في جردة موجزة، يظهر حجم معاناة السوريين في لبنان، وتتكشف أزمة العنصرية تجاههم، التي تجلت في كثير من الانتهاكات بحقهم، آخرها حرق مخيم المنية.
لم تكن حادثة إحراق مخيم بحنين - المنية شمالي لبنان، التي وقعت ليل السبت - الأحد الماضي، الحادثة العنصرية الأولى من نوعها. فاللاجئون السوريون في لبنان يتعرّضون منذ بداية لجوئهم عام 2011 لأبشع أنواع الانتهاكات والممارسات اللاإنسانية، وتُنسب إليهم وبشكل فوري أيّ جريمة قتل أو اغتصاب أو سرقة أو أيّ إشكال أمني أو عمل إرهابي، أو حتى حادث مروري على بساطته.
اللاجئون المستضعفون الذين لا تنتهي معاناتهم، والذين لا ترحمهم الكوارث الطبيعية من فيضانات وحرائق أنهكت مخيماتهم وقضت أكثر من مرة على مقوّمات حياتهم، لم يسلموا من قراراتٍ جائرة بحقهم أو من جرائم وأحداثٍ مأساوية طاولت عائلاتهم وأطفالهم، ناهيك عن حالة البؤس والفقر الشديد الذي يعانيه هؤلاء.
فمنذ لجوئهم، بادر العدد الأكبر من البلديات إلى منع اللاجئين السوريين من التجوّل ليلاً، في خطوة بررها أصحابها بحرصهم على حفظ الأمن والأمان، مروراً بحوادث اغتصاب متكرّرة لأكثر من طفل وطفلة وشابات وشباب سوريّين، كما محاولة بيع فتاة سورية مقابل بدل مادي في مدينة صيدا، جنوبي لبنان، عام 2014، وتعرّض نحو عشر عائلات سورية للضرب على مدى ساعة ونصف ساعة من قبل لبنانيين، بسبب الهجمات الانتحارية التي شنّها سوريون في بلدة القاع اللبنانية عام 2016. وفي السياق، توفي لاجئ سوري في بلدة الصويرة البقاعية، بعد تعرّضه لضربٍ مبرح على يد شابين لبنانيين عام 2018 عقب توقفه أثناء قيادته حافلة مدرسة ليُنزل أحد الأطفال، فانهال عليه سائق لبناني بالصراخ والضرب، قائلاً له: "أنت سوري وتريد أن توقف السير؟".
كذلك، أقدم في سبتمبر/ أيلول 2019 على نبش قبر طفل سوري في الضنيه (شمالي لبنان) تحت حجّة أنّ "المقبرة ليست للغرباء". ووضع المرتكبون لافتة كُتب عليها: "يُمنع دفن أيّ شخص من السوريين، كبيراً كان أو صغيراً". وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، جرى الاعتداء على مجموعة من اللاجئين السوريين أمام أحد المصارف في زحلة (البقاع، شرق)، إذ كانوا ينتظرون دورهم لسحب الأموال المخصّصة لهم من مساعدات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. ووصل الأمر في العام نفسه، إلى حدّ نشر كاريكاتور ينص على أنّ "المدرسة تعتذر من التلامذة اللبنانيين كونها "مفولة" (مكتظة) سوريين وعراقيين وبنغلادشيين وأحباش".
ولعلّ حادثة شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، تظهر بشكل واضح حجم الانتهاكات، إذ شهدت بلدة بشرّي في شمال لبنان، توتراً عارماً بعد جريمة قتل شاب لبناني على يد آخر سوري إثر خلاف فردي، ما أدى إلى غضب بعض أهالي البلدة وإقدامهم على طرد سوريين من منازلهم بعد إحراق عدد منها. وقد دعا بعضهم السلطات اللبنانية إلى طرد كلّ السوريين من المنطقة. كذلك، لا ينفك بعض المسؤولين اللبنانيين وعدد من وسائل الإعلام والناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، عن تمرير ونشر رسائلهم وخطاباتهم التحريضية بحق اللاجئين، واضعين الأبرياء منهم في قفص الاتهام الدائم وفي قوالب نمطية عنصرية.
وفي المقلب الآخر، تثابر الشريحة اللبنانية المناصرة لحقوق اللاجئين والمستضعفين، على بذل الجهود الدؤوبة من أجل تحصيل حقوقهم الإنسانية وتأمين حياة كريمة لهم، إلى حين عودتهم إلى وطنهم. فعند كلّ حادثة أو اعتداء أو كارثة طبيعية، ينبري العديد من الجمعيات الأهلية المحلية والناشطين اللبنانيين، إلى جانب المنظمات الدولية والجمعيات العربية والأجنبية، للوقوف إلى جانب اللاجئين السوريين، والاستجابة لحاجاتهم. ولعلّ حادثة مخيم بحنين - المنية خير مثال على ذلك.
ففي اتصالٍ لـ"العربي الجديد"، يكشف رئيس بلدية بحنين، قضاء المنية، مصطفى وهبة، أنّه "منذ وقوع الحادثة، انطلقت مبادرات لبنانية عديدة قدّمت المساعدات الغذائية والأدوية والبطانيات وفرش النوم وغيرها العديد، ومن بين هذه الجهات، لجنة الزكاة التابعة لدار الفتوى والجمعيات المحلية والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والهبات العينية المقدّمة من بعض الدول العربية والأجنبية. فالمساندة أتت من كلّ حدب وصوب، ونحن بدورنا كأهالي وبلدية بحنين – المنية، نؤكّد أنّ عيوننا للاجئين وفق إمكانياتنا". يتابع: "لم يتوانَ اللبنانيون عن نجدة أشقائهم السوريين في المخيم المتضرر، فوقفوا إلى جانبهم طوال فترة إنقاذهم وأطفالهم من النيران، وعملوا على تأمين المساكن البديلة لإيوائهم، كما فتحوا بيوتهم وقدّموا ما استطاعوا من مساعدات".
وهبة، الذي يشدّد على "عدم وجود أي مشاكل بين أهالي البلدة واللاجئين السوريين"، يقول: "كلّنا واحد، نعيش معاً منذ نحو 10 سنوات بكل احترام ومحبة، علماً أنّ بلدتنا تضمّ نحو 30 مخيماً أيّ نحو 11 ألف لاجئ سوري، في حين أنّ عدد سكان بحنين اللبنانيين لا يتجاوز 8000 نسمة".