اهتمام دولي بملف الإخفاء القسري في ليبيا

08 يونيو 2024
شكوك كبيرة في سلوك حفتر حيال الحريات وحقوق التعبير (عبد الله دوما/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- اختفاء إبراهيم الدرسي، عضو مجلس النواب الليبي، في 18 إبريل بعد حضوره حفلًا لخليفة حفتر، يعيد إلى الواجهة قضايا الإخفاء القسري والاعتقالات خارج القانون في ليبيا، مع تأكيدات على اختفائه والعثور على سيارته.
- الحادثة تتبع نمطًا من الاختفاءات المرتبطة بالمعارضة السياسية، كما في حالة سهام سرقيوة، وتثير شكوكًا حول احتمال احتجاز الدرسي في سجون حفتر السرية رغم دعوات لتكثيف البحث.
- تزايد الاهتمام الدولي بالحادثة، مع دعوات من بعثة الأمم المتحدة في ليبيا لإجراء تحقيق سريع وضمان سلامة الدرسي، مما يسلط الضوء على مشكلة الإخفاء القسري ويدفع نحو ضغوط دولية لمراجعة السياسات والممارسات.

أعادت حادثة اختفاء عضو مجلس النواب إبراهيم الدرسي في 18 إبريل/ نيسان الماضي الى الأذهان خطورة ملف الإخفاء القسري والاعتقالات خارج القانون، وهو الملف المفتوح منذ سنوات طويلة من دون حسم.
وانقطع الاتصال بالدرسي بعدما غادر حفلاً أقامته قيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر بمناسبة مرور عشر سنوات على إطلاق عملية "الكرامة" العسكرية في مدينة بنغازي. ثم أكدت وزارة الداخلية في حكومة مجلس النواب في اليوم التالي اختفاءه، والعثور على سيارته في إحدى ضواحي بنغازي، كما أعلنت أن بيته تعرّض لسرقة. وفي 4 يونيو/ حزيران الحالي، أعلن عضو المجلس الانتقالي السابق محمود عبد العزيز أن الدرسي "انتهى وتوفي، ولا ندري أين جثته، لكن يبدو أنها قُطعت أو رُميت في البحر"، لكن السلطات لم تؤكد صحة هذا التصريح.
وفي سياق عمليات الخطف والإخفاء، لا يزال مصير عضو مجلس النواب سهام سرقيوة التي اختفت في منتصف عام 2019 غير معروف، علماً أن اختفاءها حصل بعد انتقادها حرب حفتر على طرابلس حينها. واللافت أن الدرسي وجّه أخيراً انتقادات مماثلة لقيادة حفتر، إذ اتهمه مع أبنائه بالسيطرة على مقاليد الأوضاع في شرق ليبيا، وعدم منح أهل الشرق حق المشاركة في عمليات التنمية وإعادة الإعمار من أجل الإفادة من عقود بملايين الدولارات.
وخلال لقائه أعياناً في قبيلة الدرسة، طالب حفتر الأجهزة الأمنية بتكثيف البحث عن الدرسي وإرجاعه إلى أهله سالماً. وحذت رئاسة مجلس النواب حذوه، لكن أوساطاً متابعة لقضية اختفاء الدرسي شككت في صحة هذه المطالبات، وأبدت اعتقادها بأنه معتقل في أحد سجون حفتر السرية.
كذلك شككت أوساط عدة في الرواية التي قدمتها الأجهزة الأمنية التابعة لحفتر في شأن احتمال تعرض الدرسي لعملية سطو وسرقة، ومحاولة خاطفيه ابتزاز ذويه للحصول على أموال. واعتبر المحامي والناشط الحقوقي بلقاسم القمودي، في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "أجهزة حفتر حاولت إضفاء طابع جنائي على الحادثة، وابعاد الطابع السياسي عنها".
وتحدث القمودي عن علمه بوجود قلق في الأوساط الأمنية التابعة لحفتر في شأن إمكانية أن يفتح حادث اختفاء الدرسي ملف الإخفاء والاعتقالات القسرية لمعارضين لسلطة حفتر. واعتبر أن "إسراع أجهزة الأمن التابعة لحفتر غداة اختفاء الدرسي إلى إصدار بيان نفت فيه مقتله أظهر علم هذه السلطات بمكان الدرسي ومصيره". 

