يواجه سكان محافظة الديوانية جنوبي العراق، تحديات غير مسبوقة بسبب شح المياه والانقطاع المتواصل في إيصال مياه الشرب للمحطات وشبكات توزيع المياه إلى المنازل، كما تشهد الأنهر التي تمر عبر المحافظة جفافاً حاداً انعكس سلباً على المناطق السكنية والقرى والأرياف، وأدى هذا الجفاف إلى توقف حوالي 20 محطة مياه عن العمل، وتراجعاً كبيراً في مستويات الزراعة في المحافظة.
ويتجاوز عدد سكان المحافظة 1.5 مليون نسمة، وتعتمد نسبة كبيرة من سكانها على الزراعة وتربية المواشي، فضلاً عن موقعها الجغرافي المهم الذي يربط بين جنوب ووسط العراق، وتضم موارد مائية سطحية تتمثل بمجموعة من الروافد المتفرعة من نهر الفرات وهي شط الديوانية، والدغارة، والشامية، والشنافية. إلا أن جميع هذه الروافد تعرضت للجفاف وشح المياه بسبب ما يشهده العراق من مشاكل مائية منذ سنوات.
وأعلنت الحكومة المحلية في المحافظة أنها تعمل على توفير المياه الصالحة للشرب لغالبية مناطق وقرى الأقضية والنواحي في المحافظة، فضلاً عن قيامها بحملات لإزالة التجاوزات الحاصلة على الأنهر واتخاذ الإجراءات القانونية بحق المتجاوزين. وأشارت إلى التنسيق المتواصل مع وزارة الموارد المائية لإيجاد الحلول المناسبة لزيادة الاطلاقات المائية والحد من تجاوزات المحافظات المجاورة على الحصص المقررة للمحافظة، مشددةً على أهمية الإسراع بإيجاد الحلول العاجلة من خلال رفع التجاوزات وإيصال المياه إلى المجمعات المائية وذنائب (مسيل الماء إلى الأرض) الأنهر والجداول للحد من معاناة المواطنين وتوفير مياه الشرب بالتنسيق مع الجهات المحلية ذات العلاقة.
يؤكد نائب المحافظ فارس ونّاس لـ "العربي الجديد" أن 40 مشروعاً لتحلية المياه في المحافظة خرجت عن الخدمة بشكل كامل، وتتوزع هذه المشاريع في مركز المحافظة وأقضية عفك، وآل بدير، والشافعية، فضلاً عن قرى ونواحي تقع على ذنائب الأنهر. ويوضح أن الوضع المائي العام يشهد الكثير من التحديات، وهناك معاناة كبيرة تواجه السكان بسبب شح المياه، محذراً من مخاطر بيئية قد يتعرض لها السكان إذا استمر الحال على ما هو عليه.
ويطالب ونّاس الحكومة الاتحادية بزيادة الحصة المائية للمحافظة التي تعاني بشكل كبير، وتحولت الجهود من السعي لزيادة المحاصيل الزراعية في وقت سابق إلى البحث عن مياه الشرب فقط للحفاظ على حياة السكان في مناطق المحافظة.
ويشكو مواطنون انقطاع المياه لساعات خلال اليوم الواحد، فضلاً عن الروائح الكريهة خلال أوقات وصول المياه عبر شبكات توزيع المياه. ويقول أبو عباس، وهو مواطن من مدينة الديوانية مركز المحافظة، إن شح المياه انعكس سلباً على حياتهم، وبات يشكل تهديداً على صحة وسلامة السكان بسبب الانقطاع المتواصل، والروائح التي ترافق المياه عند تدفقها في شبكات التوزيع.
يضيف أبو عباس في حديثه لـ "العربي الجديد"، أن الأنهر تعاني الإهمال وقلة المياه، وتغطي النباتات والحشائش مجاريها على الرغم من قلة المياه وانحسارها في مجرى نهر الديوانية الذي يغذي معظم مناطق المحافظة، ما دفعهم لاستخدام الخزانات المنزلية وشراء المياه من السيارات الحوضية (تتولى إيصال مياه الشرب للمواطنين). ويشير إلى أن مياه الإسالة غير صالحة للاستخدام البشري لاحتوائها على شوائب وروائح كريهة ما يضطرهم لشراء مياه الشرب المعبأة في محطات التصفية الأهلية بمبالغ تزيد من حد الإنفاق الشهري لكل عائلة.
من جهتها، تقول معاونة مدير ماء الديوانية حنان قادر مهدي، إن المواطنين يحصلون على مياه صالحة للشرب من خلال التعقيم. أما عن جودة المياه ومستوى التلوث فيها، فهناك عوامل عديدة تؤدي إلى هذه الحالة. وتوضح لـ "العربي الجديد" أن شبكات المياه في المحافظة قديمة، ولا يوجد تأهيل شامل لفلاتر الشبكات التي تتحكم في نوعية المياه، وتحتاج بعض المشاريع إلى تأهيل شامل بمبالغ مالية عالية.
وتبين أن مديريتها لا تملك المبالغ المالية اللازمة لإعادة تأهيل هذه الشبكات والمشاريع، مشددة على أهمية إضافة مبالغ مالية ضمن حصة المحافظة في موازنة تنمية الأقاليم، أو من خلال المبالغ المالية المخصصة للخطة الاستثمارية في المحافظة من أجل تأهيل شبكات المياه في المحافظة. تضيف أن جهود المحافظة متواصلة في تنظيف مجاري الأنهر وتنفيذ مشاريع الري من أجل ضمان وصول المياه إلى المواطنين والحد من معاناتهم في هذا الجانب.
ويؤكد مدير زراعة محافظة الديوانية حسن مطر، أن وضع السكان صعب للغاية بسبب شح المياه وخروج عدد كبير من محطات التحلية والتصفية عن الخدمة. يضيف لـ "العربي الجديد" أن المياه المتوفرة لا تكفي لسد حاجة المحافظة، مشيراً إلى أن الزراعة توقفت بشكل كامل، وخرجت عن الخطة الزراعية الصيفية لهذا الموسم.
ويضيف أن المحطات الفرعية والمناطق الواقعة على ذنائب الأنهر تواجه أخطاراً بيئية وصحية بسبب عدم وصول المياه إليها، وأن الإطلاقات المائية التي عملت عليها وزارة الموارد المائية مؤخراً لم تعالج مشكلة شح المياه. كما يشير إلى أن الكثير من المزارعين ومربي المواشي اضطروا إلى الهجرة قسراً من القرى والأرياف إلى مناطق أخرى بحثاً عن المياه ومصادر جديدة للعيش.
ويوضح أن وزارة الموارد المائية وجهت باستخدام وسائل ومنظومات الري الحديثة لتجاوز هدر المياه، إلا أنها لم تف بالتزاماتها في توفير منظومات الري للمزارعين. ويشدد على ضرورة دعم الفلاحين بالوسائل الحديثة للزراعة، وتوفير المياه المناسبة من أجل عودة المزارعين إلى مزارعهم، مؤكداً أن أكثر من 65 في المائة من سكان المحافظة يعملون في الزراعة.