- السلطات الأفغانية واجهت صعوبات في الاستعداد والتنسيق للإنقاذ، مما دفع المسؤولين المحليين والزعماء القبليين للمشاركة بشكل مباشر في جهود الإغاثة.
- الحكومة الأفغانية أعلنت حالة الطوارئ وحشدت الموارد للإنقاذ والبحث عن المفقودين، مع التأكيد على الحاجة لتحسين الاستعداد والتنسيق لمواجهة الكوارث المستقبلية.
خلفت فيضانات جارفة ضربت مناطق واسعة في شمال أفغانستان، مقتل أكثر من 315 وعشرات المفقودين، كما تجاوز عدد المصابين 1600، ودمرت مئات المنازل، وكانت ولاية بغلان من أكبر المناطق المتضررة من جراء الفيضانات، إضافة إلى مديريات فرخان واشكمش ونمك آب في ولاية تخار، كما خلفت الفيضانات خسائر مادية في ولايتي سمنغان وهرات.
وتشير المعطيات إلى أن السلطات لم يكن لديها أي نوع من الاستعداد لمواجهة الكارثة، لكن مسؤولي الحكومات المحلية في الولايات المتضررة باتوا يشاركون بأنفسهم في أعمال الإنقاذ والإغاثة في ظل النقص الكبير في وسائل الإنقاذ، وعدم وجود أي تنسيق بين الجهات المختلفة التي تساهم في أعمال الإنقاذ والإغاثة.
يقول الزعيم القبلي في منطقة لقيام بولاية بغلان (شمال)، سيدملا معلم لـ"العربي الجديد": "تعرضنا لكارثة إنسانية، وكنا نظن أن القيامة قد قامت، وقد رأيت أطفالاً ونساء بين أمواج الفيضانات، ورأيت امرأة تبحث عن أولادها الذين كانوا داخل منزل جرفته الفيضانات. لم نكن نتوقع أن يحل بنا مثل هذه الكارثة، وكنا نرى بأعيننا الطرف الثاني من القرية يغرق ولا نملك فعل شيء، وقد غرقت عشرات المنازل بمن فيها".
يضيف: "بدأت حكومة طالبان تتخذ خطوات، لكنها لم تكن مستعدة، ولا تملك المعدات الكافية أو المناسبة، وحاولت مروحيات تابعة لوزارة الدفاع خلال الليل أن تنقذ الناس، لكن سوء الأحوال الجوية حال دون ذلك، وفي الصباح تحسن الطقس قليلاً، وجاءت المروحيات من جديد، وبدأت تساعد الناس، لكن تلك الجهود أيضاً كانت غير كافية بالنظر إلى حجم الكارثة، وكان المفروض أن يكون لدى الحكومة استعداد مسبق، خاصة أنه خلال السنوات الماضية مررنا بكوارث متكررة، ويفترض أن نتعلم من تلك الكوارث ونطور أوضاعنا".
ويقول الزعيم القبلي سيدملا معلم إن "أعداد الضحايا المعلنة كانت أولية، والعدد حالياً أكثر من 400 وفاة، وهناك مئات المفقودين، والجميع مشغولون بويلاتهم، وأتصور أن أكثر من 1500 منزل في مديرية بغلان وحدها قد دمرت بالكامل، ومناطق واسعة من مديرية بوركه بولاية بغلان غمرتها مياه الفيضانات، ومن بينها قرية شيخ جلال، وحي كازو، وقرية لقيام، وقرية كودانوا، وقرية سلام خيل والمناطق المجاورة لها، وغيرها".
فقد محمد كاظم عدداً من أفراد أسرته، وقد حضر إلى المستشفى المركزي ليتسلم جثامين بعضهم، ويقول لـ"العربي الجديد": "لقد عشنا أجواء يوم القيامة، وعشرات من منازل الأقارب غرقت، وتوفي أخي وزوجته وثلاثة من أبنائه في قرية سلام خيل، وهي مسقط رأس عائلتي. أعيش في مدينة بولخمري، مركز ولاية بغلان، وتلقيت اتصالاً لإبلاغي بوفاة أخي نتيجة الفيضانات، وحاولت الوصول سريعاً إلى المنطقة، لكن المياه كانت في كل مكان، وحين وصلت إلى القرية، أبلغت أن جثمان أخي وزوجته وأبنائه تم نقلها إلى المستشفى المركزي في بولخمري، فرجعت لتسلّم الجثامين".
