استبقت الفلسطينية أميرة عرعراوي (51 عاماً) من مخيم جنين شمالي الضفة الغربية نتائج الثانوية العامة "التوجيهي" لتحضير الحلويات والعصائر، الأربعاء الماضي، فابنها مجدي عرعراوي (17 عاماً) كان قد كتب لها على ورقة أنه يتوقع الحصول على 90% أو 94% في شهادة الثانوية العامة، وهي كانت واثقة من توقعاته. اليوم تستقبل عرعراوي المهنئين كما لو أنّ ابنها ما زال على قيد الحياة، فقد استشهد في 3 يوليو/ تموز الماضي، خلال اليوم الأول لاجتياح مخيم جنين من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي.
بكاء وحلوى على القبر
ذهبت أميرة إلى قبر ابنها مجدي منذ إعلان وزارة التربية والتعليم الفلسطينية للنتائج، صباح أمس الخميس، لتبلغه بأنه قد حصل على ما توقع، لكنها لم تتمالك نفسها في مقبرة مخيم جنين الجديدة التي استحدثت بعد انتهاء العدوان ودفن فيها 9 من شهداء معركة المخيم، لكن ذلك الحزن لم يمنع العائلة من توزيع الحلوى على من حضر قرب قبر ابنها.
تفوق في التوجيهي بنسبة 90.04٪.. والدة الطالب مجدي عرعراوي الذي قتلته قوات الاحتلال قبل أيام تستقبل نتيجته عند قبره#فلسطين @AnaAlarabytv pic.twitter.com/owYAhWmzUu
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) July 20, 2023
تقول أميرة عرعراوي لـ"العربي الجديد": "منزلنا لم يفرغ من الناس، وكأنه (مجدي) ما زال بيننا يستقبل المهنئين، وزعت الحلوى والمشروبات، حضّرت القهوة، وجهزت كل شيء بشكل مسبق تحضيراً لاستقبال الضيوف، ووزارة التربية كانت قد اتصلت بي قبل يوم من النتائج تطلب إذناً لنشر شهادته بعد صدور النتائج، ووافقت، قلت لهم انشروها مهما كانت النتيجة، لقد كنت متأكدة من المعدل الذي حصل عليه 90.4% منذ أن أنهى امتحاناته في 26 يونيو/ حزيران الماضي، فقد كتب لي توقعاته على ورقة ووضعها على مكتبه الصغير".
تتابع: "ذهبت إلى قبره، لأخبره بأنه حصل على معدل 90، وأن الله أكرمني به في الدنيا والآخرة، بحصوله على الشهادة في الدنيا والشهادة في الآخرة".
تصف شقيقته ساجدة (19 عاماً) المشهد في المنزل لـ"العربي الجديد" وتقول: "إن الناس لم يتوقفوا عن الحضور وتقديم التبريكات للعائلة، ومعهم الهدايا، من الشوكولاتة والمشروبات والبقلاوة".
تعتبر ساجدة كل هذا الاحتفاء "كرامة من الله فوق كرامة الشهادة"، فيؤم المنزل منذ لحظة إعلان النتائج الناس، وكثيرون لا تعرفهم العائلة.
هندسة الإلكترونيات كانت الحلم
كان مجدي عرعراوي يثابر للحصول على معدل عالٍ، فقد اختار الفرع الصناعي في الثانوية العامة، لأنه كان يحلم بدراسة هندسة الإلكترونيات، بحسب ما تؤكد شقيقته ساجدة.
وتضيف أنّ مجدي "كان طالباً مُهذباً خلوقاً، ومتفوقاً في سنوات دراسته السابقة، كانت علامته لا تقل عن 97%، وخلال فترة الامتحانات كان يهتم بدراسته لكن تفكيره بشكل أكبر في الجهاد والمقاومة، وإلا لحصل على معدل أعلى نظراً لما كان عليه في السنوات السابقة".
تفوق مجدي رغم أنه خرج من سجون الاحتلال قبل بداية امتحانات الثانوية العامة بشهر واحد، كان قد قضى قبل ذلك قرابة شهرين أسيراً، بحجة أنه صدم جندياً قرب مستوطنة معاليه أدوميم المقامة شرق القدس المحتلة في مركبة كان يقودها، وهو يؤكد أنّ الحادث حصل دون أن ينتبه.
حكايته مع المقاومة والشهادة
كان عرعراوي في كل مرة تقتحم فيها قوات الاحتلال المخيم يترك دراسته وبيته ويحمل حقيبته على ظهره ويتوجه إلى مكان الاقتحام.
قبل نصف ساعة فقط من استشهاده كان يجلس مع والدته التي حضرت له الإفطار، وجلست وإياه، لكن مع وصول جرافات الاحتلال، يوم 3 يوليو، إلى شارعه "حارة الدمج"، خرج ولم يعد، ذلك الحي الذي شهد أعنف المعارك بين المقاومين وجنود الاحتلال، وخصوصاً عند مسجد الأنصار المجاور لمنزل عرعراوي.
وتروي شقيقته الساعات الأخيرة قائلة: "منذ أن سمع باقتحام المخيم كان يخرج ويعود، ويكرر ذلك، حتى اقتربت جرافات الاحتلال إلى الحي، وخرج في تلك المرة ولم يعد، حينها استهدف الاحتلال صديقه الشهيد علي الغول، فأراد أن ينقذه". تؤكد أنه كان بإمكانه الانسحاب من المكان، لكنه لم يترك صديقه وبقي يحاول الوصول إليه فاستهدفه الاحتلال من طائرة مسيّرة، حاول ابن عمه كمال عرعراوي أن يسعفه، فأصيب هو الآخر بعينه إصابة بالغة، ولا يزال يتلقى العلاج.
حوصرت والدة مجدي في المنزل وسط استمرار المعارك والاشتباكات بين قوات الاحتلال والمقاومين، وعند وصول أول سيارة إسعاف لنقل مصاب من الحي، خرجت معه إلى المستشفى، وصلت بعد أكثر من ثلاث ساعات، وكان مجدي قد استشهد، بقيت عائلتها في المنزل لا تستطيع الخروج، حتى أعطى جيش الاحتلال مدة وجيزة لخروج الأهالي من الحي.
أعلنت كتيبة جنين - سرايا القدس، في بيان، في 5 يوليو، عن الشهيد مجدي عرعراوي كـ"أحد مجاهديها، من وحدة الهندسة"، وهو بحسب شهادات من المخيم كان واحداً ممن يعدون العبوات ويستهدفون بها قوات الاحتلال.
اليتيم الذي يحرص على مساعدة والدته
توفي والد مجدي في عام 2017، وعاش الابن يتيماً، وهو أحد أربعة إخوة؛ اثنان من الذكور واثنتان من الإناث، منذ كان في الحادية عشرة من عمره، أصبح مجدي فتى مثابراً، يعمل في أي ما هو ممكن لمساعدة أسرته ووالدته. تقول شقيقته ساجدة: "كان يحب العمل، عمل في الزراعة، في قطاف الخضراوات، كالطماطم والفلفل الحلو، وغيرهما، وكان يحب أن يعطي الجيران مما يحضره من خضراوات من عمله".