حتّى العمل المؤقت بات صعباً في قطاع غزة. فبعدما كان ذلك متوفراً من دون إجراء مقابلات، أصبح الأمر أكثر صعوبة وقد يستغرق سنوات
قبل سنوات طويلة، وتحديداً بعد إنشاء وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" وبدء عملها في قطاع غزة، وتخصيصها تلك العقود المؤقتة ضمن برامج إغاثية للتشغيل المؤقت، تبعتها العديد من المؤسسات الإغاثية والداعمة للفقراء والمحتاجين بخلق فرص عمل مؤقتة في مقابل مادي، يسمي الغزيّون في ما بينهم من يعمل بها "عامل بطالة".
لم تكن هذه البرامج الداعمة للتشغيل المؤقت للاجئين والعائلات الفقيرة تتطلب من الغزيين إجراء مقابلة بالمطلق، إذ يتم النظر إلى ملف الشخص وحاجته للعمل الطارئ وتقصي بعض بياناته الشخصية والبحث عن موقع مناسب له بحسب طبيعة المؤسسات. أما اليوم، فيشعر البعض بالصدمة حين يتوجهون لإجراء مقابلة لعامل نظافة أو حارس لإحدى البنايات التي تتبع للمؤسسة نفسها.
وأثار ما نشره محمد الكحلوت (27 عاماً) ضجة بين الخريجين الجامعيين والشباب الباحثين عن عمل، بعدما تلقى اتصالاً في 25 يوليو/ تموز الماضي من جهة حكومية طلبت منه إحضار شهاداته الرسمية وخبراته والأوراق الثبوتية، فتعجب على اعتبار أنها فرصة مؤقتة كما يعرّفها "عقد بطالة"، وخصوصاً أنه ظنّ أن الأمر لا يتطلب مقابلة، وبالتالي لم يستعدّ للأمر.
وبحسب نظام وكالة "أونروا" في ما يتعلّق بالغزيين، فإنّ عقود البطالة تتراوح ما بين 3 إلى 6 أشهر، ما يتطلب منحة تشغيل عاجلة للخريجين والأسر الفقيرة والمحتاجين. لكن على أرض الواقع، يلاحظ الشبان أنه تجرى مقابلات لدى التوجه لتقديم الأوراق الرسمية. ويقول الكحلوت لـ "العربي الجديد": "لدى توجهي لإجراء المقابلة، وجدت العديد من الخريجين ينتظرون دورهم وقد صدمت، لكن قلت ربما مقابلة عابرة للتعرف على المعلومات وانتظرت 3 ساعات. وخلال المقابلة، "سألتني اللجنة عن وظيفتي الأخيرة وسبب تركي العمل وتفاصيل أخرى ظننت أنها غير ضرورية باعتبار أن العمل مؤقت. لكن لم يتم قبولي حتى". ويسأل: "هل أصبح عقد البطالة المؤقت حلماً في قطاع غزة؟".
ويشير الكحلوت إلى أنه لم يكن الوحيد. بعدما كتب تجربته على صفحته على "فيسبوك"، كان هناك تعليقات من أصدقاء وزملاء له في الجامعة، وقد وجد أن غالبية المؤسسات التي تعمل على تشغيل الخريجين باتت تعمد إلى إجراء مقابلات.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، أجرى سامي النجار (28 عاماً)، وهو خريج تربية رياضية، مقابلة لدى إحدى جمعيات المجتمع المدني في غزة للتشغيل المؤقت ضمن مشاريع "المال في مقابل العمل". لكنّه صدم خلال المقابلة وقد طرحت عليه عدة أسئلة، مؤكداً أن المشروع كان يهدف إلى توفير عمل مؤقت كمعلّم في المدارس الحكومية. أما صديقه الذي تخرج من الكلية نفسها، فقد حصل على عقد عمل مؤقت لمدة ستة أشهر بعد إجراء المقابلة. ويقول: "أخبرني والدي أنه مع بداية إنشاء السلطة الفلسطينية عام 1994، وُظّف كثيرون من دون إجراء مقابلات، أو طلب الشهادة أو سنوات الخبرة. لكن تغيّر الأمر بعد 24 عاماً. وفي الوقت الحالي، باتت أقصى أمنياتنا العمل لأشهر قليلة. لكن حتى العمل المؤقت بات يحتاج إلى واسطة واجتياز لجنة المقابلة إضافة إلى الحظ".
من جهته، صدم أحمد أبو ستة (34 عاماً) عندما تلقى اتصالاً من "الأونروا" لإجراء مقابلة بعدما تقدم للعمل كحارس مدرسة. خلال المقابلة، سُئل إن كان يعرف عن مهام الحارس المدرسي، هو الذي أنهى دراسته الجامعية قبل خمس سنوات وحصل على درجة بكالوريوس بتخصص تنمية اجتماعية من جامعة القدس المفتوحة في غزة. وعندما استفسر أبو ستة أكثر من اللجنة، قيل له إن دوره قد حان هو الذي كان قد تقدم بطلب للحصول على فرصة عمل مؤقتة قبل ست سنوات، أي قبل أن يتخرج من الجامعة. ويقول لـ "العربي الجديد": "لم أتخيل يوما أن أجري مقابلة لبطالة عقد مؤقت وحارس مدرسة. العمل ليس عيباً. لكن هل يستحق ذلك مقابلة؟ ظروفنا للأسف تتدهور نحو الأسوأ".
وتقوم وزارة العمل في غزة بوضع برنامج موحد للخريجين والعاطلين عن العمل في قطاع غزة، يضم أكثر من 350 ألف اسم في حاجة إلى وظيفة. وتعمل على فرزها وتقسيم المهام بين المؤسسات المختلفة التي تحصل على تمويل لتشغيل الخريجين في سوق العمل في قطاع غزة. وعادة ما تطلب هذه المؤسسات من الوزارة تزويدها بالأسماء بحسب أقدمية تقديم الطلبات.
لكن في المقابل، يمكن أن يحصل الخريج على فرصة عمل مؤقتة بحسب تاريخ تقديمه الطلب وبشرط المقابلة. وإن حصل على عقد مرة واحدة خلال عامين، لا يحصل على فرصة أخرى ضمن مشاريع التشغيل المؤقت في أي من مؤسسات التشغيل، بحسب دائرة الإدارة العامة للتشغيل التابعة للوزارة. وتوضح "الأونروا" لـ "العربي الجديد" أنها باتت تجري مقابلات نتيجة تقديم عشرات الآلاف من الخريجين وغير الخريجين، مشيراً إلى أن البعض يرفض الفرص الممنوحة لهم على باعتبار أنها لا تتناسب مع مؤهلاتهم.