يلجأ العراق بصورة متزايدة إلى المياه الجوفية لمواجهة الشحّ الكبير في المياه، لا سيّما في مدن الجنوب والوسط والشرق، وذلك من خلال حفر السلطات وكذلك المواطنون مئات من الآبار، من ضمن معالجات تهدف بالدرجة الأولى إلى توفير مياه الشرب وسط الجفاف.
ومساء أمس الأربعاء، أفادت وزارة الموارد المائية العراقية، في تقرير لها، بأنّها حفرت نحو 600 بئر في مناطق مختلفة من العراق منذ مطلع عام 2023 الجاري، مشيرة إلى أنّها تهدف إلى حفر 1000 بئر حتى نهاية هذا العام، وذلك من ضمن خطة "النفع العام"، في إشارة إلى الآبار التي تُحفَر ويتشارك مياهها سكان قرية أو حيّ سكني.
يقول مسؤول عراقي في وزارة الموارد المائية لـ"العربي الجديد" إنّ "مجموع الآبار التي حفرتها الدولة والمواطنون قد يتجاوز خمسة آلاف بئر في عموم مدن العراق، علماً أنّ العدد الأكبر حفره المواطنون".
يضيف المسؤول، مفضّلاً عدم الكشف عن هويته، أنّ "الأنبار وديالى وواسط والمثنّى وبغداد وذي قار تتصدّر محافظات العراق في نسبة الآبار التي حفرها الأهالي بوسائط متخصصة". ويشرح أنّ "الآبار بمعظمها خاصة، أي أنّ المواطن يحفر بئره في أرضه أو حديقة منزله، بعمق 30 متراً ويستخدمها لأغراض الري والاغتسال". وإذ يشير إلى آبار تُستخدَم لغرض الشرب، يشدّد على أنّ "هذا أمر لا ننصح به، إذ إنّه لا بدّ لمياه الآبار من أن تُفحص أولاً في المختبرات المتخصصة".
من جهته، يقول المهندس في وزارة الموارد المائية أحمد السعدي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "العراق سوف يكون في السنوات المقبلة أكثر اعتماداً على المياه الجوفية. لذلك، تعمل الوزارة منذ الآن على إعداد خطة وضوابط لمنع عشوائية حفر الآبار، ومنح إجازات ترخيص لمكاتب الحفر التي انتشرت بكثرة في مدن مختلفة".
يضيف السعدي أنّ "مياه الإسالة الآتية من نهرَي دجلة والفرات توقفت في مدن عدّة، من جرّاء انخفاض المناسيب، وبالتالي صار سكانها يعتمدون على الآبار في حياتهم".
وإذ يؤكد السعدي أنّ "العراق، بسبب وفرة المياه الجوفية، آمن لجهة مياه الشرب والمياه المخصصة لاستخدام البشر"، يقول إنّ "تحقيق اكتفاء كامل في الزراعة عبر مياه الآبار بعيد جداً".
وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أعلنت وزارة الموارد المائية العراقية عن توجّهها إلى استخدام المياه الجوفية لأغراض الزراعة في ستّ محافظات، بسبب أزمة المياه غير المسبوقة التي تمرّ بها البلاد، محذّرة من عام جاف مقبل.
وبحسب ما جاء في بيان أصدرته الوزارة، فإنّ لديها "خططاً في رسم خريطة استخدام المياه الجوفية لأغراض الزراعة في صحراء صلاح الدين والأنبار والنجف وكربلاء وبادية السماوة والديوانية، وهي ترتبط بتوجّه الوزارة إلى اعتماد أسلوب الاستخدام العادل للمياه الجوفية، على ألا نستنزف ما لدينا من خزين ونعرّضه لهبوط كبير بشكل سريع".
أضافت الوزارة، في بيانها نفسه، أنّ "العراق معرّض إلى سنة جافة أخرى في حال عدم سقوط الأمطار، لأنّ المياه الجوفية تتغذّى من الأمطار، وليس فقط تلك الساقطة داخل العراق، بل الساقطة أيضاً في دول الجوار للأحواض المشتركة، بخاصة شرق شمال السعودية".
وكان العراق قد قلّص مساحة الأراضي المشمولة بالخطة الزراعية الموسمية إلى النصف، فيما استُبعدت محافظات معيّنة من الخطة بصورة كاملة بسبب موجة جفاف غير مسبوقة تعانيها البلاد نتيجة قطع إيران روافد نهر دجلة. وقد لوّحت الحكومة العراقية مرّات عدّة باللجوء إلى المؤسسات الدولية للحصول على المياه من إيران، وفقاً لاتفاقيات تقاسم المياه، إلا أنّها (الحكومة) لم تخط أيّ خطوة نحو تدويل الملفّ، على الرغم من رفض إيران أيّ حلول يطرحها العراق.
يُذكر أنّ تقريراً سابقاً للأمم المتحدة حول الأمن المائي عربياً بيّن أنّ 17 دولة في العالم العربي من أصل 22 هي على خط الفقر المائي، من بينها 12 دولة ترزح بالفعل تحت خط الفقر المائي المدقع من بينها العراق.
لكنّ العراق نجح في عامَي 2019 و2020 في تحقيق اكتفاء ذاتي بأكثر من 10 محاصيل زراعية، أبرزها القمح والشعير، ومحاصيل استهلاكية أخرى كالخيار والبطاطس والطماطم. وقد تراجعت بعدها مساحات الزراعة بفعل انحسار المياه، الأمر الذي أدّى إلى رفع الحظر عن استيراد تلك المواد مرّة أخرى وبدء تدفّقها من إيران وتركيا تحديداً.