بخروج القوات الأميركية من أفغانستان، مساء الإثنين الماضي، توقّفت عملية إجلاء الأفغان من مطار "حامد كرزاي" الدولي في كابول، وقد تركت تلك القوات وراءها آلافاً من حاملي تراخيص الإجلاء والتأشيرات الخارجية وكذلك جوازات سفر دول غربية. يأتي ذلك في حين طلب مجلس الأمن الدولي والمجتمع الدولي من حركة طالبان السماح بخروج الأشخاص الراغبين في ذلك، بعد استكمال الانسحاب من أفغانستان.
وكان مجلس الأمن الدولي قد تبنّى الإثنين قراراً يدعو فيه حركة طالبان إلى احترام التزاماتها من أجل خروج آمن لكلّ الذين يريدون مغادرة البلاد، من دون المطالبة بإقامة منطقة آمنة كانت فرنسا قد دعت إليها. وصوّتت 13 دولة عضواً في مجلس الأمن من بين 15 دولة، لمصلحة القرار الذي وضعته الولايات المتحدة الأميركية، من بينها فرنسا والمملكة المتحدة، فيما امتنعت الصين وروسيا عن التصويت. ويركّز القرار على قضية العبور الآمن للراغبين في مغادرة أفغانستان، ويدعو كل الأطراف إلى العمل مع الشركاء الدوليين للدعم والحفاظ على الأمن في المطار وحوله واتخاذ الخطوات اللازمة لتأمين المطار وإعادة فتحه.
من جهتها، أكدت حركة طالبان أنّها لم تمنع الذين يرغبون في الخروج من أفغانستان، استجابة لمطالب المجتمع الدولي شريطة أن يملكوا وثائق رسمية. وقال نائب رئيس المكتب السياسي للحركة الملا شير محمد عباس ستانكزاي، في كلمة بثتها القناة الوطنية، إنّ الحركة لن تمنع أيّ أفغاني يريد ترك البلاد لكنّها في الوقت نفسه تدعو المواطنين إلى البقاء من أجل الإسهام في مستقبل أفضل.
وعلى الرغم من كلّ التطمينات سواء الدولية أو من جهة طالبان، فإنّ لدى الراغبين في ترك أفغانستان مخاوف بشأن المستقبل وكذلك عملية إجلائهم. سيف الله واحد من الأفغان الذين عملوا في مؤسسات أجنبية، تحديداً أميركية، طيلة الأعوام الماضية في البلاد، وهو يخشى اليوم على حياته. فهو حصل على ترخيص للإجلاء لكنّه لم يتمكّن من الوصول إلى المطار، وبالتالي ينتظر القرارات المستقبلية. يقول سيف الله لـ"العربي الجديد": "أخاف جداً أثناء التجوّل بكابول لأني عملت طيلة السنوات الماضية مع الأميركيين، لذا أريد الخروج من البلاد بأيّ طريقة ثمّ نرى ما سوف يكون. لكنّني أخشى ألّا أتمكّن من الخروج وأبقى في هذه البلاد من دون عمل وتحت وطأة طالبان".
وتشير مواقف الأطراف المختلفة المعنية بقضية إجلاء الأفغان إلى أنّ العملية سوف تبدأ قريباً وسوف توافق طالبان عليها، إنّما ذلك بطريقة جديدة وبوتيرة أقل. وتقول الناشطة الاجتماعية الأفغانية مريم أشرفي لـ"العربي الجديد" إنّ "إجلاء الأفغان عملية تهرّب كوادرنا العلمية والمتخصصين، قبل كل شيء، وقد هرب الآلاف بالفعل. وهذه ضربة قوية لمستقبل بلادنا. ولكن في الوقت نفسه، ثمّة شريحة كبيرة تخاف من العيش في هذه البلاد بسبب ما كانت طالبان تقوم به في تسعينيات القرن الماضي". تضيف أشرفي: "ولأن كثراً من هؤلاء عملوا مع القوات الأميركية والأجنبية المختلفة، فإنّهم بالتالي يتخوّفون من ملاحقتهم من قبل طالبان"، مشيرة إلى أنّه "في حال أثبتت طالبان في الأيام المقبلة أنّها قادرة على ضمّ الجميع إلى حضنها ومن دون أعمال انتقامية، حينها يمكن لهؤلاء أن يهدأوا ويصبروا ويبقوا في البلاد".
