يعاني سكّان مناطق سيطرة النظام السوري من أزمات القطاع الصحي المتردي بسبب سنوات الإهمال، كما يتغلغل فيه الفساد والمحسوبيات، إضافة إلى استمرار هجرة الكوادر الصحية من أطباء وممرضين وفنيين مع غياب الحوافز التي تدفعهم للبقاء، والاستمرار في ممارسة المهنة.
منذ عام 2014، يجري العمل على توسعة المشفى الوطني في مدينة جبلة بريف محافظة اللاذقية، لكن العمل لا يزال مستمراً حتى الوقت الحالي. يقول عمّار الجبلاوي، وهو أحد سكان المدينة لـ"العربي الجديد": "المشفى لم يكتمل حتى الآن، والأهالي الذين يحتاجون إلى رعاية صحية يذهبون إلى مشافي مدينة اللاذقية، ما يكلفهم أعباء إضافية. أحد أقاربي كان بحاجة إلى صورة رنين مغناطيسي، لكن توجب عليه الانتظار لمدة شهرين حتى يحصل على موعد في اللاذقية بسبب الزحام، ما أجبره على دفع نحو مليون ليرة لإجراء الصورة بشكل عاجل".
وأغلقت العديد من المراكز الصحية في جبلة بسبب نقص الكوادر الصحية، بينما يقدر عدد سكانها بنحو 350 ألف شخص، وهم يعتمدون على المراكز الصحية الخاصة بشكل أساسي.
دخلت علياء (38 سنة) إلى مشفى "باسل الأسد" للتوليد والقلبية في حلب مؤخراً، وتقول لـ"العربي الجديد"، إن "الكادر الطبي يتعامل بفوقية مع المراجعين، والخدمة سيئة، والنظافة معدومة، فدورات المياه متسخة، ومجاريها مسدودة، وأرضية المشفى بالكاد يتم تنظيفها. لا يستطيع الفقير الحصول على مسكن للألم في المشفى، فالخدمات متوفرة فقط لمن لديهم واسطة، والذين يستقبلهم الكادر الطبي، وتعمل الأجهزة كلها من أجلهم، وتقدم لهم الأدوية على الفور، على عكس الفقراء ومن لا يملكون واسطة، والذين يجبرون على شراء الأدوية على نفقتهم".
لا يختلف وضع المشافي العامة في مدينة القامشلي عنه في حلب وجبلة، كما أن مشفى القامشلي الوطني يقع في حرم المطار، وهو ضمن منطقة أمنية، ورغم أنه يمول من منظمة الصحة العالمية لتوفير الخدمات الصحية لسكان المنطقة، لكن سكان المدينة وريفها شبه محرومين من خدماته بسبب الواقع الأمني والفساد.
يؤكد عبد الحميد العزو لـ"العربي الجديد"، أن "كثير من السكان لا يمكنهم الذهاب إلى المشفى خشية التعرض للاعتقال كونه يقع في منطقة ينتشر فيها أمن النظام، ومدير المشفى معروف بالفساد، ولا يدخله إلا رجال الأمن والمقربون منهم، أو من يدفعون المال لمدير المشفى لقاء تلقي العلاج".
ويقول مصدر طبي من مدينة السويداء لـ"العربي الجديد"، إن مقام "عين الزمان" في المدينة تحول إلى مركز صحي يعمل فيه نحو 70 طبيباً من كل التخصصات في مقابل مبالغ تكاد تكون رمزية لتقديم العلاج، مشيراً إلى أن عدد الأطباء الذين يعملون في المركز لا يمكن لأفضل مشافي مناطق سيطرة النظام أن تمتلكه في الوقت الحالي.
يتابع المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه: "هناك نقص كبير في الكوادر الصحية من كافة التخصصات، وكذا كوادر التمريض، فالغالبية غادروا سورية بحثاً عن دخل أفضل، وأعرف طبيباً شاباً راتبه في الخارج يعادل 130 مليون ليرة سورية شهرياً، وهذا الرقم لن يحصل عليه خلال سنوات في مشافي سورية، وهناك أزمة في تأمين الأجهزة، خصوصاً أجهزة غسل الكلى، وأجهزة الإيكو، وأعطال بعضها قد تدوم لأشهر، ومدير الصحة في السويداء معروف بالفساد، وعلاقاته متشعبة مع الأجهزة الأمنية، إضافة لسطوته على لجان الشراء التي تجري صفقات وهمية لشراء وصيانة الأجهزة، كما نواجه أزمة في سيارات الإسعاف، فغالبيتها معطلة، ومخصصات الوقود تسرق من قبل المسؤولين، ويضطر الأهالي للاستعانة بسيارات الهلال الأحمر في الحالات الإسعافية".
تخرجت عبير الدرويش حديثاً من كلية الطب في جامعة دمشق، وتقول لـ"العربي الجديد" إنها حالياً في مرحلة التخصص، وتحصل على راتب حكومي، لكن هذا الراتب لا يكفيها أجرة المواصلات، وتضيف: "الأوضاع سيئة من كافة النواحي، ولا يوجد حتى خطة حكومية لإصلاح الواقع الصحي، ولا أحد يهتم بذلك رغم علم الجميع بحجم معاناة الناس لتلقي العلاج".
وقبل الثورة في عام 2011، كان عدد المشافي العامة في سورية يبلغ 482 مشفى، وتشرف على تشغيلها أربع جهات، هي وزارة الصحة، ووزارة التعليم العالي، ووزارة الدفاع، ووزارة الداخلية، لكن الأعداد تراجعت خلال السنوات الماضية مع خروج العديد من المشافي من الخدمة.