القلق البيئي... أزمات نفسية جديدة ترتبط بتغير المناخ

15 فبراير 2022
بعض من الدمار الذي خلفه إعصار كنتاكي عام 2021 (جيريمي هوغان/ Getty)
+ الخط -

تتصدّر قضايا المناخ أغلفة المجلّات العلمية والصحف اليومية في ظلّ التأثير الكبير لتغيّر المناخ على نواحٍ عديدة في الحياة. أصبح هذا الملف جزءاً من الأجندة السياسية والاجتماعية للعديد من قادة الدول، بل قد يكون للتغيّرات المناخية والبيانات اليومية المتعلقة بالحرائق والفيضانات وموجات الصقيع تأثير على العلاقات الإنسانية والصحة النفسية للأشخاص. 
قبل عشر سنوات، وجد متخصّصون في علم النفس أن مجموعة واسعة من الناس ستعاني من القلق والحزن من جراء تغير المناخ. وأظهر تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية أن متابعة الأخبار الخاصة بالمناخ من حرائق وفيضانات وغيرها من الكوارث الطبيعية قد تجعل الكثير من الناس يعانون من القلق، الأمر الذي يؤثر على صحتهم النفسية. وتحدثت معدة التقرير ألين باري، وهي متخصصة في شؤون المناخ، عن حالة ألين بلاك، وهي سيدة في منتصف العمر لديها عملها الخاص وتعتني بطفلين. وعدا عن التعب اليومي من جراء انشغالاتها الكثيرة، زادت متابعتها للأخبار الخاصة بتغير المناخ من تعبها وحزنها.
حالة ألين بلاك ليست استئناثية، وقد تكون ظاهرة في الكثير من المجتمعات. لجأت بلاك إلى المساعدة الطبية، إلا أن ذلك لا ينطبق على الكثير من النساء. على سبيل المثال، تعاني غريتا ثونبرج، وهي أم عاملة، من صعوبة في النوم بسبب الأخبار اليومية الخاصة بأخبار المناخ. وأثارت حرائق الغابات وموجات الحر على مدى عامين في بورتلاند (أكبر مدن ولاية أوريغون الأميركية) الخوف لديها، ووجدت نفسها مستيقظة في الليل تراقب أنظمة المياه، خوفاً من حصول كارثة. لم تقف حدود معاناتها هنا. وكان للقلق البيئي تأثير على خياراتها في الحياة. وطلبت في عيد ميلادها مولّداً كهربائياً خوفاً من أن ينقطع التيار الكهربائي بسبب تغير المناخ. تقول: "أشعر بالقلق من الألعاب البلاستيكية في حوض الاستحمام، والحفاضات التي تستخدم لمرة واحدة. وأخشى أن تتسبب بحرائق الغابات".

القلق المناخي أو البيئي
يعاني الكثير من الناس من "القلق المناخي"، وهو مصطلح جديد بدأ ينتشر مؤخراً، ودفع عالم النفس توماس جيه دوهرتي المتخصص في المناخ، إلى إثارة هذا الأمر. قبل عقدين من الزمن، نشر دوهرتي وزميلته سوزان كلايتون، أستاذة علم النفس في كلية ووستر في الولايات المتحدة، ورقة تقترح فكرة جديدة، وتفيد بأن تغير المناخ سيكون له تأثير نفسي قوي ليس فقط على الأشخاص الذين يتحملون العبء الأكبر منه، ولكن على الأشخاص الذين يتابعونه من خلال الأخبار والبحث. وبات القلق البيئي جزءاً من المصطلحات السائدة في علم النفس.
وعاين دوهرتي العديد من المرضى الذين يعانون من القلق المناخي. يقول دوهرتي إن الحالات التي عرضت عليه ساعدته كثيراً في بلورة الفكرة. يضيف: "جاءت طالبة تبلغ من العمر 18 عاماً تعاني من نوبات هلع شديدة أحياناً لدرجة أنها لا تستطيع النهوض من الفراش بسبب التغيرات المناخية. كما شعر رجل (69 عاماً) يعمل في مجال المناخ بالحزن على أحفاده بسبب التغيرات المناخية وخوفه على مستقبلهم. فيما عانى رجل خمسيني من الإحباط بسبب الخيارات الاستهلاكية لأصدقائه".

