لم يملك التسعيني الفلسطيني حلمي الغول، حبس دموعه حين ذكر اسم قرية "هربيا" المُحتلة، والتي هُجر منها قسراً مع عائلته في النكبة عام 1948، على أيدي عصابات "الهاغانا" الصهيونية، ليصبحوا نازحين في داخل وطنهم، أو لاجئين في بلاد العالم.
كانت قرية "هربيا" تتبع قضاء غزة قبل عام 1948، وهي تقع على بعد 15 كيلومتراً شمال قطاع غزة، وتحيط بها قرى الجورة، وبربرة، والخصاص، وبيت جرجيا، وتحدها من الشرق أراضي دير سنيد، ومن الجنوب أراضي بلدة بيت لاهيا.
بكثير من الألم الممزوج بالحنين إلى أرضه و"بيارته"، يستذكر المسن الفلسطيني لحظة تهجيره من قريته، ضمن تهجير عشرات آلاف الفلسطينيين من بلداتهم وقراهم في عام 1948، حين قامت العصابات الصهيونية بقتل البشر، وهدم الحجر، وطرد من تبقى على قيد الحياة من السكان.
لم ينسَ حلمي الغول معالم قريته ذات البيوت الطينية، ولا أراضيها الزراعية ذات المحاصيل الوافرة، كما لم ينسَ ما قامت به العصابات من تغيير لملامح المدن، في محاولة لمحو التراث الفلسطيني، وتهويدها بشكل كامل.
يبدأ الحاج حلمي، وهو من مواليد عام 1929، حديثه مع "العربي الجديد"، في بيته المليء بالصور القديمة التي تجمعه مع أفراد أسرته، باستذكار الحياة الآمنة في قريته الزراعية، والتي كانت ذات عادات وتقاليد فلسطينية أصيلة.
يقول: "كنت أمتلك بستاناً مكوناً من 55 دونماً زراعياً، وكنت أزرع فيه مختلف أصناف الحمضيات، مثل الليمون والبرتقال والكلمنتينا والمندلينا، وأصناف الخضار مثل الخيار والبندورة والباذنجان، إلى جانب كروم العنب، وأشتال التفاح، وقصب السكر، وكان البيت الكبير ينتصف الأرض".
يضيف الغول، وهو يتحسس "مفتاح العودة" الذي ما زال يحتفظ به: "كانت هربيا سلة غذاء نظراً لخصوبة تربتها، وكانت الزراعة أساس عمل معظم سكانها قبل أن يتم طردنا منها، وتحويل أراضيها إلى مستوطنة وموقع زيكيم العسكري".
تكتظ ذاكرة المهجر الفلسطيني بالكثير من الأحداث حول تفاصيل التهجير المأساوية، يقول: "لحظة الهجرة كانت صادِمة، إذ كان الرصاص يأتي من كل حدب وصوب، وكانت المشاهد مروعة، ما حدا بالناس إلى الفرار بأرواحهم، فقد كان كل شيء مستهدفاً".
ويروي أنّ عائلته قامت بتحميل الأمتعة والمستلزمات الأساسية على الجمل، ليتوجهوا إلى قطاع غزة، وكانت جباليا النزلة في شمال القطاع هي محطتهم الأولى، وبفعل الحمل الثقيل مات الجمل قبل الوصول إلى وجهتهم، ما دفعهم إلى استئجار وسيلة نقل مقابل ثلاث ليرات، وكانت الليرة تحظى آنذاك بقيمة كبيرة.
يتابع: "سكنا في البيارة، وبدأنا بزراعة الحمضيات والفواكه والخضروات التي اعتدنا على زراعتها في بلدتنا المُحتلة، وكانت تجمع المودة عائلتي مع عائلات أخرى من قطاع غزة، من بينها عائلة الريس وعائلة الغصين".
تتوق نفس التسعيني الفلسطيني إلى العودة إلى قريته التي هُجر منها، وإلى أجواء السلام والأمان التي كانت تحف البلدات الفلسطينية المُحتلة قبل النكبة والاحتلال الإسرائيلي لها، ولا يتوقف عن وصف بلدته بأنها "جنة"، ويقول "فش (لا يوجد) أعز من الوطن، أمنية حياتي العودة إلى بلدتي المحتلة، وأن أبقى بها حتى آخر لحظة في عمري".