العراق: فرح العيد واجب رغم الظروف الصعبة
- تظهر الاستعدادات لعيد الفطر تنوعًا ثقافيًا في العراق، حيث تختلف العادات والتقاليد بين المناطق، من تزيين المنازل إلى التسوق لشراء الأزياء التقليدية والمأكولات الخاصة بالعيد.
- على الرغم من التحديات الاقتصادية، يحافظ العراقيون على طقوس عيد الفطر، مثل زيارة الأقارب وتقديم الهدايا، وقد ساهم الاستقرار الأمني الأخير في تعزيز الأنشطة العمرانية والسياحية، موفرًا فرصًا للعائلات للاحتفال.
زاد الازدحام في الأسواق العامة والمراكز والشوارع التجارية في مختلف مدن العراق خلال الأسبوع الأخير من شهر رمضان، استعداداً لعيد الفطر الذي يشكل مع موسم شهر رمضان أبرز مناسبتين لأعمال الأسواق التي تواكب موسم البيع الوفير عبر تنفيذ تحضيرات مسبقة ملائمة وواسعة. وبالتأكيد يرفع هذا الموسم أسعار مختلف السلع التي تشهد إقبالاً من قبل المتبضعين، وعلى رأسها الملابس والهدايا والحلويات والعطور، وكل ما يتعلق بالزينة والمواد التي تدخل في تحضير الحلويات والمعجنات الشعبية.
يقول هادي أحمد صديق، وهو تاجر حلويات ومكسرات، لـ"العربي الجديد": "وفرت أسواق الجملة قبل عيد الفطر كميات بضائع أكبر بثلاثة أضعاف من تلك التي زوّدت بها المحلات التجارية خلال كل شهر رمضان، من أجل رفد السوق ببضائع العيد". وتشمل تحضيرات عيد الفطر في العراق مجموعة عادات وتقاليد تختلف قليلاً من منطقة إلى أخرى، في حين تعتبر بعضها شائعة في معظم المناطق.
تتحدث دنيز الدامرجي (34 عاماً)، وهي من سكان محافظة كركوك (شمال)، عن استعدادات العراقيين للعيد، وتؤكد وجود اختلافات بين مدينة وأخرى، وأحياناً بين مجتمعات وأخرى داخل المدينة الواحدة. وتقول لـ"العربي الجديد": "ترتبط الاختلافات بالعادات الموروثة لدى كل جماعة أو مجموعة، وهي قد تكون قبلية أو عرقية أو مكانية". وتلفت إلى أن "هذه العادات تبدأ بتنظيف وتزيين المنازل والشوارع، فيقبل الناس على شراء العطور والمنظفات ومواد الزينة المنزلية". وتعتبر دنيز التسوق أبرز عادات العيد، وتذكر أن "الأزياء الشعبية تدخل ضمن المشتريات، بسبب حرص سكان مناطق عدة على الظهور بالأزياء التقليدية التي يشترونها للأطفال الذكور والإناث أيضاً". وباعتبارها تنتمي إلى القومية التركمانية، تقول دنيز إنها اشترت لأطفالها الثلاثة أزياء تمثل قوميتهم، وتعلّق بأن "الأسعار مرتفعة في حين أن الحالة المادية لأسرتنا ضعيفة جداً، لكننا نهتم جداً بتوريث أبنائنا عاداتنا وتقاليدنا".
وتشكل المأكولات إحدى أهم العادات التي يستقبل بها العراقيون العيد، وهي تختلف أيضاً بين المناطق. ويقول نعيم طاهر الذي يعمل في مجال السياحة لـ"العربي الجديد": "جعلني عملي أملك خبرة كبيرة في تراث وعادات وتقاليد وثقافات العراقيين في مختلف المناطق. وليس طبق القيمر والكاهي وحده سيد مائدة الإفطار في صباح العيد لدى العراقيين، فهناك مأكولات أخرى". والكاهي عجينة تتضمن طبقات خفيفة مقرمشة، والقيمر قشطة ذات طعم مميز تصنع بطابع شعبي. ويؤكل الكاهي والقيمر مع إضافة الحليب والعسل ومبروش الفستق. ويشير طاهر إلى أن طبق الرز واللحم هو الأبرز لسكان جنوب العراق، وفي حين يعتبر طبق الرز ومرق القيسي المصنوع من مشمش مجفف، وأيضاً طبق الرز ومرق الفاصولياء، الأهم بالنسبة إلى سكان مدن شمالي العراق.