امرأة معارضة لحفتر في طرابلس عام 2021 (محمود تركية/ فرانس برس)
معارضة لحفتر في طرابلس عام 2021 (محمود تركية/فرانس برس)

ويقول أستاذ علم الإجرام أبو بكر الكوشلي لـ"العربي الجديد": "القلق حيال مصير الدرسي واقعي بشكل كبير استناداً إلى قرائن أكثر وضوحاً تتعلق بسلوك حفتر وأعوانه حيال الحريات وحقوق التعبير والمعارضة، فغالبية من عارضوه اختفوا ولم يُعلم مصيرهم، وأكثرهم حظاً قد يكونون قيد الاعتقال. خطف الدرسي في بنغازي التي تسيطر عليها مليشيات حفتر من دون أي وجود لغيرها وتنفيذ العملية في حي جانبي يشيران إلى علم الخاطفين بأن الحي لا يتضمن كاميرات مراقبة أمنية. كل الدلائل تشير الى أن الخطف لا يحمل طابعاً جنائياً، وأنه أعدّ وخطط له مسبقاً، وأنه على صلة بموقف سياسي".
ورأى الكوشلي أن "الجديد في الحادث إثارته اهتمام المنظمات الدولية، ما يعني انتقال ملف الاعتقالات القسرية والسجون السرية في ليبيا إلى مستوى الاهتمام الدولي. ولا ننسى أن هذا الحادث يضاف إلى حوادث أخرى ليست أقل أهمية مثل اختفاء سرقيوة وآخرين في حروب حفتر ببنغازي وطرابلس، واكتشاف المقابر الجماعية في ترهونة وبنغازي ومناطق في الجنوب".
وبعد اختفاء الدرسي طالبت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا السلطات في شرق ليبيا بإجراء تحقيق سريع في الحادث، وتأمين سلامة الدرسي، ما شكل بحسب الكوشلي "خطوة مهمة فلجان البعثة الأخرى المهتمة بملف حقوق الإنسان في ليبيا، خصوصاً أنها ستضمها إلى تقاريرها المقبلة التي ستهتم منظمات دولية أخرى بها، وقبل أيام اهتمت هذه المنظمات بحادث مقتل الناشط الحقوقي سراج دغمان وطالبت بكشف مصير رفاقه".
واعتقل دغمان وثلاثة من رفاقه الحقوقيين في بنغازي في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي بسبب مشاركتهم في ندوة ناقشت الوضع الحقوقي في ليبيا، ثم أعلنت سلطات الأمن في بنغازي وفاة دغمان في إبريل الماضي، وزعمت أنه "توفي بسبب سقوطه من أعلى جدار أثناء محاولته الهرب من السجن، وسط تشكيك واسع في صحة هذه الرواية التي قدمتها أجهزة الأمن".

ويرى الكوشيلي أن "الاهتمام الأممي خطوة ستدعم مطالبات الحقوقيين والنشطاء وأهل الدرسي بفتح النيابة العامة تحقيقاً في الحادث. واضح أن تراكم حوادث الإخفاء القسري بدأ يشكل عامل ضغط على السلطات المحلية وأيضاً على المتورطين بهذه الجرائم من أجل كفّ أيديهم خشية مواجهة عقوبات دولية تحدّ من حرياتهم وطموحاتهم في مواصلة السيطرة والحكم".
ويرى القمودي أن العمل الحقوقي الأهلي في ليبيا لا يزال بعيداً عن التنظيم، مطالباً بتشكيل ائتلاف يمهد لاستثمار المواقف الدولية في ملف حرية من اعتقلوا خارج سلطة القانون ومن دون أذونات قضائية، وأفراد من عائلاتهم في بعض الحالات، وهذا ما أشارت إليه تقارير أصدرتها منظمة العفو الدولية، وتحدثت عن وجود أطفال ونساء داخل سجون ومعتقلات تديرها مليشيات حاكمة.