المكتبة الوطنية اللبنانية: الكتب في انتظار محبيها مجدداً بعد الترميم

11 فبراير 2022
أُعيد افتتاح المكتبة الوطنية رغم الانهيار (حسين بيضون)
+ الخط -

تُذكّر الأضواء ونغمات موسيقى فيروز بتلك الصباحات المنسية. الهدوء جميل والمبنى تراثي ودافئ، والكتب على الرفوف مفهرسة. تختلف العناوين بين "خريف الغضب"، "الأمير"، "سمندر حكاية من الشرق"، "الغريب"، "مجلة الدبور"، و"دنيا الكواكب". المقاعد جاهزة، واللوحات لرائد فن الرسم الكلاسيكي في لبنان والعالم العربي داود القرم، ومؤسس أول مطبعة عربية في لبنان عبدالله الزاخر وآخرين تضفي مزيداً من الجمال على المكان، الذي يشبه تلك المكتبات العريقة التي يقصدها المواطنون في أي دولة متطورة للقراءة، أو للبحث عن مرجع أو مخطوطة في منتصف النهار، أو بعد نهار عمل طويل. المكان ليس بعيداً، ويقع على مقربة من حديقة الصنائع في بيروت، وعلى بعد أمتار من مصرف لبنان حيث يتظاهر اللبنانيون بغضب ضد سرقة أموالهم، وفي وسط المدينة التي تعيش أكبر انهياراتها وأشدّها على مختلف المستويات الاجتماعية والاقتصادية والصحية. 
إنها المكتبة الوطنية اللبنانية التي أعيد يوم أمس افتتاحها بعد الأضرار التي لحقت بها من جراء انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس/ آب 2020 بهبة من "مؤسسة قطر" و"التحالف الدولي لحماية التراث في مناطق النزاع"، وبحضور رئيس الحكومة اللبناني نجيب ميقاتي. 
ويقول رئيس مجلس إدارة ومدير عام المكتبة الوطنية الدكتور حسان عكرا لـ "العربي الجديد" إنه تم ترميم آثار الانفجار الذي طاول الواجهات القديمة من دون المس بالكتب أو المجموعات المحفوظة. وتلقت المكتبة، بعد الانفجار، هبات عبارة عن كتب من مواطنين لبنانيين وهبوا المكتبة مجموعات من مقتنيات كتبهم الخاصة. ويلفت إلى أن المكتبة تعود لاستقبال الزوار والمهتمين، وتستوعب ثلاثمائة زائر، ويعمل فيها 22 موظفاً، وقد تمت رقمنة نحو نصف المقتنيات. 
وتواجه المكتبة تحديات مماثلة لتلك التي يواجهها المجتمع اللبناني من انقطاع في التيار الكهربائي وشح مادة المازوت وتدني رواتب الموظفين في ظل انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية أمام الدولار. إلا أن عكرا يؤكد أنه يعمل، ومن خلال هبات مالية مانحة، على توفير الكهرباء في المكتبة الوطنية من خلال نظام الطاقة الشمسية الذي سيكون مفعّلاً في نهاية شهر آذار/ مارس المقبل، منوهاً بشغف الموظفين الذين يثابرون على عملهم على الرغم من الصعوبات الاقتصادية، على اعتبار أن المكتبة بيتهم الثاني. 

المكتبة الوطنية اللبنانية (حسين بيضون)
(حسين بيضون)

ويشدّد عكرا على ضرورة تحويل المكتبة إلى مؤسسة عامة بقرار من مجلس الوزراء اللبناني، إذ يساهم الأمر في تفعيل التعاون مع المؤسسات الثقافية الخارجية الجاهزة لدعم المكتبة وتحويلها إلى مؤسسة منتجة. على سبيل المثال، يذكر عكرا أن المكتبة تضم مسرحاً وقاعات يمكن استخدامها من قبل المهتمين لإقامة العروض أو ورش العمل على شرط توفير مادة المازوت. 
وخلال حفل الافتتاح، دعا ميقاتي إلى ضرورة جعل الأرشيف الوطني اللبناني جزءاً من المكتبة الوطنية، وبمتناول المهتمين والعلميين، لافتاً إلى أن المكتبة الوطنية ستبقى واحة أمل تجمع اللبنانيين. 
ويشرح عكرا أن الأرشيف الوطني يضمّ جميع الوثائق الرسمية، والمراسلات، وأسرار الدولة، ومقرّرات الوزارات والإدارات الرسمية. ويساهم ضمّ الأرشيف إلى المكتبة في تحويلها إلى مساحة لحفظ التراث والنتاج الفكري الوطني والمحافظة عليه، وليس مكاناً لقراءة الكتب والبحث عنها فحسب.  

