سقطت أحزاب السلطة في لبنان للمرة الثانية في انتخابات نقابة المهندسين، بعد تمكن ائتلاف "النقابة تنتفض" (يضمّ تنظيماتٍ نقابية منبثقة من انتفاضة 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2019) من الفوز بمنصب النقيب وعضويّة مجلس النقابة (9 أعضاء من أصل 10)، وسط معركةٍ مصيريّة تمكّن خلالها من الفوز بنحو 4 أضعاف الأصوات التي حصل عليها مرشّحو الأحزاب في 3 صناديق، وفق بيان الائتلاف، ليثبت بذلك توق اللبنانيّين إلى التغيير، بعد أن تحوّلت المعركة إلى "قضية رأي عام"، كما وصفها النقيب الفائز عارف ياسين.
وتمكّن الائتلاف، اليوم الأحد، وبعد أسابيع ثلاثة على الجولة الأولى، من حسم خيار مهندسي ومهندسات لبنان بالتغيير الوطني واستعادة الدور المهني النقابي وتوجيه صفعة شديدة للمنظومة الحاكمة ولمتعهّدي ومقاولي السلطة، على الرغم من محاولات التشويه والتضليل التي رافقت العملية الانتخابية، ووصلت إلى حد تداول أخبار زائفة باسم "النقابة تنتفض"، فضلاً عن الاتهامات والحملة التحريضية الطائفية التي طاولت مرشّحهم.
فمنذ اقتراب موعد الانتخابات بجولتها الثانية والأنظار تشخص نحو نتائجها، لا سيّما بعد أن اكتسحت "النقابة تنتفض" الجولة الأولى (هيئة المندوبين وأعضاء أربعة مجالس فروع)، وسحبت غالبيّة الأحزاب مرشّحيها، باستثناء "تيار المستقبل" (التابع لرئيس الحكومة السابق سعد الحريري) و"حركة أمل" (التابعة لرئيس مجلس النواب نبيه بري)، علماً أنّ منصب النقيب كان عبر السنوات الأخيرة بيد كلّ من "تيار المستقبل" و"التيار الوطني الحر" (التابع لرئيس الجمهورية ميشال عون).
وبمشاركةٍ بلغت 8842 مقترع/ة، حصدت منها "النقابة تنتفض" 72% من مجمل الأصوات، انطلقت عملية الاقتراع في مقر النقابة في بيروت، وسط تفاعلٍ لافتٍ عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أمّا المعركة فاحتدمت بين 8 مرشّحين لمنصب النقيب، بعد أن تجاوزوا 20 مرشّحاً قبل موجة الانسحابات.
إلى جانب انتخاب النقيب، تمحور التنافس اليوم على انتخاب 10 أعضاء لعضوية مجلس النقابة؛ 6 مرشّحين عن الهيئة العامة لعضوية مجلس النقابة (حصدتها النقابة تنتفض)، و4 مرشّحين عن الفروع الأربعة التي كانت قد فازت "النقابة تنتفض" بثلاثة فروعٍ منها في المرحلة الأولى من الانتخابات، في حين اقتصر فوز السلطة اليوم على مقعدٍ واحد حصدته "حركة أمل" عن فرعٍ يعود للمهندسين من موظّفي الدولة.
وجرى اليوم كذلك انتخاب مرشّحين اثنين لعضوية لجنة إدارة الصندوق التقاعدي و3 لعضوية لجنة مراقبة الصندوق التقاعدي، فازت "النقابة تنتفض" بكامل مرشّحيها (4 أعضاء من أصل 5 في هذا الصندوق).
وشدّد عارف ياسين، مرشّح "النقابة تنتفض" تحت شعار "صوتي بإيدي لتحرير النقابة" والذي تمّ اختياره من قبل مهندسي الائتلاف بعد مناظرة علنيّة بينهم، قبل خوضه الانتخابات، على أنّ فوز "النقابة تنتفض" خطوة نحو "وقف المسار الانحداري لنقابة المهندسين، الذي كرّسه ممثّلو أحزاب السلطة المتحكّمة بالبلد، كلن يعني كلن".
وقال ياسين لـ"العربي الجديد": "المعركة صعبة كون الخصم، أيّ أطراف السلطة، يستخدم أسلحة مشروعة وغير مشروعة، من شائعاتٍ وتلفيق تهمٍ بمستوياتٍ غير مسبوقة، لكنّنا لا نولي أهمية لذلك، بل نركّز على العمل الجدي، بحيث زرنا المناطق كافّة للتواصل المباشر مع المهندسين/ات، كون مرشّحي الائتلاف اختارتهم قواعد المهندسين، على عكس ما تمارسه أحزاب السلطة التي تتفق في اللحظات الأخيرة، وينسحب بعضها لصالح الآخر، خدمةً لزعماء السلطة وليس خدمةً للمهندسين/ات".
