المصريون يتضامنون مع غزة في غياب التحركات الشعبية

11 أكتوبر 2023
ما تخلّفه الحرب الإسرائيلية على غزة يستنفر المصريين (محمد عابد/ فرانس برس)
+ الخط -

 

يُسجَّل في مصر تعاطف ومناصرة كبيران للفلسطينيين الذين يتعرّضون لواحدة من أشرس الحروب الإسرائيلية على قطاع غزة، وسط "طوفان الأقصى". لكنّ الأمر يبقى محصوراً بمواقف أفراد، في غياب التحرّكات الشعبية على الأرض.

كما هي الحال مع كلّ عدوان تشنّه قوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، راح مصريون كثر يعبّرون اليوم عن تضمانهم مع الشعب الفلسطيني المستهدف في هذه الحرب الأخيرة. ويمكن رصد ذلك من خلال الأحاديث في الشارع ووسائل المواصلات وعلى مواقع التواصل الاجتماعي. وبينما يطالب هؤلاء الحكومات العربية بدعم فلسطين في وجه الاحتلال، يبقى كلّ ذلك مجرّد تضامن فردي في غياب أيّ تحرّك أو موقف معلن لجهات تُعَدّ ناشطة في مجال الشأن العام، سياسية كانت أو غير ذلك.

يقول المحامي أحمد زغبي لـ"العربي الجديد" إنّه "عندما تندلع الأزمات والاشتباكات في غزة، يعبّر المصريون عن تعاطفهم معها، بمختلف اتّجاهاتهم وأيديولوجياتهم. كذلك يعبّرون عن غضبهم واستيائهم إزاء الوضع، الأمر الذي يبدو واضحاً في خلال العدوان الأخير". يضيف زغبي أنّ "المصريين كانوا يعمدون، في أوقات سابقة، إلى تنظيم فعاليات وتجمّعات للتعبير عن  تضامنهم مع أهلنا فى فلسطين وغزة وللمطالبة بوقف العدوان وطرد السفير الإسرائيلي. وكان ذلك يأتي من خلال تظاهرات في الشوارع والميادين الرئيسية، بمشاركة ناشطين ومنظمات حقوقية، وبطريقة تؤكد حيوية الشارع المصري وحضوره بمختلف مكوّناته". ويتابع: "لكنّ أحداً لم يفعل ذلك في خلال العدوان الحالي".

من جهته، يرى محمود عبد العال، وهو موظف في هيئة سكك حديد مصر، أنّ "عدم تنظيم أيّ تظاهرة داعمة للفلسطينيين يعود إلى قانون التظاهر الذي يفرض على من يرغب في تنظيم تظاهرات الحصول على تصريح أولاً، وهو ما ترفض السلطات المختصة إصداره بصورة قاطعة". يضيف عبد العال لـ"العربي الجديد" أنّ "الناس لن يتظاهروا من تلقاء أنفسهم، فلا بدّ من قيادة من قبل ناشطين أو سياسيين أو أصحاب رأي أو قيادات جماهيرية".

ورصد "العربي الجديد" دعوات عدّة، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، للتعبير عن دعم الشعب المصري للفلسطينيين، من خلال حملات جمع تبرّعات لدعم الجهود الإنسانية في غزة. ويبدي المواطنون المصريون، في خلالها، استعدادهم للتطوّع والمساهمة في تقديم المساعدات الضرورية للمتضرّرين في غزة، مثل الغذاء والمياه والدواء. لكنّ ذلك بقي في إطار إطلاق دعوات ومطالبات ليس إلا.
وقد دعا ناشطون على مواقع التواصل، في الإطار نفسه، إلى حملات لمقاطعة البضائع الأميركية والشركات التي تدعم إسرائيل، وتشجيع المصريين على اختيار بدائل محلية أو من إنتاج دول أخرى.

في سياق متصل، يقول الأمين العام لأحد الأحزاب على الساحة المصرية، مفضّلاً عدم الكشف عن هويته، لـ"العربي الجديد"، إنّ "تواري دور منظمات المجتمع المدني والناشطين المصريين عن أيّ دعم علني للقضية الفلسطينية هو أمر يرتبط بعوامل متعدّدة ومحدّدة". يضيف أنّ "السياسيين والناشطين ومنظمات المجتمع المدني يواجهون ضغوطاً سياسية وقانونية وأمنية تؤدّي إلى تقليل ظهورهم العلني في دعم القضية الفلسطينية"، شارحاً أنّهم "يعانون من تقييد لحرية التعبير وتنظيم التظاهرات أو التجمّعات، بالإضافة إلى قيود على تمويل المنظمات غير الحكومية التي تعمل في هذا المجال".

ويتابع المسؤول الحزبي: "وإذا نظّم ناشطون تظاهرات وخرج فيها المواطنون من دون أيّ منع أمني، نظراً إلى حساسية التوقيت واشتعال الأوضاع في غزة، فإنّ ثمّة مخاوف" من تعرّضهم لردود فعل. ويلفت المسؤول الحزبي نفسه إلى أنّ "الأحداث في غزة لطالما كان لها تأثير كبير على الشارع المصري ومشاعر الناس، فيكون الشعور بالغضب كما الشعور بالتضامن مع الفلسطينيين حاضرَين عادةً في مصر، لذلك تتعامل السلطة بحذر مع أيّ تحرّك في الشارع له علاقة بالقضية، إذ من الممكن أن يجمع ملايين المتظاهرين في غضون دقائق ومن كلّ أنحاء البلاد". ويكمل أنّ هذه التظاهرات "قد تغري المتظاهرين للتحرّك من أجل قضايا أخرى، وحينها قد تفقد الدولة قبضتها الحديدية على الشارع".

تجدر الإشارة إلى أنّ السلطات المصرية كانت قد أوقفت، لأجل غير مسمّى، العمل في معبر رفح البري الرابط بين مصر وقطاع غزة، عقب استهداف الغارات الإسرائيلية الجزء الفلسطيني من المعبر، وطلبت من المسافرين الفلسطينيين المُسجّلين في قوائم السفر العودة إلى غزة.

وبينما أفادت تقارير صحافية بأنّ سلطات الاحتلال أبلغت السلطات المصرية بأنّها سوف تقصف قوافل المساعدات في حال قرّرت القاهرة إدخالها عبر معبر رفح، أفاد موقع "القاهرة 24" بأنّ مصر تتجاهل التحذيرات وثمّة توجيه رسمي بقافلة مساعدات إنسانية لدعم الفلسطينيين المحاصرين.

من جهته، أعلن التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي عن استعداده لإرسال قافلة شاملة محمّلة بكميات ضخمة من المساعدات الإنسانية والمواد الغذائية والعلاجية، بمرافقة أطباء، دعماً للفلسطينيين وسط أعمال العنف الإسرائيلي التي يتعرّضون لها في قطاع غزة. أمّا مؤسسة حياة كريمة فدعت إلى جمع تبرّعات لمصلحة الشعب الفلسطيني، من أجل تقديم كلّ الدعم الممكن في هذه الظروف العصبية.

المساهمون