"منذ بدء العام الدراسي تحملت الكثير وبذلت جهداً استغرق مني الكثير من الوقت كي أنقل ابني إلى مدرسة قريبة من منزل عائلتي الذي انتقلت إلى العيش فيه في مدينة سلا قرب العاصمة المغربية الرباط، لكن إدارة المؤسسة التعليمية حيث يتابع ابني الدراسة، رفضت في شكل مطلق منحي شهادة المغادرة المتعلقة بطفلي بحجة أن الأب هو الولي القانوني على الأبناء، علماً أنني لم أكن سأواجه هذا الموقف لو كانت مدونة الأسرة عادلة بين الزوجين".
بهذه الكلمات تتحدث حليمة الموساوي (32 عاماً) لـ"العربي الجديد" عن معاناتها مع مئات من المغربيات اللواتي يواجهن واقع حصر القانون حق الولاية على الأبناء بالوالد، سواء أثناء الزواج، أو في حال الطلاق.
تقول الموساوي: "حصلت على الطلاق وحضانة ابني قبل أربع سنوات، ومنذ ذلك الحين بدأت رحلة العذاب مع أب لا أعلم عنوانه ومنقطع عن زيارة ابنه وتتبع شؤونه وأداء نفقته. أشعر كل يوم أن طليقي يعاقبني لأنني قررت تركه، وأنا أريد أن ينهي ابني كل مراحله التعليمية، ويصل إلى سن الرشد القانوني كي يزول هذا الهم".
وفي وقت لا تخفي الموساوي امتعاضها من العوائق القانونية التي حالت دون نقل ابنها إلى مدرسة جديدة، وما تبع ذلك من مشقات انعكست سلباً عليهما بسبب تواجد المدرسة في موقع بعيد عن بيت أهلها وانشغالاتها المهنية، تجدد الجدل خلال الأيام الأخيرة في المغرب في شأن الولاية القانونية للأب بعدما أقامت الممثلة جميلة الهوني دعوى ضد طليقها الممثل المغربي أمين الناجي من اجل إسقاط ولايته عن ابنهما.
وفي خضم الجدل طالبت جمعيات نسائية ومنظمات حقوقية بتغيير بنود في مدونة الأسرة يرون أنها لا تنصف المرأة بعد أن تحولت قضية الهوني إلى قضية رأي عام أماطت اللثام عن حجم ما يعتبره ناشطون حقاً مهدوراً تعاني منه المرأة المغربية بسبب موضوع الولاية، علماً أن الهوني رفعت شعار خوض "معركة كل الأمهات المغربيات"، لأن وقت التغيير حان".
وكانت الهوني قدمت في ديسمبر/ كانون الأول الماضي دعوى قضائية ضد "إصرار طليقها على حرمان ابنهما من الدراسة في مؤسسة تعليمية تابعة لبعثة أجنبية، والحصول على جواز سفر لمرافقة أصدقائه في رحلة تهدف إلى التعرف على نادٍ كروي في إسبانيا، وخوض مباراة ودية في برشلونة".
لكن قضاة المحكمة الابتدائية في الرباط، أحالوا في قرار أصدروه في 16 يناير/ كانون الثاني الماضي ملف دعوى إسقاط الولاية على المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء بحجة عدم الاختصاص.
وفي انتظار استكمال المعركة التي تقودها الهوني بدعم من منظمات تدافع عن حقوق النساء لإسقاط الولاية عن طليقها، تقول رئيسة جمعية "التحدي للمساواة والمواطنة" بشرى عبده لـ"العربي الجديد": "لا يمكن أن ينكر أحد معاناة النساء في المغرب مع موضوع الولاية الشرعية للأبناء سواء خلال فترة الزواج أو بعد فك العلاقة الزوجية، إذ لا يمكن أن تحصل أم على شهادة مغادرة لابنها من مؤسسة تعليمية إلى أخرى من دون موافقة الأب رغم أنها تتحمل مسؤولية رعايته وحدها".
وتلفت إلى "وجود حالات أخرى تظهر مقدار تعرض الأمهات لإجحاف، بينها تتكفل الأم بتوفير مصاريف علاج ابنها لدى وقوع حادثة، من دون أن تمنح حق الاستفادة من تعويض شركة التأمين إلا في حضور الأب".
وبالنسبة إلى المحامي في هيئة الرباط، محمد شماعو، يبقى موضوع الولاية بين الأكثر تعقيداً الذي يجب إعادة النظر فيه لدى تعديل مدونة الأسرة، ويقول لـ"العربي الجديد": "نجد في حالات عدة نتولى متابعتها معاناة المطلقات الأمرين في الاستجابة لمتطلبات أبنائهن، خاصة في الإجراءات الإدارية وتلك المرتبطة أساساً بنمو الأطفال ورعايتهم وحضانتهم".
يتابع: "يمنح القانون المغربي الأم الحضانة ويجردها من الولاية الشرعية التي تمنح للأب بحكم الشرع ما لم يُجرّد منها بحكم قضائي. أما في ما يتعلق بالإجراءات المستعجلة في حال غياب الولي الشرعي، فيتم اللجوء إلى القضاء الذي يستقبل غالباً مئات من الدعاوى المستعجلة مثل إصدار جواز سفر أو الانتقال المدرسي وغيرها".
وقانونياً تنص المادة 236 من مدونة الأسرة المغربية (الأحوال الشخصية) على أن "الأب هو الولي على أولاده بحكم الشرع، ما لم يجرد من ولايته بحكم قضائي، وتوفر الأم المصالح المستعجلة لأولادها في حال حصول مانع لدى الأب". أما المادة 238 فتنص على أن "ولاية الأم على أولادها تخضع لشرط أن تكون راشدة، وعدم وجود الأب بسبب الوفاة أو الغياب أو فقدان الأهلية، أو غير ذلك". ويسمح للأم بتعيين وصي على الولد. وبمجرد وفاة الأم تعرض الوصية على القاضي للتحقق منها وتثبيتها. وفي حال وجود وصي تقتصر مهمته على تتبع تسيير الأم شؤون الموصى عليه، ورفع الأمر إلى القضاء عند الحاجة".
وبحسب رئيسة جمعية" التحدي للمساواة والمواطنة" بشرى يتعين الاعتراف الكامل في شكل منصف وعادل بولاية الأمهات والآباء معاً على أبنائهم، ما يضمن مصلحة الطفل، وتشدد على ضرورة تسهيل الإجراءات الإدارية للسماح للأم بتدبير شؤون ابنها القاصر.
ويرى المحامي شماعو أن "حصر الولاية الشرعية بالأب يضرّ بالمصلحة الفضلى للطفل، ويلفت إلى أن المواثيق الدولية على رأسها اتفاق حقوق الطفل، تلزم الدول الموقعة عليها بتحقيق المصلحة الفضلى للطفل، ما يفرض تطبيق القضاء المغربي نهجاً منفتحاً، ورفع العراقيل عن الأمهات".
وكان الخطاب الملكي في مناسبة عيد العرش في 30 يوليو/ تموز الماضي فتح النقاش مجدداً في شأن تعديل مدونة الأسرة بعد مرور 18 عاماً على بدء تطبيقها، وأظهر خلافا بين المحافظين الذين يدافعون عن ضرورة ارتباطها بالشريعة الإسلامية، ومؤيدي تحديثها الذين يشددون على ضرورة استجابتها للاتفاقات الدولية التي وقعها المغرب.