انضم المجلس الوطني لحقوق الإنسان (حكومي) إلى الجمعيات النسائية والمنظمات الحقوقية المطالبة بوضع حد لملف تزويج القاصرات، واعتماد السن القانونية للزواج في 18 سنة للذكر والأنثى دون أي استثناء، في الوقت الذي يتواصل فيه الجدل في الشارع المغربي حول هذه الظاهرة وآثارها الاجتماعية والاقتصادية.
وفي خطوة لافتة أوصى المجلس الوطني لحقوق الإنسان، في دراسة قام بإعدادها حول "المبررات القضائية المعتمدة في تزويج الطفلات"، وتم الكشف عنها أمس الإثنين، بإلغاء الاستثناء القانوني الذي يسمح بتزويج من هم دون سن الـ 18.
كما أوصى المجلس، الذي يتولى النظر في جميع القضايا المتعلقة بالدفاع عن حقوق الإنسان والحريات وحمايتها، وضمان ممارستها الكاملة، والنهوض بها، بتجریم القيام بهذا الاستثناء بشكل غير قانوني، وتجريم الوساطة فيه على اعتبار أنها إحدى صور المشاركة في هذه الجريمة.
من جهة أخرى، دعا المجلس إلى تثبيت إعمال الفصل 19 من مدونة الأسرة الذي يجعل سن الزواج محددا في 18 سنة، وإلى الرفع من سن إلزامية التعليم إلى 18 سنة، وضمان تفعيل الحق في التعليم لفائدة الطفلات والأطفال ومواكبتهم في ذلك.
ويسعى المجلس من التوصيات التي أصدرها إلى "تجويد الضبط القانوني لظاهرة تزويج الطفلات، ومقاربة الإطار القانوني الناظم لهذه الظاهرة على ضوء المعايير الدولية، والوقوف على الممارسات الفضلى، وعلى النقائص الموجودة في القانون أو في الواقع، وتحديد التقاطعات بين مدونة الأسرة والقوانين الأخرى ذات الصلة".
ولم تنجح مدونة الأسرة (قانون الأحوال الشخصية) منذ تعديلها في عام 2004، في محاصرة زواج القاصرات على الرغم من رفعها سن الزواج إلى 18 عاماً. فالأرقام تبين منذ ذلك الوقت أن الوضع مستمر، ولا نجاح تحقق في مواجهته.
وحسب معطيات كشف عنها رئيس النيابة العامة في المغرب، الحسن الداكي، فإنه في عام 2020 تلقت المحاكم نحو 20 ألف طلب لتزويج فتيات دون سن الثامنة عشرة، وصدر بشأنها 13 ألفاً و335 إذناً بالزواج، ما يجعل الأمر يتجاوز الاستثناء في القانون الذي يسمح بتزويج من لم تبلغ السن القانونية.
ويثير زواج القاصرات جدلاً واسعاً في المغرب على مدار سنوات، وزادت حدة النقاش خلال الفترة الماضية، بسبب الضغوط التي تمارسها فعاليات سياسية وحقوقية في معركتها من أجل تعديل مواد قانون الأسرة التي تمنح الاستثناء لتزويج القاصرات.
ولا ترى شرائح في المجتمع المغربي، والمجتمعات العربية عموماً، حرجاً في الزواج المبكر، وخصوصاً زواج الفتيات، كما تعتقد بعض المجتمعات أن تأخير الزواج يؤدي إلى أضرار كبيرة، اجتماعية واقتصادية، في حين يؤكد خبراء علم الاجتماع وعلماء النفس أن تزويج الفتيان والفتيات مبكراً يؤدي إلى تحميلهم أعباء أكبر من قدراتهم الجسمانية والعقلية، ويكون في كثير من الحالات السبب الرئيسي في فشل الزواج.
ويستند قضاء الأسرة في المغرب في منح الإذن بزواج القاصر إلى المادة 20 من قانون الأسرة، وهي المادة التي تتيح لقاضي الأسرة المكلف بالزواج أن يأذن بزواج الفتى أو الفتاة دون السن الأهلية المحددة، وذاك بقرار يعلل فيه المصلحة والأسباب المبررة لذلك، بعد الاستماع لأبوي القاصر، أو نائبه الشرعي، والاستعانة بطبيب يؤكد القدرة على الزواج، أو إجراء بحث اجتماعي.
وتنص المادة 21 من مدونة الأسرة على أن "زواج القاصر متوقف على موافقة نائبه الشرعي، وأن موافقة النائب الشرعي تتم بتوقيعه مع القاصر على طلب الإذن بالزواج، وحضوره إبرام العقد"، مضيفة أنه "إذا امتنع النائب الشرعي للقاصر عن الموافقة بات قاضي الأسرة المكلف بالزواج هو المسؤول عن الملف".
كذلك تنص المادة 22 من القانون ذاته على أن "يكتسب المتزوجان طبقاً للمادة 20 الأهلية المدنية في ممارسة حق التقاضي في كل ما يتعلق بآثار عقد الزواج من حقوق والتزامات، ويمكن للمحكمة بطلب من أحد الزوجين، أو نائبه الشرعي، أن تحدد التكاليف المالية للزوج المعني، وطريقة أدائها".
وتقول رئيسة جمعية "التحدي للمساواة والمواطنة "، بشرى عبده، لـ"العربي الجديد"، إن مطلب الإلغاء النهائي لزواج القاصر واشتراط أن تكون السن القانونية للزواج هو 18 سنة يسعى إلى حماية الحقوق الفضلى لهؤلاء الطفلات، معتبرة أن "الاحتفاظ بالمادتين 21 و22 من مدونة الأسرة من أجل معالجة بعض الحالات الإنسانية الخاصة، هو مجانب للصواب ".
ووفق عبده، فإن تزويج القصّر أمر مرفوض جملة وتفصيلاً، داعية الحكومة المغربية إلى "تحمل كامل مسؤوليتها في حماية الطفلات والأطفال كما تلزمها بذلك المادة 32 من الدستور المغربي، والمادة 54 من مدونة الأسرة نفسها".
وتأتي توصيات المجلس الوطني لحقوق الإنسان، بعد أيام قليلة عن كشف رئاسة النيابة العامة في المغرب عن تفاصيل خطة تهدف مناهضة تزويج القاصرات، الذي يثير قلق حقوقيون، خاصة بعدما تحول وفقهم "الاستثناء" إلى "قاعدة"، إثر منح محاكم الأسرة آلاف الموافقات لعقد تلك الزيجات.
وتقوم الخطة التي قدمتها رئاسة النيابة العامة، في 23 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، على أربعة محاور رئيسية تتمثل في تغيير العقليات والموروث الثقافي والسياسات العمومية والإجراءات القضائية والتشريع.
وتؤكد الخطة مراعاة التناسب بين القاصر والخاطب كشرط أساسي للإذن بالزواج، والتأكد من كون الزواج ليس سبباً في مغادرة القاصر للدراسة أو أنه يهدد متابعتها لدراستها. كما تشدد على اعتماد سن 17 سنة كحد أدنى لإمكانية الإذن بزواج القاصر مع اعتماد الخبرة الطبية والبحث الاجتماعي بواسطة المساعدة الاجتماعية.