أدّى استمرار وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة بالمغرب في وقف رواتب 109 أساتذة ينتمون إلى "التنسيقية الوطنية لأساتذة وأطر الدعم الذين فرض عليهم التعاقد"، للشهر الثاني على التوالي، إلى عودة الاحتقان في قطاع التعليم.
وأعلن المكتب الجهوي للتنسيقية في جهة الرباط سلا القنيطرة، أمس الثلاثاء، عن استمرار الوزارة في وقف رواتب هؤلاء الأساتذة من كوادر الأكاديميات، على الرغم من تسليمهم العلامات وعودتهم إلى ممارسة مهامهم التدريسية. ووصفت التنسيقية، في بيان لها، استمرار وقف رواتب الأساتذة للشهر الثاني بـ"الجريمة"، معلنة عن عزمها "سلك كلّ السبل والأشكال النضالية غير المسبوقة في حال لم تُصرَف أجور الأشهر الثلاثة الأخيرة لكلّ الأساتذة والأستاذات". وأكدت "استمرار معركة إسقاط مخطط التعاقد والدفاع عن المدرسة والوظيفة العموميّتَين بكلّ تحدّ وصمود".
وكانت التنسيقية قد قررت في بداية العام الدراسي الجاري (2022-2023) مقاطعة تسليم نقاط (علامات) المراقبة المستمرّة وأوراق الفروض للإدارة، وكذلك مقاطعة منظومة "مسار" (منصة إلكترونية للتدبير المدرسي) وكلّ ما يتعلق بها. وقد أثارت هذه القرارات جدالاً واسعاً في المغرب، إذ لم يتمكّن مئات التلاميذ من الحصول على نقاط الفصل الماضي من العام الدراسي الذي انتهى في 22 يناير/ كانون الثاني 2023، بسبب مقاطعة خمس تنسيقيات تعليمية (الزنزانة 10، خارج السلم، الأساتذة الذين فُرض عليهم التعاقد، ضحايا تجميد الترقيات، ضحايا النظامين) وعملية إدراج نقاط المراقبة المستمرّة عبر منظومة "مسار" وعدم تسليمها ورقياً للإدارة.
في المقابل، اتّخذت الوزارة قرارات في حقّ الأساتذة والأستاذات وكوادر الدعم بإيقافهم المؤقت مع حرمانهم من كلّ أجر، باستثناء التعويضات العائلية، بدعوى ارتكابهم "خطأً فادحاً شكّل إخلالاً واضحاً في التزام المهنية، وذلك من خلال امتناعهم عن مسك نقط المراقبة المستمرّة بمكوّن التدبير المدرسي مسار". كذلك اتّهمت الوزارة الأساتذة بـ"مصادرة النتائج الدراسية للتلميذات والتلاميذ بالامتناع عن تسليم فروض المراقبة المستمرّة للإدارة، ما ألحق ضرراً في حقّ المتعلمات والمتعلمين".
وفي مارس/ آذار الماضي، قرّرت الوزارة عبر الأكاديميات الجهوية، حفظ ملفات الأساتذة الموقوفين عن العمل مع السماح لهم بالعودة إلى الأقسام والالتزام بـ"احترام بنود النظام الأساسي الخاص بالأطر النظامية للأكاديمية، وبعدم الإخلال بالواجب المهني بأيّ شكل من الأشكال"، و"مسك نقط المراقبة المستمرة وتسليم نتائج الأسدس الأول" للتلاميذ، إلا أنّ عشرات من الأساتذة لم يتلقّوا رواتبهم حتى اليوم.
في هذا الإطار، قال عضو لجنة الإعلام للتنسيقية ربيع الكرعي لـ"العربي الجديد" إنّ استمرار الوزارة في وقف رواتب 109 أساتذة، يندرج في سياق "هجومها المستمرّ على مكتسبات الأساتذة والشغيلة التعليمية وعدم الاستجابة لمطالبها وحقوقها"، مشيراً إلى أنّه "بعدما استجابت التنسيقية لمجموعة من المتدخلين للتراجع عن مقاطعة تسليم النقط، لم تلتزم الوزارة بوعودها المتمثلة في سحب كلّ عمليات التوقيف في حقّ الأساتذة".
أضاف الكرعي أنّ "ثمّة معادلة غير مفهومة وغير منصفة. ففي الوقت الذي يُصار فيه الترويج من قبل الوزارة لإصلاح القطاع، يعيش رجال التعليم الذين هم العمود الفقري لأيّ إصلاح على وقع التعسّفات والزخف والهجوم على مكتسباتهم من خلال الاقتطاع من أجورهم ووقفها خلافاً لما عليه وضع فئات في قطاعات أخرى من قبيل الأطباء وأساتذة التعليم الجامعي التي حُلّت مشكلاتها".
وأشار الكرعي إلى أنّ "أستاذاً وزوجته في جهة بني ملال لا يتقاضيان راتبَيهما منذ أربعة أشهر"، وتساءل "كيف لأستاذ يؤدّي واجبه التدريسي لمدّة ثلاثة أشهر أو أكثر أن يعيش من دون أن يتلقّى راتبه الهزيل المقدّر بخمسة آلاف درهم (نحو 500 دولار أميركي) في ظلّ ما يعيشه البلد من موجة غلاء غير مسبوقة؟".
ونظام التعاقد برنامج أطلقته الحكومة المغربية في عام 2016 لتوظيف أساتذة في المدارس الحكومية بموجب عقود قابلة للتجديد، غير أنّه خلّف احتجاجات بين هؤلاء الذين وُظّفوا الذين طالبوا بتغييره ودمجهم في القطاع العام. وفي عام 2019، تخلّت وزارة التربية الوطنية عن النظام نهائياً، واستحدثت نظاماً أساسياً يصير هؤلاء الأساتذة بموجبه كوادر في الأكاديميات، ويشتمل على مقتضيات تضمن الاستقرار المهني من قبيل الحقّ في الترقية والتقاعد والاستفادة من الحركة الانتقالية الجهوية وغيرها. لكنّ الاحتجاجات استمرّت بسبب إصرار الأساتذة على دمجهم في الوظيفة العامة وعلى أن تكون مناصبهم المالية تابعة لوزارة التربية لا الأكاديميات.