- منطقة المواصي تستقبل نازحين رغم نقص البنية التحتية والخدمات، وتاريخها كمنطقة زراعية وصيد يتحول إلى مسرح للمعاناة بسبب القصف والنكبة الفلسطينية.
- الوضع الإنساني يتدهور مع استمرار النزوح وتوقف المساعدات، حيث يصارع النازحون للعثور على مأوى والتكيف مع الظروف الصعبة، مع تسليط الضوء على قصص شخصية تعكس الأوضاع المعيشية القاسية.
يواصل آلاف من السكان والنازحين مغادرة المنطقة الشرقية من مدينة رفح متجهين إلى وسط المدينة والأحياء الجنوبية القريبة من الطريق المؤدي إلى معبر رفح البري، في حين غادر آخرون نحو منطقة المواصي، وبعض مناطق وسط قطاع غزة.
وعلى مدار اليومين الأخيرين، كثف جيش الاحتلال الإسرائيلي القصف على أنحاء مدينة رفح، ودخلت مركبات عسكرية إسرائيلية شرقي المدينة التي استهدفت فيها كثير من المنازل، ما خلّف شهداء وجرحى، فضلاً عن اقتحام دبابات الاحتلال القسم الفلسطيني من معبر رفح. وحذرت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، الثلاثاء، من استمرار توقف دخول المساعدات عبر معبر رفح. وقالت إن ذلك "سيوقف الاستجابة الإنسانية الحرجة في جميع أنحاء قطاع غزة. الجوع الكارثي الذي يواجهه الناس، ولا سيما في شمال غزة، سوف يزداد سوءا إذا انقطعت طرق الإمداد".
ووصلت أعداد من النازحين الذين كانوا يعيشون داخل مراكز إيواء ومدارس حكومية أو منازل ومحال تجارية استقبلتهم في رفح إلى المواصي، وصدموا بواقع المنطقة التي يوجد فيها منطقة خيام مخصصة لإيواء النازحين، لكنها ممتلئة بالفعل، وكانت المنطقة من بين المناطق التي طاولها القصف الإسرائيلي منذ بداية العدوان، وارتكبت فيها مجازر أثناء العملية العسكرية في مدينة خانيونس التي امتدت من يناير/ كانون الثاني حتى بدايات إبريل/ نيسان الماضي.
تقع المواصي على ساحل البحر وتفتقر إلى البنى التحتية
وتقع منطقة المواصي على الشريط الساحلي لشاطئ البحر بامتداد 12 كيلومترا، وبعمق كيلومتر واحد من حدود مدينة دير البلح شمالاً، مروراً بمحافظة خانيونس جنوباً، وحتى حدود مدينة رفح في أقصى الجنوب، وتعد من بين المناطق التي عرفت تاريخياً مراحل من الزحف العمراني، وكذلك التعديات غير الشرعية، وهي منطقة مفتوحة إلى حد كبير، وفيها أراضِ فارغة وأراض زراعية أكثر من المنازل.
قبل العدوان الإسرائيلي على القطاع في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، كانت المنطقة تفتقر إلى البنى التحتية والشوارع المرصوفة وشبكات الصرف الصحي وخطوط الكهرباء وشبكات الاتصالات والإنترنت، بينما واقعها الآن أكثر سوءا، وتقسم أغلب أراضيها إلى دفيئات زراعية ومناطق رملية، وكانت تسكنها أعداد محدودة من الغزيين الذين يعملون مزارعين أو صيادين، وآخرين عاطلين عن العمل يعتمدون في حياتهم على المساعدات.
وتشير الوثائق التاريخية إلى أن اسم "المواصي" ظهر في عهد الحكم العثماني الذي كان يركز في مركزية حكمه على مدينة خانيونس، والتي تحمل اسماً عثمانياً يشير إلى اسم الخان الذي كان فيها، وهو مكان مخصص لاستراحة التجار، واسم المواصي مرتبط بما كان يقوم به المزارعون في المنطقة من استخراج المياه عن طريق حفر برك لاستخدامها في ري الأراضي الزراعية.
وكانت المنطقة عقب النكبة الفلسطينية في عام 1948، تابعة للإدارة المصرية التي كانت وصية على قطاع غزة، وكان يمر فيها شارع طويل يصل بين المخيمات التي أنشئت في مدينتي خانيونس ورفح، ويربط المنطقة بوسط القطاع، لكن في عام 1967، استولى الاحتلال الإسرائيلي عليها عقب حرب النكسة، وبدأ في انشاء مجمع مستوطنات "غوش قطيف" على أراضي المنطقة ومحيطها، فأصبح سكانها محاطين بـ14 مستوطنة إسرائيلية تسرق كل مقدراتهم، بما فيها المياه الجوفية.
بعد إنشاء السلطة الفلسطينية، أبقى الاحتلال مستوطناته في المنطقة رغم إدارتها عبر قوات فلسطينية إسرائيلية مشتركة، لكن مع اندلاع أحداث الانتفاضة الثانية في عام 2000، سيطر الاحتلال أمنياً على المنطقة، وبدأ التحكم في مخارجها ومداخلها، وفي حياة سكانها، حتى انسحب منها في عام 2005، وتم تفكيك المستوطنات، لتتحول إلى منطقة زراعية، وجرى استغلال جزء منها في بناء جامعات.
كان أفراد عائلة الشاويش من بين الواصلين إلى المواصي بعد أن غادروا مدرسة حي السلام شرقي رفح، وعند وصولهم لم يجدوا مكاناً يؤويهم، واستطاعوا بعد إلحاح على موظفي وكالة أونروا المتواجدين في المنطقة مع أفراد تابعين لمنظمات إنسانية ودولية تأمين البقاء داخل إحدى الخيام التي كانت تضم نازحين آخرين.
