الفلسطيني محمد خبيصة.. شهيداً بعد إصابته الثانية

25 سبتمبر 2021
عاد محمد خبيصة سريعاً إلى الميدان بعد تعافيه من إصابته الأولى (فيسبوك)
+ الخط -

أسبوعان فقط فصلا بين إصابة الشاب محمد علي خبيصة برصاصتين. الأولى مغلّفة بالمطاط أصابت رأسه، لكنه نجا منها، غير أنّ الثانية، التي أتته بعد أسبوعين، اخترقت جمجمته من الخلف، فارتقى شهيداً مساء أمس الجمعة. ليصبح بذلك محمد علي خبيصة الشهيد الثامن منذ بدء الأحداث في بلدة بيتا جنوب نابلس، شمالي الضفة الغربية المحتلة، قبل نحو خمسة أشهر، للمطالبة بإزالة البؤرة الاستيطانية عن قمة جبل صبيح من أراضي البلدة. 

لم تكد شمس الجمعة تغيب حتى أخذت معها الشاب العشريني الذي احتفل قبل ثمانية أشهر فقط بمولودته البكر، هو الذي ارتبط بزوجته قبل أقل من عامين. 

يقول والده علي خبيصة لـ"العربي الجديد" إنّ شباناً اتصلوا به أمس الجمعة، وأبلغوه أنّ محمد أصيب، "اعتقدت للوهلة الأولى أنها رصاصة مطاطية كالتي إصابته قبل أسبوعين، لكن توالي الاتصالات والإلحاح بالسؤال عن حاله حركا شعوراً داخلياً لدي أنّ الوضع هذه المرة مختلف". 

بدأت المخاوف تزداد لدى الأب وهو في طريقه إلى المستشفى في مدينة نابلس، بعدما علم أنّ نجله دخل غرفة العمليات ووضعه خطير جداً، وهو ما تعاظم مع نشر بعض الصفحات على فيسبوك نبأ استشهاده. 

ويؤكد الأب: "لا شك أنّ في قلبي غصة على فراقه. هذا ابني البِكر ويدي اليمنى ووالد الحبيبة غزل، حفيدتي الأولى، ومع هذا، فأنا أفخر بأنه مقاوم عنيد لا يخاف". 

يواصل الأب مصافحة المهنئين باستشهاد نجله، ويقول: "كان لدي أربعة شبان قبل استشهاد محمد، وجميعهم كانوا يشاركون في المظاهرات ضدّ الاحتلال والمستوطنين، وقد سبق أن أصيب نجلي الثالث مصطفى مرتين، وأبناء عمومتهم كذلك أصيبوا واعتُقلوا، لكننا لن نتراجع مهما حصل". 

الصحافية ساجدة بني شمسة أكّدت لـ"العربي الجديد" أنّ الآلاف، الذين خرجوا في وداع خبيصة وهتفوا بحناجرهم الغاضبة تكريماً له، يدركون تماماً أنّ محمد قدّم روحه رخيصة في سبيل فلسطين وفي سبيل تحرير بلدته بيتا التي ولد وترعرع فيها من أي وجود للمستوطنين. 

تقول بني شمسة "لم يغب محمد يوماً عن أي مواجهة مع قوات الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين، منذ اللحظة الأولى لإعلان المواجهة ضد إقامة بؤرة استيطانية على قمة جبل صبيح في بلدتنا. كان محمد دائماً أول الواصلين وآخر المغادرين، نشيطاً ومتفاعلاً مع كل حدث". 

ونظراً لإقدامه الدائم، يصفه أهل بلدته بيتا بالجريء، فهو يتقدم الصفوف دوماً ويكاد يواجه جنود الاحتلال من نقطة الصفر. 

قبل أربعة عشر يوماً، وخلال اشتداد المواجهات، أطلق جنود الاحتلال النار تجاه المتظاهرين، فأصيب محمد خبيصة برصاصة مغلّفة بالمطاط في رأسه من مسافة قريبة جداً، فنزف كمية كبيرة من الدم. 

يعيد الناشط أمجد دويكات رسم المشهد قائلاً في حديث لـ"العربي الجديد": "كنت قريباً من محمد، سمعت صوت الرصاص ينهمر علينا، وإذ بمحمد يصرخ والدماء تغطي وجهه. فصرت أكبّر بأعلى صوتي حتى يسمعني الشبان وينقذونا، وبالفعل، وصل المسعفون إلى محمد وباشروا بمعالجته، وضعت يدي على قلبي خوفاً على حياته، فالرصاصة المطاطية قاتلة من مسافة قريبة، خاصة إذا كانت الإصابة في مكان حساس كالرأس".

يتابع دويكات: "نقلوه في سيارة الإسعاف إلى المستشفى، وواصلنا نحن المواجهات، ومع ساعات المساء، أبلغونا أنّ محمد بخير وأنه تمت السيطرة على الجرح، فذهبنا لزيارته". 

يصف دويكات تلك اللحظات: "وجدناه كما عرفناه مبتسماً ومتحمساً للعودة إلى الميدان. وقال لنا وهو يضحك (عمر الشقي بقي)". 

عاد محمد خبيصة سريعاً إلى الميدان بعد أن تعافى من إصابته، وما أن اشتدّ وطيس المعركة حتى كان في المقدمة، غير أنّ القدر كتب له مصيراً مختلفاً هذه المرة، فقد أصيب خبيصة برصاصة متفجرة في رأسه، ووصل إلى المستشفى الميداني في بيتا في حالة حرجة جداً، وبعد خضوعه لإسعاف أولي، نُقل فوراً إلى مستشفى النجاح بمدينة نابلس، حيث أدخل إلى غرفة العمليات، وبعد دقائق، أعلن الأطباء استشهاده متأثراً بجراحه الخطيرة. 

ومنذ شروع المستوطنين في إقامة البؤرة التي عرفت باسم "أفيتار" مطلع مايو/ أيار 2021 على أراضي جبل صبيح، شرع أهالي بلدة بيتا في سلسلة فعاليات متدحرجة لاقتلاع هذه البؤرة من أراضيهم وطرد المستوطنين.

وبارتقاء خبيصة، تكون بلدة بيتا قد قدّمت سبعة شهداء حتى الآن، هم: عماد دويكات، شادي الشرفا، أحمد بني شمسة، محمد سعيد حمايل، زكريا حمايل عيسى برهم والشهيد طارق صنوبر من قرية يتما القريبة، إضافة إلى أكثر من ألف مصاب وعشرات المعتقلين، بينهم جرحى. كذلك عانت بيتا من فرض حصار مشدّد عليها من قوات الاحتلال، التي كانت تغلق بالجرافات مداخل البلدة من كل الجهات لعزلها عن محيطها، لكن الأهالي مصرّون على استمرار فعالياتهم الرافضة للبؤرة الاستيطانية والمطالبة بإزالتها.

المساهمون