المغرب: مبانٍ مهددة بالسقوط

12 نوفمبر 2020
تكررت حوادث الانهيار في الدار البيضاء (فاضل سنّا/ فرانس برس)
+ الخط -

"الحياة تحت التهديد الدائم" هكذا تعيش آلاف الأسر في مدينة الدار البيضاء المغربية، بسبب الخوف من انهيار آلاف المباني السكنية الآيلة للسقوط، مع اقتراب موسم الأمطار

يقول محمد الشاوي، أحد سكان المدينة القديمة في الدار البيضاء، غربي المغرب، لـ"العربي الجديد ": "نعيش الرعب كلّ يوم، بسبب احتمال انهيار المبنى على رؤوسنا، لا سيما بعد ظهور تشققات جديدة، لكن لا نقدر على المغادرة مخافة التشرد في ظلّ غياب أيّ بديل وبطء مشروع إعادة الإسكان". يلفت إلى أنه يخشى أن يكون وأسرته رقماً آخر في لائحة ضحايا انهيار المباني الآيلة للسقوط بسبب الأمطار الغزيرة.

تعتبر الدار البيضاء، وهي العاصمة الاقتصادية للمملكة، المدينة التي شهدت أكبر عدد من حوادث انهيار المباني، كان أخطرها انهيار ثلاث مبانٍ في يونيو/ حزيران 2014، ذهب ضحيته 17 شخصاً مع إصابة عشرات بجروح متفاوتة الخطورة وكسور. وفي الساعات الأولى من صباح 5 أغسطس/ آب الماضي، عاش سكان حي المسعودية في منطقة سباتة، في مدينة الدار البيضاء، لحظات عصيبة بعد انهيار مبنى مكون من أربع طبقات، واضطر كثيرون للمبيت خارج بيوتهم خشية وقوع تصدعات في المباني المجاورة من جراء الانهيار الذي أدى إلى مصرع شخص. كذلك، شهدت المدينة في 20 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، انهيار مبنيين من دون أن يخلف ذلك أيّ إصابات، وذلك بالتزامن مع اضطرابات جوية تسبب بها هبوب عواصف رملية ورياح قوية.
ومع عودة كابوس انهيار المباني الآيلة للسقوط ليهدد حياة الآلاف من السكان بمدينة الدار البيضاء، لا سيما مع اقتراب فصل الشتاء، رفعت فعاليات مدنية التحذير، داعية السلطات إلى التدخل لتفادي وقوع الكارثة، التي تهدد أكثر من ستة آلاف مبنى. وبحسب رئيس جمعية "رياض التنمية" بالمدينة القديمة للدار البيضاء، طارق بن ناجي، فإنّ تقاذف الجهات المختصة المسؤولية في ما بينها بخصوص حلّ ملف المباني الآيلة للسقوط، والتأخر الكبير لعملية ترحيل قاطنيها، يعمق معاناة المواطنين، وينذر بكوارث مستقبلاً. ويدعو بن ناجي السلطات بعمالة (محافظة) الدار البيضاء ــ آنفا، إلى الإسراع في وضع حد لمعاناة المواطنين، قبل أن تبدأ المباني في الانهيار مع بداية فصل الشتاء الذي يشكل كابوساً حقيقيا للسكان. ويوضح، في حديث إلى "العربي الجديد " أنّ "البرنامج الوطني للمباني الآيلة للسقوط تتأخر فيه قرعة ترحيل السكان، في وقت يعملون فيه على مطالبة القاطنين بالخروج والبحث عن مبانٍ مستأجرة، ما يجعلهم يسددون الإيجارات من دون أن يجري ترحيلهم (أي ترحيلهم رسمياً مع التعويض)" مؤكداً أنّ هذا الوضع جعل القاطنين يرفضون مغادرة مبانيهم في ظل غياب حلول واقعية.
من جهته، يكشف رئيس جمعية "أولاد المدينة" موسى سراج الدين، أنّ المواطنين المستفيدين من عملية إعادة الإسكان في إطار مشروع المحج الملكي، الذي تأسس منذ أكثر من ثلاثين سنة، تُركوا عرضة لمخاطر انهيار المباني التي تهدد حياتهم بسبب الأمطار والتسربات، في وقت يفترض فيه بذل جهود مضاعفة تفادياً لإزهاق الأرواح. يقول لـ"العربي الجديد" إنّ مشروع  المحج الملكي يشهد تباطؤاً واضحاً في عملية ترحيل قاطني المباني الآيلة للسقوط، وهو ما انعكس سلباً على حياة مئات الأسر. ويرى سراج الدين أنّ مسؤولية ما يعانيه المواطنون المستفيدون من عملية إعادة الإسكان من جراء تأخر ترحيلهم، يتحملها بصفة مشتركة برلمانيو المدينة والسلطات المحلية والسلطات المركزية والشركة الوطنية للتهيئة الجماعية (صوناداك).
في المقابل، يكشف مصدر مسؤول في عمالة الدار البيضاء ــ آنفا، أنّه بفضل تضافر جهود جميع المتدخلين، من سلطات محلية ومجالس منتخبة ومؤسسات عمومية، وفي إطار مقاربة تشاركية واجتماعية، تمكنت اللجنة الإقليمية المختصة، حتى اليوم، من تسليم 5646 شقة سكنية للمستفيدين من برنامج إعادة إسكان قاطني المباني الآيلة للسقوط، مشيراً إلى أنّ العدد الإجمالي للأسر المستهدفة في البرنامج يصل إلى 11 ألفاً و278 أسرة. ويوضح أنّه تم التوقيع على اتفاقية لمعالجة المباني الآيلة للسقوط بمدينة الدار البيضاء، خصص لها غلاف مالي يناهز ملياراً و759 مليون درهم (193 مليون دولار أميركي)، من أجل معالجة 6338 مبنى، منها 2180 ستُهدم كلياً، و956 ستُهدم جزئياً؛ فيما ستجري معالجة 2921 مبنى، وإعادة إيواء 9250 أسرة، علماً أنّه تمت إعادة إيواء 3995 أسرة بشكل نهائي.

ويشهد عدد من المدن المغربية، خصوصاً الأحياء القديمة منها، حوادث انهيار لمبانٍ قديمة، أدت في عدد منها إلى خسائر في الأرواح، فيما قدرت إحصاءات رسمية، قبل ثلاث سنوات، عدد المباني المهددة بالانهيار بأكثر من 43 ألف مبنى، على مستوى المغرب ككلّ، يقطن فيها نحو مليون مواطن، من بينها 23 ألف مبنى في الأحياء السكنية غير اللائقة. ولتشديد إجراءات المراقبة، وتحديد وضع المباني القديمة والآيلة للسقوط، كانت الحكومة المغربية قد أقرت قانوناً دخل حيز التنفيذ في نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي، عقب نشره في الجريدة الرسمية، ينصّ على أنّ المبنى الآيل للسقوط، هو كلّ مبنى أو منشأة لم تعد تتوفر فيها ضمانات المتانة الضرورية، بسبب ظهور اختلالات بأحد مكوناته الأساسية الداخلية أو الخارجية، أو بسبب تشييده على أرض غير آمنة من التعرض للمخاطر. وحمّل القانون مسؤولية صيانة المباني لمالكيها، سواء كانوا أشخاصاً ذاتيين (ملكية خاصة) أو عموميين (ملكية الدولة)، إذ تجري مساءلتهم عن الضرر الذي يتسبب فيه انهيار تلك المباني أو تهدمها الجزئي، في حال وقع ذلك جراء عيب في البناء أو عدم الصيانة أو التلاشي.

المساهمون