المنخفضات الجوية تفاقم أوضاع النازحين المأساوية داخل مراكز الإيواء في غزة
لم تتمالك الفلسطينية أم عبد الله اشتيوي أعصابها، حيث بدأت بالصُراخ بعد أن اشتد المنخفض الجوي المصحوب بالرياح القوية والأمطار الشديدة، وأسقط الخيمة التي تؤوي أسرتها داخل إحدى مدارس اللجوء في مُخيم النصيرات للاجئين الفلسطينيين وسط قطاع غزة.
وتضاعفت المأساة التي يعيشها مئات آلاف النازحين في مُختلف المدارس ومراكز اللجوء بعد دخول المنخفض الجوي، الذي فاقم الأوضاع الإنسانية الصعبة للأسر الفلسطينية، التي تُعاني بالأساس من ظروف معيشية مأساوية وغير آدمية.
وتجمعت الأزمات أمام الأسر التي فقدت بيوتها مُنذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، سواء بفعل القصف الإسرائيلي المُباشر أو التدمير الذي طاولها بفعل شدة القصف والأحزمة النارية التي استهدفت البيوت، والبنايات السكنية والمدنية، والمناطق والمُربعات السكنية الكاملة، أو حتى بفعل النزوح القسري لمُحافظتي غزة والشمال نحو المُحافظات الوسطى والجنوبية.
ومع دخول المنخفض الجوي واشتداد الأمطار، ضجت مراكز اللجوء، وتحديداً المدارس التي تضم الأعداد الكبيرة، بأصوات الصُراخ والاستغاثات، بفعل تدفق المياه إلى الساحات، وسقوط الخيام، وتطاير الأقمشة، والستائر البلاستيكية المُخصصة لحماية النازحين من أشعة الشمس فقط، من دون قدرتها على مواجهة الرياح والأمطار.
وتقول أم عبد الله اشتيوي، لـ"العربي الجديد"، إن العدوان الإسرائيلي أذاق الفلسطينيين في قطاع غزة كافة أصناف الألم والعذاب، وقد بدأت معاناتها وأسرتها بقصف بيتهم في حي الزيتون في الأيام الأولى للحرب، ما اضطرها للنزوح إلى منزل والدها برفقة أطفالها، ونزوح زوجها إلى إحدى المدارس القريبة، ومن ثم انتقالهم مُجدداً إلى مُخيم النصيرات بعد التهديدات الإسرائيلية بضرورة التوجه نحو المناطق الوسطى والجنوبية.
وتضيف: "لم تُمهلنا الطائرات الحربية الكثير من الوقت بعد تعرض سطح المبنى لصاروخ تحذيري، ما دفعنا إلى الهروب بالملابس التي نرتديها، وقد كانت الأجواء مُعتدلة في بداية العدوان"، موضحة أنّ اشتداد الأجواء الباردة تزامن مع انعدام المأوى الدافئ، وكذلك مع إغلاق المحال التجارية الخاصة ببيع الملابس الشتوية، ومع الارتفاع الفاحش في أسعار بعض الملابس المتوفرة، على الرغم من عدم جودتها.
أما الفلسطيني محمد أبو الخير، وهو من سُكان منطقة الثلاثيني في مدينة غزة، فيقول، لـ"العربي الجديد"، إنه كان يرفض فكرة الخروج من المدينة، أو الانصياع للتهديدات الإسرائيلية، لعدة أسباب، من أبرزها خوفه على أطفاله من التقلبات الجوية، خاصة أن البرد يزيد من معاناة طفله الصغير، الذي يُعاني من صعوبة في التنفس، إلا أنه اضطر للمُغادرة بعد اشتداد القصف، ومسحِ مُربعات سكنية بأكملها على رؤوس ساكنيها من دون أي تحذير مُسبق.
ويلفت أبو الخير إلى أنّ الأوضاع في مراكز اللجوء والمدارس غير مُناسبة لاستقبال الأجواء غير المُستقرة، التي تزيد من معاناة الفئات الهشة، وفي مقدمتها النساء والأطفال وكِبار السن، قائلاً: "الحرب بكافة تفاصيلها صعبة، إلا أن المُنخفض، الذي يتزامن مع انعدام الإمكانيات، جاء ليُكمل باقي فصول المعاناة".
وتستقبل مراكز اللجوء والمؤسسات والمدارس أعداداً هائلة من النازحين التي لا تتوافق مع قدراتها الاستيعابية، إذ يستقبل بعض المراكز التي لا تتمكن سوى من استيعاب 500 شخص، نحو ثلاثة آلاف نازح، بينما تستقبل المُستشفيات والمراكز الطبية المُخصصة للمرضى عشرات آلاف النازحين، فيما تضم كُل مدرسة لجوء ما يزيد عن أربعة آلاف أو خمسة آلاف نازح، في حين أنها لا تتمكن في الوقت الطبيعي سوى من استيعاب من 800 إلى ألف نازح، ما يضطر النازحين إلى المبيت في العراء والساحات العامة، وفي الخِيام القماشية، أو البلاستيكية.
ويضع ذلك الواقع الصعب للأعداد الكبيرة للنازحين داخل مراكز اللجوء، وبالإمكانيات المُتواضعة وغير المُهيأة أصلاً لاستقبال الأمطار أو الأجواء غير المُستقرة، الأُسر الفلسطينية أمام واقع مأساوي وصعب، يُفاقم الأزمات التي يُعانون منها، جراء القصف الإسرائيلي غير المُتوقف، وأجواء القلق والتوتر التي لا تُفارق واقعهم اليومي مُنذ 45 يوماً.
ولا تقتصر مُعاناة النازحين على المدارس ومراكز اللجوء فقط، إذ اضطر عشرات الآلاف منهم إلى النزوح داخل المحال التجارية، والمطاعم، والحواصل والمخازن المُخصصة للبضائع، وفي صالونات الحِلاقة، والأماكن غير المُخصصة للمعيشة اليومية، ما يزيد من مُعاناة النازحين خلال مواجهتهم التقلبات المناخية.
ويوضح الفلسطيني خليل أبو قمر، لـ"العربي الجديد"، أنه اضطر لاستئجار شقة صغيرة على سطح إحدى البنايات السكنية في مخيم البريج، على الرغم من أنها غير مهيئة، ولا تتوفر فيها أي خدمات، أو حتى شبابيك، ما اضطره إلى إغلاق فتحات النوافذ بالنايلون، حماية لأطفاله من البرد.
ويعيش النازحون ظروفاً مأساوية حتى قُبيل دخول المُنخفض، وذلك بفعل التكدس غير الطبيعي، الذي اضطروا على أثره للمبيت في الساحات العامة، وعلى سلالم تلك المراكز، وتحت الأشجار والمظلات العامة، إلا أن المنخفض كشف سوأة كُل تلك الأماكن المفتوحة، التي لم تتمكن من حماية المواطنين من قساوة الأجواء الباردة.
وتتزايد الأزمات أمام النازحين يوماً بعد الآخر، إذ يعيشون في أوضاع غاية في الصعوبة مُنذ تدمير بيوتهم أو النزوح منها بعد التهديدات الإسرائيلية التي طالبتهم بالتوجه إلى جنوبي وادي غزة، قُبيل بدء العملية العسكرية البرية في 27 أكتوبر، إلى جانب عدم توافر أدنى مقومات الحياة الأساسية، وفي مُقدمتها الطعام والماء، بفعل إغلاق قوات الاحتلال الإسرائيلي كافة المعابر، ومنع دخول الغذاء، والماء، والدواء والمُستلزمات الطبية، ومُشتقات البترول، والمُساعدات الإنسانية.