وردّاً على اتهامه من قبل أحزاب السلطة بأنّه شيعيّ مدعوم من حزب الله ويحاول كسر الأعراف المتّفق عليها لمنصب النقيب، يكتفي بالقول "لستُ شيعيّاً ولا سنّيّاً ولا مسلماً ولا مسيحيّاً، لقد شطبتُ الإشارة إلى المذهب عن إخراج القيد منذ عشر سنوات، أمّا العُرف القائل بتداول منصب النقيب بين المسيحيين والمسلمين (تحديداً الطائفة السنية الكريمة)، فهو عبارة عن تكتيكٍ سياسي معتمد بين الأحزاب للتحكم بمنصب النقيب، ولا شأن لمذهب النقيب بذلك. فقد كان حزب الله "يهدي" سعد الحريري هذا المنصب لتعويمه أو لتعويم جماعته من الطائفة السنّيّة".
وعن برنامجه، يشير ياسين إلى أنّه "يتضمّن 3 محاور: النقابة هي خط الدفاع الأول عن المجتمع، ودورها جوهري على مستوى الوطن والشأن العام لناحية حماية البيئة وتقديم مشاريع دراسات علمية للمجتمع اللبناني والجهات المانحة والإدارات المعنية، حول الكهرباء والطاقة ومواجهة سياسات تدمير البيئة ووقف إنشاء السدود وغيرها. كما نسعى لتطوير قوانين النقابة وأنظمتها ومكننة العمل، وبالتالي الدفاع عن حقوق المهندسين/ات بكلّ ما يتعلق بالمهنة، تحديداً لامركزية العمل وتطوير مراكز النقابة في المناطق، وتحديث ملف الاستشفاء والتأمين الصحي وتطبيق المخطط التوجيهي الشامل لتنظيم الأراضي بهدف إنماء لبنان".
من جهته، قال باسم العويني، المرشّح المدعوم من "تيار المستقبل" وجمعية متخرّجي جامعة بيروت العربية واتحاد جمعيات العائلات البيروتية تحت شعار "لنقابة وطنية مهنية"، لـ"العربي الجديد": "ترشّحتُ من منطلق سيرتي الذاتية وبرنامجي الانتخابي الذي يحاكي بدوره الواقع الراهن، ويتمحور حول وجوب تفاعل النقابة بدورها الوطني والمهني في الإدارات والمؤسّسات العامّة والبلديات، دعم الطاقات الهندسية الشابّة من خلال ربطها بقاعدة بيانات شاملة لسوق العمل والفرص المتاحة لدى الشركات الهندسية، كما أنّني مهتمٌّ بتعديل القوانين وببرنامج تأمينٍ صحي يلبّي تطلّعات نحو 100 ألف مهندس".
العويني، الذي أكّد أنّه لم يشكّل لائحة، إنّما دعم "لائحة مؤلّفة من تيار المستقبل وحركة أمل وزملاء أكاديميّين ومهنيّين ونقابيّين مستقلّين ومن كوتا نسائية"، يضيف "لا تخوّف من المعركة، فمعركة النقيب تختلف كليّاً عن معركة هيئة المندوبين، و"النقابة نقيب" كما هو معروفٌ بين المهندسين/ات، فلتأخذ الديمقراطية مجراها، وسنتقبل النتائج مهما كانت".
وتساءل يسار العنداري، مرشّح "النقابة تنتفض" لعضويّة مجلس النقابة عن الهيئة العامة، "هل باتت أحزاب السلطة تخجل من تسمية مرشّحيها، فتدفعهم إلى الترشّح تحت مسمّى "مستقل ومدعوم من"؟! فمثلاً العويني هو مسؤول المهن الحرة في "تيار المستقبل" وقدّم نفسه كمرشّح عن إحدى الجامعات، كما أنّ عبدو سكريّة طرح نفسه كمرشّحٍ مستقل تحت شعار"النقابة بيتنا"، لكنّه من المقاولين والمتعهّدين الكبار، أي أنّه جزء من المنظومة الحاكمة. واللافت أنّ ثلاثة من المرشّحين لعضويّة مجلس النقابة مشتركون بين لائحتَي العويني – سكريّة، وهذا دليلٌ واضح على خشية السلطة من ترشيح محازبين إنّما مقرّبين منها".