوتو قد أعلنت تشكيل محكمة عام 2010 للنظر في شؤون الأقليات.
ويقول الإعلامي والناشط الاجتماعي فواد رفيع لـ "العربي الجديد": "في هذه البلاد، لا يمكننا القول إنّ الأقليات وحدها ضحية الوضع الراهن. لكن، لأنّ الأقليات في خانة الفئات الضعيفة، فإنّ التعامل معها يختلف عن التعامل مع الغالبية. وعلى الحكومة أن تولي اهتماماً بالغاً بهذه القضية، وخصوصاً أنّ دولاً في المنطقة مثل الهند تتهم بلادنا بمساندة الإرهاب وبالتباطؤ في الحفاظ على حقوق الأقليات. وبالتالي، إنّ الاهتمام بالقضية يحسّن سمعة بلادنا دولياً".