تشهد محافظات عراقية مختلفة تصاعدا في ظاهرة النزاعات القبلية التي تتسبب بالعادة في سقوط قتلى وجرحى وإيقاع خسائر مادية بالممتلكات، وسط محاولات متواصلة من قبل وزارتي الداخلية والدفاع من أجل فضها بطرق مختلفة، منها إقامة جلسات الصلح التي بالغالب لا تثمر إلا عن تهدئة مؤقتة.
ومنذ مطلع العام الحالي، يؤكد مسؤولون أمنيون في بغداد، وقوع أكثر من 200 نزاع قبلي مسلح في مختلف مناطق البلاد، أسفرت عن مقتل وإصابة العشرات، كانت محافظات البصرة وذي قار وميسان وبغداد الأولى في معدل تلك المشاكل، التي اضطرت بعضها لتدخل قوات الجيش وفرض حظر تجوال بغية السيطرة عليها.
كميات السلاح والذخيرة الكبيرة المتوفرة في الشارع، تغذي تلك المشاكل التي عادة ما تكون بسبب مشاكل قديمة (ثأرية) أو على المياه والنفوذ في المناطق القبلية عادة، يضاف إليها ضعف تطبيق القانون والقضاء في كثير من المناطق الواقعة خارج المدن.
في عام 2018 اعتبر القضاء العراقي (الدكة العشائرية) فعلا إرهابيا يحاسب بموجب قانون مكافحة الإرهاب
وسجل الشهر الماضي، مقتل 5 عراقيين وإصابة 9 آخرين نتيجة اشتباكات عشائرية وقعت في البصرة وميسان جنوبي العراق، كما تم اعتقال عدد آخر بتهم ممارسة ما تعرف بـ"الدكة العشائرية"، وهي مهاجمة منازل مواطنين لديهم مشاكل مع آخرين، لكن "الدكة العشائرية"، تطورت إذ تم استخدام قنابل يدوية فيها بعدما كانت مجرد إطلاق نار في الهواء.
وبحسب ما يؤكده مسؤول في وزارة الداخلية العراقية ببغداد، فإن الشهر الحالي، سجل هو الآخر ضحايا من المواطنين بفعل تلك الاشتباكات، كاشفا عن أن توجيهات جديدة صدرت من الحكومة بمنح قائد أو مسؤول المنطقة صلاحية تحريك القوات الكافية لفض الاشتباكات واعتقال الطرفين المتورطين فيها ومصادرة أسلحتهم، وسيتحمل مسؤول المنطقة الأمني تبعات عدم قيامه بذلك"، كاشفا عن تضرر أسلاك الضغط الفائق للكهرباء في البصرة بسبب أحد تلك الاشتباكات التي وقعت مؤخرا.
و"الدكة العشائرية" هي عمل يتلخص بقيام أفراد من عشيرة معينة بتهديد مواطن من عشيرة أخرى، من خلال إطلاقات نارية على منزله، كتحذير شديد لدفعه إلى الجلوس والتفاوض لتسوية الخلاف، وفي حال عدم موافقة الطرف المستهدف، تتطور الأمور لتؤدي إلى وقوع ضحايا من الطرفين.
وفي عام 2018 اعتبر القضاء العراقي (الدكة العشائرية) فعلا إرهابيا يحاسب بموجب قانون مكافحة الإرهاب، إلا أن هناك عشائر كبيرة تملك أسلحة خفيفة ومتوسطة لا يسري عليها القانون، وحتى القوات الأمنية تخشى محاسبتها.
ويؤكد المختص بالشأن القانوني وسام عبد العزيز لـ "العربي الجديد"، إن "تطور النزاعات العشائرية، وجه سلبي آخر داخل المجتمع، وما يعرف بـ (الدكة العشائرية) لم تعد عملا مقتصرا على إطلاق النار فقط، بل وصل مرتكبوها إلى استخدام أسلحة متوسطة مثل القذائف الصاروخية التي تخلف سقوط أعداد كبيرة من الضحايا.
ويضيف عبد العزيز، إن "قانون العقوبات لم يُجرم (الدكة العشائرية) باسمها الصريح، بل كيفها نحو المادة 430 المتعلقة بالاعتداء والتهديد الأمني، وذلك بعدما أخذت منحى خطيرا وواسعا في المحافظات الجنوبية العراقية، لذلك صنفها مجلس القضاء الأعلى ضمن مكافحة الإرهاب وهي تحمل عقوبتي الإعدام أو المؤبد".
وميض الشمري (أبو محمد) والد أحد ضحايا الدكة العشائرية في البصرة، يقول لـ"العربي الجديد"، إن ولده الأكبر قتل جراء نزاع عشائري إثر خلاف بسيط، مبينا أن "المسلحين فتحوا النار على منزلي في منتصف الليل وبعد خروج ولدي علي قتل برصاصة في منطقة الصدر".
وفي وقت سابق من هذا العام طالبت قيادة عمليات بغداد القضاء العراقي تشديد عقوبة المتهمين بهذه الأعمال، اذ عدت الدكة العشائرية" إرهابا وفق المادة الثانية من قانون مكافحة الإرهاب رقم (13) لسنة 2005.
مدير شؤون العشائر في وزارة الداخلية العراقية، اللواء ناصر النوري، قال إنه ستكون هناك حماية للعائلات التي تطالب بذلك بسبب أي تهديد تتلقاه، مبينا أن هناك إجراءات للوزارة مختلفة في هذا الصدد.
أضاف النوري أن "الدكة العشائرية تسبب الذعر والهلع للعائلات إلى جانب احتمال سقوط ضحايا من المدنيين جراءها"، مبينا أنه تم تنفيذ عدد من الزيارات الميدانية لشيوخ العشائر وإطلاعهم على دورهم في الحد من النزاعات العشائرية وإشاعة الأمن والأمان المجتمعي.
واختتم النوري حديثه مشيرا إلى أن" النزاعات العشائرية انخفضت بنسبة كبيرة مؤخرا بعد رعاية الحكومة واهتمامها بملف السلم الأهلي وتشديدها على أهمية متابعة ملف النزاعات والتعامل معه وفقا للقانون الذي ترجم ذلك على أرض الواقع بالعمليات المستمرة لحصر السلاح بيد الدولة ومصادرة السلاح عبر القطعات الماسكة للأرض.
ويرى الباحث الاجتماعي زهير الطائي، أن أسباب ارتفاع النزاعات العشائرية في العراق تعود إلى ضعف تطبيق القانون، قائلا لـ "العربي الجديد"، إن "الطابع العشائري موجود في العراق منذ القدم، لكن ظهور تلك النزاعات يأتي بسبب ضعف تطبيق القانون وانفلات السلاح الذي بات متوفرا ويمكن اقتناءه بسهولة"، معتبرا أن "نظام المحاصصة السياسية أسهم في تغذية التنافس القبلي، وجعل منه بلدا مقسما إلى عدة هويات داخل السياسة والمجتمع ومتصارعة في داخلها وبينها".