الكهرباء تحرم سكان اللاذقية من "المونة"

05 أكتوبر 2022
قلّت عادات تجهيز المونة في الأعوام الأخيرة (العربي الجديد)
+ الخط -

يعتمد السوريون خطة للتمون بالمواد الغذائية في فصل الصيف ضمن نظام متوارث منذ أجيال، ويستند أيضاً إلى الروابط الاجتماعية بين العائلات. ويحضر نظام التموّن أو "المونة" في كلّ المحافظات السورية، ويشمل كل أطياف السكان الذين يحاولون تخفيف الأعباء، وضمان الحصول على غذاء خلال فصل الشتاء. 

قضايا وناس
التحديثات الحية

وفي اللاذقية، يحرم السكان اليوم من تخزين أصناف مهمة من المؤن لأسباب عدة بينها الانقطاع المستمر للكهرباء، وارتفاع التكاليف وسط واقع معيشي صعب جداً يعيشونه على صعيد تراجع الدخل وندرة فرص العمل. 
تقول أم خالد (47 عاماً) لـ"العربي الجديد" إنها كانت تحرص سنوياً على إعداد "المونة" من منتجات زراعية متعددة ومتنوعة، مثل ربّ البندورة، ودبس الفليفلة الحمراء، والسوركي والمكدوس، وكذلك الباذنجان المحفور والفول والبازلاء والبامية، لكنها اليوم تتموّن بالمتاح بالحد الأدنى فقط. 

وتشير إلى أنها تخلت عن التمون بالبازلاء الخضراء والفول الأخضر، لان حفظها لم يعد ممكناً في ظل انقطاع الكهرباء، وتقول: "بعد تحضير حبات البازلاء وحبات الفول الخضراء نضعها في أكياس ونحفظها في الثلاجة. وبحلول الشتاء نستخدمها في تحضير الطعام، خاصة أن أسعار الخضر في فصل الشتاء ترتفع. وكنت أتموّن سابقاً بنحو 20 كيلوغراماً من البازلاء، ومثلها من الفول الأخضر، لكنني لم أفعل ذلك هذا العام بسبب عدم توفر إمكانات حفظها، علماً أنها معرّضة للتلف خارج الثلاجة".

الصورة
ينعكس عدم تحضير المونة سلباً على واقع السكان (العربي الجديد)
ينعكس عدم تحضير المونة سلباً على واقع السكان (العربي الجديد)

وتؤكد أم خالد أن معظم العائلات حتى تلك في ريف اللاذقية تخلّت في شكل كبير عن "المونة"، وباتت تكتفي بأنواع أساسية محددة مثل المكدوس الذي يعتبر أحد الأغذية اليومية، مع تقليل الكميات.
يقول الناشط يوسف الجبلاوي، لـ"العربي الجديد"، إن "الأهالي يعيشون في صراع لتوفير الطعام، في حين أن المونة هي ثقافة وإرث يوفر لهم أغذية مناسبة يصعب الحصول عليها في الشتاء. والمؤن تتنوع بحسب قدرة العائلات، وتستخدم في وجبات يومية ثابتة توفر للعائلة الغذاء بسعر مناسب، لكن الأمر يختلف حالياً". 
ويتابع: "من المؤن الأساسية المهمة الفاصولياء الخضراء، لكنها تحتاج على غرار البازلاء والفول إلى حفظها بدرجة التجمّد. وقد تخلى غالبية السكان عن هذه المؤن بسبب عدم إمكان تخزينها في ظل الحال السيئة للكهرباء. ومن المؤن أيضاً المكدوس والزيتون بنوعيه الأخضر والأسود، والبندورة المغلية وغيرها. ورغم أهمية هذه المؤن قللت العائلات كمياتها بقدر المستطاع بسبب ارتفاع التكاليف، ما ينعكس سلباً على واقع السكان الذين لن يستطيعوا تأمين وجبات مناسبة في فصلي الشتاء والربيع". 

الصورة
لن تتوفر وجبات مناسبة للسوريين في الشتاء والربيع بسبب التخلي عن المونة (العربي الجديد)
لن تتوفر وجبات مناسبة للسوريين في الشتاء والربيع بسبب التخلي عن المونة (العربي الجديد)

ويذكر أن "العام الحالي مختلف بالنسبة إلى أهالي الساحل الذين تخلى قسم كبير منهم عن المونة لأسباب عدة منها أزمة الكهرباء التي تزود بها مناطقهم بمعدل ساعة بعد كل خمس ساعات ونصف ساعة قطع، وصعوبة التخزين والأوضاع الاقتصادية الصعبة والغلاء. وقد ارتفعت كلفة المكدوس إلى 7 آلاف ليرة (1.5 دولار) للكيلوغرام الواحد، وهو أكثر ما يتم الاستغناء عنه إلى جانب مواد تحتاج إلى تبريد، أما الملوخية فيحافظ الأهالي عليها بسبب ظروف تخزينها السهلة". 
من جهتها، تتحدث سلوى العلي، وهي ربة منزل لـ"العربي الجديد" عن أن "لا بدائل عن المونة، خاصة البازلاء والفول، فهي وجبات أساسية في الشتاء، كما أن المكدوس من وجبات الفطور الرئيسة إلى جانب الزيتون والسوركي". تضيف: "ليست أهمية المونة فقط في تجهيز بعض أنواع الطعام للشتاء، لكنها طقس اجتماعي للعائلة والجيران. وبالنسبة لي أحضّر المكدوس والبندورة المجففة في المنزل، كما أذهب إلى القرية حيث أتشارك مع أخواتي في إعداد المونة. نجتمع معاً خلال موسم المكدوس والبندورة، ونجهّز المونة للجميع، لكن هذا الطقس شبه مندثر منذ سنوات، واقتصر هذا العام على تحضير بضع كيلوغرامات من المكدوس في سبتمبر/ أيلول الماضي".
وتعتبر أن الحرب في سورية وصلت إلى رغيف الخبز، وتقول: "لا كهرباء ولا ماء والدخل شبه معدوم. تعتمد عائلتي على الأموال التي يرسلها ابني من أوروبا. وقد تخلينا عن الكثير، وسنحرم حتى من وجبة الأرز بالبازلاء".

في المقابل، يعد التجفيف وسيلة جيدة، لكنه لا يقارن بالحفظ عبر التبريد، بحسب ما توضح فاطمة أم محمد لـ"العربي الجديد"، والتي تقول: "يمكن تجفيف أنواع من المؤن منها الباذنجان والبندورة والبامية، لكن التجفيف غير مرغوب بالنسبة إلى كثيرين لأن الخضر المجففة تفقد كثيرا من قيمتها الغذائية، وتحتاج إلى وقت طويل للطهي مقارنة بتلك المجمّدة". 
ويبدأ موسم "مونة" المكدوس في أيلول/ سبتمبر، أما باقي أنواع الخضر والبقوليات كالفول والبازلاء فيجري إعدادها في نهاية فصل الربيع، وتجمّد كي تستخدم في فصل الشتاء.

المساهمون