المكتبة الوطنية اللبنانية (حسين بيضون)
(حسين بيضون)

من جهته، يلفت وزير الثقافة محمد المرتضى في حديثه لـ "العربي الجديد" إلى أن افتتاح المكتبة الوطنية في ظل الانهيار الذي يعيشه لبنان مبادرة تهدف إلى تعزيز الوعي والتنوير في مواجهة الظلامية والانغلاق، ومحاولة للاعتماد على اقتصاد المعرفة والأبحاث الأكاديمية في مسيرة التطور، لافتاً إلى التعاون مع وزارة الطاقة اللبنانية من أجل تأمين التيار الكهربائي للمكتبة. 

قضايا وناس
التحديثات الحية

تضم المكتبة الوطنية خمسمائة ألف وثيقة أو محتوى، بين وثائق نادرة، مخطوطات، لوحات، كتب، دوريات منشورات حكومية، خرائط وتصاميم، مقطوعات موسيقية وملصقات، ووثائق إلكترونية. ويعود أقدم كتاب متوفر في المكتبة إلى القرن السادس عشر، فيما تعود أقدم مخطوطة إلى القرن الثاني عشر. 

المكتبة الوطنية اللبنانية (حسين بيضون)
(حسين بيضون)

في عام 1919، ونقلاً عن الموقع الإلكتروني الرسمي للمكتبة، أسّس الفيكونت فيليب دي طرّازي (1865-1956)، وهو من هواة جمع الكتب النادرة ومؤرّخ الصحافة العربيّة، دار الكتب في منزله. وشكّلت مجموعته الخاصة، التي تحتوي على حوالي عشرين ألف وثيقة مطبوعة وثلاثة آلاف مخطوطة بلغات عديدة، نواةَ الدار. ثم انتقلت المكتبة عام 1921، إلى بناية المدرسة البروسيوية المعروفة بمدرسة "الدياكونيس" في وسط بيروت. وبين عامي 1922 و1928، سافر فيليب دي طرّازي إلى دول أوروبية عدة ومن ثمّ إلى مصر بغية اقتناء أعمال جديدة وجمع الهبات. وعام 1937، انتقلت المكتبة الوطنيّة ومجموعتها المؤلّفة من 32 ألف كتاب إلى مقرّها الجديد الذي عمل على إنشائه المهندس مرديروس الطونيان في مبنى مجلس النواب في ساحة النجمة في بيروت. وأُقيم حفل الافتتاح في السابع من يونيو/ حزيران 1937 بحضور رئيس الجمهورية اللبنانيّة إميل إده. وعمل في المكتبة ثمانية أشخاص أُلحقوا بوزارة التربية الوطنيّة. وبقيت المكتبة في هذا المركز حتّى اندلاع الحرب الأهلية عام 1975. 

قضايا وناس
التحديثات الحية

وفي عام 1983، نقُلت الكتب والدوريات إلى مستودع في قصر "اليونيسكو" للمحافظة عليها. ثم في عام 2002، خُصص مقرّ مؤقت للمجموعات في حرم المنطقة الحرة في مرفأ بيروت. وعام 2003، أُطلق مشروع إعادة تأهيل المكتبة الوطنية. وعام 2005، أعلن أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني عن تقديم هبة بقيمة 25 مليون دولار لإعادة ترميم المكتبة التي جرى افتتاحها رسميا في الرابع من ديسمبر/ كانون الأول 2018. 

المساهمون