الغلاء يجعل رمضان ضيفاً ثقيلاً على الغزيين
أجبر الوضع الاقتصادي المتردّي في قطاع غزة الكثير من العائلات على وضع الزينة القديمة على الرغم من انتشار الزينة الجديدة في المحال التجارية. كما اضطرّ البعض إلى الحد من شراء العديد من السلع التموينية على غرار السنوات السابقة. وعمدت أسر إلى إعداد الجبن والحلاوة الطحينية والمربيات وغيرها في البيوت بهدف التوفير.
أعدّت سعاد قديح (48 سنة) الجبن والحلاوة والعديد من المأكولات قبل خمسة أيام من حلول شهر رمضان حتى لا تشتريها من السوق بسبب ارتفاع أسعارها. تعيش مع زوجها وأبنائها وأشقاء زوجها وأبنائهم وعددهم 24 فرداً في مبنى واحد، وجميع رجال العائلة عاطلون عن العمل. وكان زوجها آخر الذين سُرّحوا من عملهم نهاية العام الماضي، وقد تقدّم بطلب للعمل في الأراضي المحتلة لكن الاحتلال الإسرائيلي رفض منحه تصريحاً للعمل.
تقول قديح لـ "العربي الجديد": "جلبت معدات إعداد الجبنة واللبنة لتحضير كميات كبيرة منها تكفينا مدة أسبوعين. يضم المبنى 15 طفلاً لا ذنب لهم في ما نعيشه، ويجب ألّا يُحرموا من عيش أجواء رمضان. أراد زوجي العمل في الداخل الفلسطيني المحتل حتى يشتري فوانيس رمضان للأطفال وغيرها من الحاجيات. لكن للأسف، رفض الاحتلال منحه تصريح عمل، حاله حال كثيرين".
عائلة قديح هي إحدى الأسر التي تنتظر الحصول على مساعدات مالية من مخصصات وزارة التنمية الاجتماعية للأسر الأشد فقراً. وتستفيد أكثر من 81 ألف أسرة غزية من الدعم المالي، وتعتمد بشكل أساسي على المبلغ المخصص الذي يجرى توزيعه على العائلات كل ثلاثة أشهر. وكانت الوزارة تقدم مبلغاً من المال قبل حلول شهر رمضان خلال السنوات الماضية، لكنها لم تعلن أمراً مماثلاً هذا العام لأسباب تتعلّق بالجهات المانحة.
ولا تختلف حال أسرة قديح عن أسرة إسماعيل فلفل (56 سنة)، الذي اضطر إلى الاستغناء عن الكثير من احتياجات شهر رمضان، وهو ما لم يعتده وأسرته سابقاً. ويقول إنّ الغلاء يدفع العديد من الأسر الفقيرة للبحث عن أطعمة بديلة أرخص حتّى لو كانت أقل جودة. كان يعمل في مصنع للمشروبات الغازية في قطاع غزة، وسُرّح من عمله بعد إغلاقه قبل عامين بسبب الأزمة الاقتصادية وتداعيات الحصار الإسرائيلي.
يقول فلفل لـ"العربي الجديد": "اللحوم لا تحضر موائدنا، بالإضافة إلى الكثير من المشروبات الرمضانية والمأكولات والمحليات. بتنا نفتقد الكثير من العناصر الغذائية، حتى التمر بسبب ارتفاع سعره. الغلاء لا يرحمنا. أتجول في الأسواق لأجد ما يمكن طهيه بأقل الأسعار".
في سوق الزاوية التاريخي في مدينة غزة، أغلقت بعض المحال التجارية العام الماضي بسبب ارتفاع كلفة بدلات إيجارها. بعض هؤلاء أقاموا بسطات متنقلة لعرض سلع كانوا يبيعونها في محالهم سابقاً. أحد هؤلاء هو زهير نصر الذي كان يملك محلاً لبيع الأدوات المنزلية. يجلس أمام بسطته صباحاً لبيع بعض الأدوات المنزلية التي بقيت في مخزن منزله. كذلك، كان يبيع البقدونس والنعناع والزعتر بسبب الإقبال عليها خلال رمضان، خصوصاً أنه مسؤول عن إعالة 9 أفراد من أسرته ووالدته ووالده اللذين يقيمان معه في المنزل.
يقول نصر لـ"العربي الجديد": "خلال شهر رمضان، لا تطلق شرطة البلدية حملات ضد الباعة المتجولين والبسطات. لذلك، قررت بيع بعض الأدوات المنزلية التي قد يحتاجها الناس خلال هذا الشهر، بعدما اختبرت عاماً قاسياً وخسارة في ظل البيع الشحيح". يضيف: "قد أبقي على البسطة المتنقلة حتى بعد انتهاء شهر رمضان".
من جهة أخرى، اعتاد الغزيون الحذر خلال شهر رمضان. فمنذ اندلاع العدوان الإسرائيلي الثالث على قطاع غزة في رمضان 2014، صاروا يخشون أن يبدد الاحتلال فرحتهم بشهر رمضان على غرار ما حدث عام 2019. في ذلك العام، استقبلوا شهر رمضان بالقصف الإسرائيلي والمجازر، وتكرر الأمر عام 2021.
وهذا العام، يتحدث الناس عن خوفهم من حدوث عدوان إسرائيلي في ظل التهديدات التي يطلقها قادة الجيش الإسرائيلي، وخصوصاً مع تصاعد عمليات الجيش في الضفة الغربية وتهديدات الفصائل في قطاع غزة.
ويتخوف صقر الراعي (40 سنة) من اندلاع عدوان إسرائيلي جديد بعدما تضرر منزله جزئياً في بلدة بيت حانون قبل عامين خلال العدوان الإسرائيلي. أما صديقه أحمد الزعانين (43 سنة)، فيتوقع حدوث هجوم إسرائيلي إذ إن طائرات الاستطلاع الإسرائيلية لا تكاد تغيب عن سماء منطقتهم في بلدة بيت حانون.