وبعيداً عن عملية الإجلاء الرسمي، يستمر هروب الأفغان من البلاد عبر طرقات غير شرعية إلى باكستان وإيران، ومنهما يتوجّه بعضهم إلى دول أخرى فيما يبقى آخرون في واحد من البلدَين وقد دفعهم إلى ذلك هاجس الخوف. محمد إلياس على سبيل المثال، من سكان مديرية خوجياني في ولاية ننجرهار شرقي البلاد، كان يملك دكاناً صغيراً للعصائر وكان رزقه جيداً إذ كان ابناه سهيل وصديق يساعدانه في العمل. قبل فترة، أرسل سهيل إلى تركيا عبر إيران بطريقة غير نظامية، وهو حالياً يعمل هناك لكنّ همّه الأوّل والأخير الوصول إلى أوروبا. يُذكر أنّ عمل إلياس كان جيداً قبل سيطرة حركة طالبان على كابول، لكنّه توقّف بعد ذلك بسبب تفاقم الوضع المالي الناجم عن عدم سداد مرتبات الموظفين لشهرين ماضيين وإغلاق المصارف وجمود الحركة المالية في المجمل. يُضاف إلى ذلك خوف من مستقبل مجهول، الأمر الذي جعل إلياس يقرّر التوجّه إلى إيران مع ابنه صديق بطريقة غير نظامية. ويقول وسيم الله أحد أقارب إلياس لـ"العربي الجديد" إنّ "أمثال إلياس الذين يهربون من البلاد كثيرون. والذين لا يملكون وثائق للسفر يختارون طريق إيران ومنها إلى تركيا ثمّ أوروبا". ويلفت إلى أنّ "عمل إلياس كان جيداً، بالتالي لم يكن يحقّ له الهروب. لكنّ الوضع السائد في البلاد والذي نجمت عنه حالة من الهلع، أدّى إلى فرار مئات من أفغانستان".
وباكستان التي تُعَدّ موطناً ثانياً للأفغان إذ يعيش فيها نحو ثلاثة ملايين لاجئ (ما قبل الأزمة الأخيرة)، أغلقت كلّ منافذها مع أفغانستان في خلال الأشهر الماضية بحجة مكافحة أزمة كورونا، مستثنية منفذ سبين بولدك الحدودي في الجنوب، علماً أنّه كان يُفتَح حيناً ويُغلق أحياناً. لكنّ سيطرة حركة طالبان على كابول، دفعت السلطات الباكستانية إلى فتح المنفذ بشكل كامل وأمام جميع الأفغان الهاربين من بلادهم، وإلى تسهيل دخول من يحمل جواز سفر أو بطاقة لجوء في باكستان أو هوية أفغانية عبر نقطة من نقطة شامان الباكستانية الحدودية انطلاقاً من سبين بولدك. وهو ما يعني أنّ الدخول إلى باكستان صار ممكناً بكلّ الوسائل، الأمر الذي جعل الأفغان يتوجّهون إليها بشكل كثيف. لكنّه بعد أسبوعَين من الموجة الأخيرة، ونظراً إلى الازدحام على المنفذ، قررت السلطات الباكستانية ضبط الوضع وقرّرت السماح فقط بدخول من يحمل جواز سفر وتأشيرة، أو بطاقة لجوء في باكستان. أمّا الهوية الأفغانية، فاستخدامها ممكن فقط من قبل سكان قندهار، ما يعني أنّ العبور غير ممكن للأفغان الباقين من سكان الجنوب والشرق والشمال (باستثناء قندهار). يُذكر أنّ تعديل الهوية لربط حاملها بقندهار صار أمراً متاحاً، وهو ما يفعله كلّ من يريد الرحيل إلى باكستان عبر منفذ سبين بولدك.