يومياً، يجلس أبو أحمد، وهو مقيم يمني يبلغ الستين من العمر، أمام شارة المرور المقابلة لكلية الشريعة والدراسات الإسلامية في جامعة الكويت، وسط العاصمة، لبيع المناديل الورقية وألعاب الأطفال، بدءاً من الصباح وحتى الظهيرة، وسط درجة حرارة تصل إلى 55 درجة مئوية. ويخشى مداهمات الشرطة البلدية التي يحق لها معاقبته بتهمة البيع المتجول أو التسوّل.
يعد الباعة المتجولون جزءاً من الثقافة الشعبية الكويتية. وفي الآونة الأخيرة، لوحظ ازدياد أعدادهم. ويتحدّر غالبية كبار السن من الباعة المتجولين من اليمن، وقد جاؤوا إلى الكويت بعد حصولهم على إقامة بائع في محل. لكن في ظل قلة فرص العمل، يلجأ عدد منهم إلى العمل كباعة متجولين.
ويتعاطف الكثير من المواطنين مع هؤلاء الباعة ما يدفعهم إلى الشراء منهم وإن لم يكونوا في حاجة إلى السلع التي يبيعونها. في المقابل، يقول المشرف على مركز بلدية جليب الشيوخ (منطقة تابعة لمحافظة الفروانية في الكويت) سند المطيري، لـ "العربي الجديد"، إن بلدية العاصمة ترى أن هذا العمل هو غطاء للتسوّل. يضيف أنه "غطاء رقيق يخفي خلفه المجموعات التي تعتمد على التسول، والجميع يعلم أن لا أحد في بلد مثل الكويت يحتاج إلى منديل وهو داخل سيارته الفارهة، أو للعبة متواضعة الصنع، لكن المارة يشترون هذه المناديل والألعاب رغبة في مساعدة هؤلاء".
ويرى المطيري أن البلدية تقوم بواجبها القانوني في منع الباعة المتجولين من العمل وضبط المتسولين، وإن كانوا يتعاطفون معهم محاولين الموازنة بين تطبيق القانون والرأفة بحالهم. ويقول إن بعضهم فقراء بحق ولا يملكون قوت يومهم، خصوصاً الأطفال السوريين الذين قد يكون أهلهم قد فقدوا أملاكهم في سورية بسبب الحرب، أو غير ذلك. "لكن علينا ألا ننسى أن بعض هؤلاء تديرهم مجموعات هي أشبه بالعصابات".
في هذا الإطار، يقول عطية المشهداني، وهو شاب سوري يتحدر من مدينة دير الزور الواقعة شرقي سورية، لـ "العربي الجديد": "منذ أربع سنوات، أعمل بائعاً متجولاً لمساعدة والدي على دفع بدل إيجار المنزل، إذ إن شقيقي الذي كان يساعده في تدبير أموره توفي في تركيا نتيجة إصابته بمرض ما".
وكان لتفشي فيروس كورونا وفرض السلطات الصحية في البلاد الإغلاق الكلي وحظر التجول تأثير على الباعة المتجولين، الذين خسروا مصدر رزقهم، وتحديداً في منطقة جليب الشيوخ، إحدى أفقر المناطق في الكويت، حيث امتد حظر التجول أشهراً عدة.
ويقول أحمد حيّ، وهو يمني يعمل بائعاً متجولاً مع والده، إنه لم يعرف طوال حياته مهنة أخرى. جاء إلى الكويت في أواخر تسعينيات القرن الماضي حين كان ما زال طفلاً، وعمل كبائع متجول. ويقول إن الكثير من رجال الشرطة لا يتساهلون فحسب مع الباعة المتجولين، بل يعطونهم مالاً يفوق قيمة البضاعة التي يشترونها منهم، لافتاً إلى أن "المجتمع الكويتي يتعامل معنا بيسر ورفق، وأحياناً أبيع بضاعتي كلها خلال ساعة". من جهتهم، اختار أقارب محمد بيع التمور والمسابح وسجادات الصلاة أمام المساجد كل يوم جمعة بعد الصلاة، مستفيدين من عدد الناس الكبير.
وعلى الرغم من وجود قانون ينظم البيع المتجول في الكويت استناداً إلى مرسوم عام 1977، إلا أن هذا القانون لا يعد فاعلاً نظراً لصعوبة استخراج أوراق ثبوتية لكثير من أولئك الباعة، وفرض البلدية شروطاً مشددة على أماكن تواجدهم.
ويُغرّم البائع المتجول الذي يعمل من دون ترخيص مبلغاً يصل إلى 50 ديناراً كويتياً (نحو 150 دولارا)، إضافة إلى إبعاده عن البلاد بصفة نهائية بحسب المادة 20 من قانون إقامة الأجانب (مرسوم 17/59)، وهو ما يعرف بالإبعاد الإداري.
في هذا الإطار، يقول المحامي حمد الهاجري لـ "العربي الجديد": "أعتقد أن المشرعين في مجلس الأمة أهملوا هذا القانون ولم يحدثوه بهدف عدم التضييق على الكثير من الأسر الفقيرة التي تعيش في الكويت، والتي يخرج أبناؤها للبيع المتجول بغرض كسب الرزق". في الوقت نفسه، يشدد على ضرورة مراقبة وزارة الداخلية لما يتعرض له بعض الأطفال العرب في البلاد، لناحية إجبار رب الأسر أبناءه على ترك مدارسهم بهدف العمل كباعة متجولين وكسب رزق أكبر.
واكتشفت وزارة الداخلية الكويتية عدداً من الحالات التي أجبر فيها الآباء أبناءهم على العمل في الشوارع. ووقع هؤلاء على تعهدات تمنعهم من تكرار الأمر، علماً أنه يمكن للسلطات إبعادهم عن الكويت، إلا أن قراراً كهذا قد يؤدي إلى تفكك الأسر.