المغرب: مجلس النواب يقرّ تعديل "شراء أيام السجن" المثير للجدل

04 أكتوبر 2023
أشخاص يقفون أمام سجن طنجة (عبد الحق سينا/ فرانس برس)
+ الخط -

نجحت لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان المغربي)، اليوم الأربعاء، في تمرير تعديل مثير يخص إضافة الغرامة المالية أو ما يُعرف إعلامياً في المغرب بـ"شراء أيام السجن" إلى صنف العقوبات المنصوص عليها في مشروع القانون المتعلق بالعقوبات البديلة.

وجاء تمرير التعديل المثير للجدل بعد أن حظي خلال جلسة التصويت اليوم الأربعاء بموافقة 18 نائباً من نواب الأغلبية البرلمانية الأعضاء في لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب مقابل معارضة ثمانية نواب.

وبدا لافتاً، خلال اجتماع لجنة العدل والتشريع، حجم الخلاف الذي أثاره التعديل الذي جاءت به فرق الأغلبية الحكومية في الربع ساعة الأخير من مناقشة ومصادقة اللجنة على مشروع قانون العقوبات البديلة، علما أن نسخة المشروع التي كان قد صادق عليها مجلس الحكومة في وقت سابق جاءت خالية من عقوبة "شراء أيام السجن" بدلاً من العقوبة الحبسية، بعد أن رفض المجلس تضمينها في العقوبات البديلة، قبل أن تنجح الأغلبية في إعادة إحيائها من خلال التقدم بتعديل أقرته لجنة العدل والتشريع في نهاية المطاف.

وقبل التصويت على التعديل القاضي بإضافة الغرامة المالية كبديل للعقوبات الحبسية، شنّت فرق المعارضة بمجلس النواب هجوماً حاداً على التعديل، معتبرة أنه "سيستفيد منه أصحاب المال، وسيشرعن شراء الحبس من طرف أصحاب المال مقابل بقاء أبناء الشعب في السجون".

وبينما نصّ تعديل الأغلبية على إضافة عقوبة "الغرامة اليومية" إلى العقوبات البديلة تماشياً مع توجهات السياسات الجنائية لبعض الدول التي تعتمد هذا الصنف من العقوبات في أنظمتها الجنائية وتعتبرها عقوبة أساسية ومحورية في قانونها الجنائي، لم يتوان وزير العدل المغربي عبد اللطيف وهبي عن الدفاع عن التعديل المثير للجدل، معتبراً أنّ "هذا الامتياز لا يمكن أن يستفيد منه المتهم أكثر من مرة، بالإضافة إلى أنه تم تقييده بإحضار التنازل في حالة الصلح".

ولفت وهبي، في تدخله، إلى أن الغرامة المنصوص عليها في مشروع القانون المتعلق بالعقوبات البديلة مقيدة وتم تحديدها مع مراعاة وضعية الجميع، مؤكداً ضرورة النظر إلى مدى إيجابية الك العقوبة بالنسبة للعدالة بالمغرب.

وحدّد مقترح التعديل مبلغ الغرامة اليومية بين 100 و2000 درهم (نحو 10 – 200 دولار) عن كل يوم من العقوبة الحبسية المحكوم بها، على أساس أن المحكمة تراعي في تحديد الغرامة اليومية الإمكانات المادية للمحكوم عليه وتحملاته المالية وخطورة الجريمة المرتكبة والضرر المترتب عليها، كما يمكن الحكم بعقوبة الغرامة اليومية على القاصرين في حالة موافقة وليهم أو من يمثلهم.

ومن شروط الحكم بالغرامة المالية، وفق التعديل الذي تقدمت به الأغلبية البرلمانية، أنه لا يمكن الحكم بها إلا بعد الإدلاء بما يفيد وجود صلح أو تنازل صادر عن الضحية أو ذويه أو قيام المحكوم عليه بتعويض أو إصلاح الأضرار الناتجة عن الجريمة.

وفي السياق، قال رئيس جمعية "الريف لحقوق الإنسان"، شكيب الخياري، إن "عبارة شراء أيام السجن غير سليمة من الناحية القانونية، لأن الشراء له مفهومه القانوني المنضبط لقواعد القانون المدني"، لافتاً إلى أن الأمر يتعلق بغرامة يومية عن أيام السجن المحكوم بها أو المتبقية، وهي معمول بها في العديد من التجارب الدولية.

وأوضح أن إقرار العقوبة المالية يمكن أن يشكل إحدى وسائل خفض نسبة الاكتظاظ في المؤسسات السجنية، وهو يخضع لضوابط ينص عليها القانون، ومن ذلك أن المبلغ يحدد وفق القدرة المالية للمحكوم عليه. كما أنها تتعلق بمدد محددة وتكون صغيرة.

وتابع، في تصريح لـ"العربي الجديد": "يجب التأكيد على أن سياسة العقوبات البديلة يجب أن يتم إعمالها في أسرع وقت لأن الوضع في المؤسسات السجنية يشكل بالفعل كارثة وفق الأرقام التي أوردها تقرير إدارة السجون، وما يجب التنبيه إليه في هذا الصدد، هو أن هذه العقوبات لن تطبق على جرائم كثيرة سيتم استثناؤها بنص القانون".

جدير ذكره أن مشروع قانون العقوبات البديلة يتضمن تدابير من قبيل العمل من أجل المنفعة العامة، والخضوع للمراقبة عبر السوار الإلكتروني، وتقييد بعض الحقوق. وتطبق هذه العقوبات في الجنح التي تقل مدة السجن فيها عن 5 سنوات.

وعلى الرغم من تحسن ظروف الإقامة والخدمات اللوجستية وبرامج التأهيل داخل السجون المغربية خلال السنوات الأخيرة، فإن الارتفاع القياسي في عدد السجناء يطرح تحديات على مسؤولي إدارة السجون في البلاد في ما يخص تطبيق سياسة إعادة الدمج والحفاظ على كرامة السجين. كما يثير الاكتظاظ أكثر من علامة استفهام حول الأسباب الكامنة وراءه.

وتُعوّل وزارة العدل على تطبيق مشروعها الخاص بالعقوبات البديلة على أرض الواقع، من أجل "تقليص أعداد السجناء وتوفير تكاليف معيشتهم داخل أسوار السجن عبر اعتماد العقوبات البديلة كحل لمشكلة الاكتظاظ داخل المؤسسات السجنية وحماية الجناة من سلبيات السجن من جهة، ومواكبة التطورات التي يشهدها العالم في مجال الحقوق والحريات العامة من جهة أخرى"، كما جاء في المذكرة التقديمية للمشروع.

وتقول الوزارة إن "ما يُشجّع على هذا التوجه هو المعطيات الإحصائية المسجلة بخصوص الساكنة السجنية، والتي تفيد بأن ما يقارب نصفها محكوم عليهم بأقل من سنة، وشكّلت هذه العقوبات عام 2020 ما نسبته 44.97 في المائة"، لافتة إلى أن "معظم التشريعات المعاصرة صبت جهودها على البحث عن سياسة جنائية أكثر ملاءمة للعصر وللأفكار والنظريات السائدة، التي تقوم أساساً على إيجاد بدائل للعقوبات السالبة للحرية".

المساهمون