قضى أحمد الشاويش (40 سنة) ليلة الاثنين في مساحة لا تتعدى المتر ونصف، وحاول النوم بأي شكل لكنه لم يستطع، فالمنطقة مكشوفة، والطقس بارد في المساء، ورغم محاولاته مع اثنين من أبنائه النوم باستخدام فراش يملكونه، لكن المحاولات لم تفلح، خصوصاً وأن المنطقة ينتشر فيها البعوض والحشرات.
يقول الشاويش لـ"العربي الجديد": "عندما نزحنا كنا نبحث عن مكان آمن، وكلما وجدنا مدرسة تتبع أونروا، أو مدرسة حكومية كنا نفرح، ونتوجه إليها أملاً أن يكون فيها مكان لنا، لكن كان يتم منعنا من الدخول لأنها جميعاً ممتلئة عن بكرة أبيها، فنعاود السير للبحث عن مكان آخر، ثم ذهبنا وتشاجرنا مع عدد من العاملين في وكالة أونروا، طالبين منهم توفير مكان لنا، وقررنا البقاء بالقرب من الخيام، وبعد ساعات وفروا لنا مكاناً مؤقتاً". يضيف أن "المنطقة رديئة، وليست فيها شوارع جيدة، وطرقها مليئة بالحفر، وكنا نتعثر عندما نمشي، ونحن جائعون، إذ لم نأكل شيئاً إلا قليلا من الطعام، ولا يزال الناس يتوافدون، وشقيقي قرر الذهاب إلى وسط القطاع، ولم يجد مكاناً يؤويه أيضاً، ولا يزال يبحث عن مكان، فحتى الخيام غير متوفرة".
وتكمن مشكلة النازحين من المنطقة الشرقية في مدينة رفح في أن معظمهم كانوا يعيشون في قرابة 20 مدرسة تابعة لوكالة أونروا وأخرى حكومية، وقد نزحوا رفقة أفرشتهم وأغطيتهم، لكن لا وجود لخيام يمكنها استيعابهم في المناطق التي انتقلوا إليها، كما تتواجد في منطقة المواصي 6 مدارس فقط، وهي أصلاً مكتظة بنازحين سابقين.
وفي بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، طلب جيش الاحتلال من سكان شمال القطاع ومدينة غزة التوجه إلى منطقة المواصي في خانيونس باعتبارها "منطقة آمنة"، ولا يزال الجيش يحدد المنطقة باعتبارها آمنة رغم تكرار عملياته العسكرية فيها. وعلى أرض الواقع، فإن المنطقة لا تصلح لاستقبال أعداد إضافية من النازحين، فمساحتها التقديرية تبلغ نحو 12 ألف متر مربع.
وبعد أن أغلق الاحتلال معبر رفح البري ومعبر كرم أبو سالم في المنطقة الشرقية لمدينة رفح، تفاقمت أوضاع النازحين والسكان، وبات من الصعب تأمين دخول خيام جديدة تلبي الحاجة المتزايدة، كما توقف دخول المساعدات، ما يضطر النازحين الجدد إلى تشارك الخيام القائمة مع عائلات كانت متواجدة مسبقاً، لكن الخوف أن يتم إجبار أعداد جديدة من الأهالي على مغادرة المنطقتين الوسطى والغربية من مدينة رفح بعد مطالبة سكان المنطقة الشرقية بالمغادرة.
غادرت لمياء حجو (50 سنة) شرق رفح مع أسرتها المكونة من 8 أفراد حاملين الفرش المهترئة التي كانت معهم في إحدى المدارس الحكومية، وهي تتشارك حالياً خيمة واحدة مع أسرة شقيقتها التي استقبلتها في منطقة المواصي. كانت حجو تعيش في مدينة غزة، وجربت النزوح لسبع مرات على التوالي، وكلما نزحت كانت أغراضها تتعرض للاهتراء. تقول لـ"العربي الجديد": "منطقة المواصي مخيفة، فهي مفتوحة على كل شيء، وبالقرب منها سواتر رملية كثيرة، والاحتلال يريدنا أن نبقى في هذه المنطقة بينما طائرات الاستطلاع فوقنا في كل لحظة. لقد نقلنا إلى سجن مفتوح حتى نبقى تحت عينه. انتقلنا من المدارس التي كانت تشعرنا بقليل من الأمان إلى هنا، ونشعر الآن بالخوف لأن المنطقة التي يدعي أنها إنسانية لا تصلح بالمرة".
وكانت شقيقتها نسرين حجو ممن نزحوا من المواصي إلى مدينة رفح، ثم عادت إليها عقب انتهاء العملية العسكرية الإسرائيلية على خانيونس في الشهر الماضي، وكان من حسن حظها أنها استطاعت الحصول على إحدى الخيام المقدمة عبر المساعدات القطرية للنازحين، لكن الخيمة يعيش فيها حالياً ثلاث عائلات تضم قرابة 30 فرداً بعد النزوح الأخير من شرق رفح.
تقول نسرين لـ"العربي الجديد": "قبل نزوح شقيقتي من مدينة رفح، كنا نعيش على مساعدات قليلة لا تكفينا، ومهما دخلت المساعدات، فإنها توزع بشكلٍ محدود، ولا نملك المال لشراء الطعام، ومع موجة النزوح الجديدة، سنعيش كارثة حقيقية".