ولا يعد القلق البيئي مرضاً، لكن القلق المتزايد بشأن حالة الطوارئ المناخية التي يمر بها المجتمع يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات نفسية. وتصف جمعية علم النفس الأميركية القلق البيئي بأنه "الخوف المزمن من الكارثة البيئية التي تأتي من ملاحظة التأثير الذي لا رجعة فيه لتغير المناخ، والقلق المرتبط بمستقبل الفرد ومستقبل الأجيال المقبلة".  

شهدت بورتلاند ارتفاعاً كبيراً في درجات الحرارة في صيف 2021 (ناثون هوراد/ Getty)
من تداعيات تغير المناخ في بنغلاديش (موشفيكول آلام/ Getty)

ويعد القلق البيئي أو المناخي مفهوماً جديداً، لكنه يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمفهوم آخر وهو Solastalgia، والذي أدرجته المجلة الطبية الأميركية "ذا لانسيت" عام 2015 كمصطلح يتعلق بتأثير تغير المناخ على رفاهية الإنسان. صاغ الفيلسوف الأسترالي غلين ألبرشت هذا المصطلح من خلال تحديد مجموعة من الاضطرابات النفسية التي تحدث لدى السكان الأصليين بعد التغيرات المناخية المدمرة في أراضيهم نتيجة للأنشطة البشرية أو المناخ.

زيادة القلق
وجدت دراسة استقصائية شملت 10 دول استطلعت آراء عشرة آلاف شخص تتراوح أعمارهم ما بين 16 و25 عاماً ونشرت الشهر الماضي في مجلة "ذا لانسيت" الطبية ارتفاعاً في معدلات التشاؤم بسبب البيئة. وبحسب الدراسة، فإن 45 في المائة من المستطلعة آراؤهم وجدوا أن القلق بشأن المناخ يؤثر سلباً على حياتهم اليومية، وقد أعرب ثلاثة أرباعهم عن خوفهم من المستقبل، فيما اعتبر 56 في المائة أن البشر محكوم عليهم بالفناء بسبب التغيرات المناخية.
وتظهر هذه الدراسة وغيرها من الدراسات أن ثقة الشباب تآكلت بسبب أزمات عالمية، منها الحروب النووية. لذلك، فإن تغير المناخ يعد مشكلة كبيرة بالنسبة إليهم، إذ يمكن وصفه بأنه تهديد وجودي.

وتقول كيتلين إكلوند (37 عاماً)، وهي معالجة نفسية في بورتلاند أنهت دراستها العليا عام 2016، إن الكثير من الحالات التي باتت تستقبلها تشكو إليها من اليأس والحزن من جراء تغير المناخ. وبحسب إكلوند، فإن تغير المناخ بات مخيفاً جداً ويؤثر جداً في حياة الناس.

علاجات
ما زالت الدراسات المتعلقة بالعلاجات الفعالة قليلة. إلا أن تحالف علم نفس المناخ يتيح دليلاً على الإنترنت للمعالجين المهتمين بقضايا تغير المناخ. وحاولت شبكة "Good Grief Network"، المعنية بمساعدة الأشخاص من التخلص من الأمراض المتعلقة بتأثيرات المناخ، على غرار برامج الإدمان، دعم نحو 50 مجموعة، كما بات هناك شهادات علمية ترتبط بعلم النفس والمناخ. 
ويؤكد العديد من الخبراء في مجال الصحة النفسية والعقلية أن القلق بشأن تغير المناخ لا يختلف عن القلق الناجم عن التهديدات المجتمعية الأخرى، مثل الإرهاب. إلا أن أساليب العلاج قد تكون مختلفة. ويتناول بودكاست متخصص بشؤون المناخ بعنوان "تغير المناخ والسعادة"، مفاهيم مختلفة للعلاجات تختلف عن علاجات من قبيل العلاج السلوكي المعرفي، وترتكز على العلاج النفسي الوجودي، والذي يعتمد على نموذج الطبيعة البشرية والخبرة التي طورتها التقاليد الوجودية للفلسفة الأوروبية، ويركز على المفاهيم التي تنطبق عالمياً على الوجود الإنساني بما في ذلك الموت والحرية والمسؤولية ومعنى الحياة، والعلاج البيئي الذي يكشف علاقة المريض بالعالم الطبيعي.