يضيف كاظم: "عشرات من أقاربي قضوا في الفيضانات، وهناك كثيرون تحت الركام والوحل والمياه، وفي المستشفى المركزي وحده تجاوز عدد الجثامين 200 جثمان، وهناك أناس أخذوا إلى مستشفيات أخرى، وآخرون لم يتم نقلهم أصلاً إلى المستشفيات، والمئات لا يزال في عداد المفقودين، ما يؤكد أن الكارثة أكبر من المعلن".
وأعلنت الحكومة الأفغانية حال الطوارئ، وقررت نقل جميع الإمكانات المتاحة إلى المنطقة للمساهمة في جهود إنقاذ الناس، والبحث عن المفقودين، ويشارك أفراد من قوات وزارتي الدفاع والداخلية في الإنقاذ، وتداول كثيرون صوراً لمسؤول الأمن في إقليم بغلان، ملا جان محمد حمزة، وغيره من كبار المسؤولين المحليين بينما كانوا يشاركون بأنفسهم في أعمال الإنقاذ والإغاثة.
لكنّ كثيرين يرون أن الأوضاع تستلزم وضع خطة مناسبة، والعمل على الاستعداد لوقوع الكوارث في المستقبل. يقول الناشط في ولاية بغلان، محمد شفيق، لـ"العربي الجديد": "السعي الحثيث من حكومة طالبان مرحب به، فلديهم الإخلاص، ولا يوجد فساد، لكن المشكلة تكمن في عدم وجود تخطيط مسبق لمواجهة الكوارث، وعدم وجود تنسيق بين الحكومة والجهات الأخرى التي تساهم في أعمال الإنقاذ والإغاثة، خاصة القبائل والمؤسسات الخيرية المحلية، وهذ يؤدي إلى خسائر أكبر، فهناك مناطق بعيدة وصل إليها المنقذون، ومناطق قريبة لم يصل إليها أحد، والقبائل تشتغل بنفسها، وكنا قد قدمنا للحكومة توصية بتشكيل لجان قبلية للعمل على تطوير الخدمات العامة وتحسينها، ولو قبلت توصيتنا لكان هناك تنسيق مع القبائل والمؤسسات الخيرية".
يضيف شفيق: "تحدث الكوارث الطبيعية سنوياً في أفغانستان، فلماذا لا تعمل الحكومة على إيجاد خطة عمل مشتركة مع القبائل والمؤسسات الخيرية والإغاثية؟ الجميع يعملون فرديّاً، ومعظم المؤسسات الخيرية مشغولة بالنداءات والإحصاءات بينما الناس يحتاجون إلى الخيام والملابس والأدوية. لا يمكن أن يبدأ العمل بعد وقوع الكارثة فقط".
بدوره، قال رئيس مؤسسة التعاون المستدام الخيرية المحلية، عنايت الله عادل لـ"العربي الجديد"، إن "الفرق الإغاثية التابعة للمؤسسة تحركت من العاصمة كابول صوب ولاية بغلان، ومعها المعدات ومستلزمات الإغاثة، لكن وصولها سوف يستغرق وقتاً، والمتطوعون يساهمون جنباً إلى جنب مع الحكومة من أجل مساعدة المتضررين، وعلى جميع المؤسسات الإنسانية، الدولية والمحلية، العمل فوراً من أجل مساعدة المتضررين".
وأوضح الناطق باسم حكومة طالبان، ذبيح الله مجاهد لـ"العربي الجديد"، أنّ عدداً كبيراً من المواطنين فقدوا حياتهم نتيجة الفيضانات في المناطق الشمالية، وأن الحكومة دفعت بأفراد من قوات وزارتي الدفاع والداخلية، كما تدخلت وزارة مواجهة الكوارث والأزمات لمساعدة المتضررين وإنقاذ المفقودين، والمواطنون يساهمون تطوعاً في كل الجهود، معرباً عن أسفه الشديد حيال الخسائر البشرية والمادية التي لحقت بالمنطقة.