شهدت بورتلاند ارتفاعاً كبيراً في درجات الحرارة في صيف 2021 (ناثون هوراد/ Getty)
شهدت بورتلاند ارتفاعاً كبيراً في درجات الحرارة في صيف 2021 (ناثون هوراد/ Getty)

حالات مرضية
أصيبت كارولين ويس من مدينة نيويورك، بنوبات ذعر على مدى أيام بسبب التقارير المتعلقة بتغير المناخ والتي تعارضت مع واجباتها المدرسية. وحاول دوهرتي مساعدتها وتهدئتها من خلال تعليمها كيفية إدارة ما تقرأه بعناية، وهو ما تقول إنها تحتاجه طوال حياتها لدعم نفسها في التعامل مع قضايا المناخ.
من جهته، أراد أستاذ الجيولوجيا المتقاعد فرانك جرانشو (69 عاماً) المساعدة في التمسك بما يسميه "الأمل الواقعي"، هو الذي يخشى على أحفاده من التأثيرات الناتجة عن تغير المناخ. ويرى أن المعالج النفسي البيئي قد يساعده في تجاوز أزمته. 

أما بالنسبة إلى ألين بلاك، التي بدأت جلساتها مع دوهرتي، فكان الوضع مختلفاً بعض الشيء. حاول الأخير طمأنتها ومساعدتها في تقبل الواقع والبحث عن الجوانب المشرقة. تعيش بلاك في مدينة بورتلاند المحاصرة بنظام الضغط العالي المعروف باسم "القبة الحرارية"، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف. وفي إحدى جلسات العلاج، انتابها خوف من ارتفاع درجات الحرارة وتأثير ذلك على أطفالها. استمع إليها طبيبها بهدوء، ثم أخبرها أن وتيرة تغير المناخ ليست سريعة كما تتصورها. أضاف: "في المستقبل، وحتى إذا حلت أسوأ السيناريوهات، ستكون هناك أيام جيدة. ستشهد مناطق كوارث طبيعية. لكن ستكون هناك أيام جيدة في مختلف أنحاء العالم، وسيحظى الأطفال بمستقبل جيد".

ويعتمد دوهرتي في جزء كبير من عمله على مساعدة الناس على إدارة شعورهم بالذنب حيال الاستهلاك. كما يستخدم عناصر من العلاج السلوكي المعرفي، مثل تدريب العملاء على إدارة تلقي أخبارهم والنظر بشكل نقدي.  
ونجح دوهرتي في تخفيف توتر بلاك. ففي عطلات نهاية الأسبوع، تمشي بلاك في الغابة مع عائلتها من دون السماح لعقلها بالتفكير بالمستقبل البيئي. ووصفت محادثاتها مع دوهرتي بأنها سمحت لها بتخفيف أعباء التفكير بالمستقبل والبحث عن حلول. وفي بعض الأحيان، وعلى الرغم من أنها غير متأكدة من أن الراحة هي ما تريده، تبدو متابعة الأخبار المتعلقة بالمناخ وكأنها التزام وعبء من المفترض أن تتحمله، على الأقل حتى تثق في أن المسؤولين المنتخبين يتخذون إجراءات.