وتحتاج هذه المأكولات إلى تحضيرات كبيرة، وهو الحال لصنع مأكولات أخرى، لا سيما الكعك والكليجة، وهو نوع من المعمول التراثي الذي يعتبره العراقيون مادة أساسية تُعبر عن العيد. ويعتاد العراقيون أن يجتمعوا لتحضير "الكليجة" في ليلة العيد، وتلتقي نساء العائلة أو أكثر من عائلة في بيت واحد لتحضير كمية من الكليجة، وينضم إليهم الصغار في إطار طقس يُعرف بحميميته. وتقول رؤى حارث (11 عاماً) لـ"العربي الجديد": المشاركة في عمل الكليجية هو المفضل لي. أنتظر قدوم العيد بفارغ الصبر كي أشارك بعمل الكليجية، وأشعر بمتعة كبيرة بالانضمام إلى أمي وخالاتي وبنات جيراننا لعمل الكليجة".
وأحد أهم طقوس العيد بالنسبة إلى كبار السن، والتي يحرصون على توريثها لأبنائهم وأحفادهم، هي زيارة الأقارب والأصدقاء وتقديم هدايا لهم. وليس شرطاً أن يجلب الزائر هدية ثمينة، بل يكفي أن يحمل حلوى أو فاكهة حين يزور أقارب وأصدقاء، فهذا "يديم المحبة، ويساهم في تأصيل الأخلاق الحميدة" كما تقول لـ"العربي الجديد" فضيلة زيدان، وهي جدة لأكثر من 20 حفيداً. وتؤكد فضيلة التي تبلغ 72 من العمر أنها دأبت مع زوجها الراحل على تعليم أولادها الالتزام بزيارة الأقارب والجيران والأصدقاء في العيد، ولا تزال تعلّم أحفادها هذه العادة. وتؤكد أن أولادها وأحفادها يحرصون، على غرار كثيرين، على إدامة هذا التقليد، وتقول: "نشتري هدايا العيد مسبقاً بأسعار الجملة وبكميات كبيرة". وعن الفرق بين عادات وطقوس العيد في العراق حالياً وسابقاً، تؤكد فضيلة أن "الأوضاع أكثر صعوبة اليوم، والأسعار لا تتحملها فئة واسعة من الناس، ما يستدعي شراء بضائع أرخص كي يمارس الجميع طقوس العيد".
لكن ارتفاع الأسعار الذي يؤثر على شريحة كبيرة من ذوي الدخل المحدود، لا يعيق الاستمتاع بالعيد وممارسة الطقوس المعتادة. ويعتبر أمجد حافظ (47 عاماً)، وهو بائع جوال، أن "هناك الكثير من البهجة المجانية التي يمكن أن نعيشها في العيد". ويعاني أمجد الذي يعيل أسرة مؤلفة من أم وزوجة وثلاثة أبناء، أكبرهم في المرحلة الثانوية، من ضائقة مالية كبيرة، لكنه يؤكد أن "طقوس العيد ستكون حاضرة، وسنذهب إلى الحدائق العامة حيث تقام حفلات مجانية. وبعض الشوارع ستكون أشبه بالمهرجان في ليالي العيد، وكل هذا لن يتطلب إنفاق أموال كثيرة".
وقد تعزز الاستقرار الأمني في العراق خلال السنوات الأخيرة، ما زاد المشاريع العمرانية وتلك للبنى التحتية، ومنها إنشاء وتأهيل مرافق سياحية ومتنزهات تعدّ حالياً متنفساً للعائلات، وتؤمّن لهم مواقع لقضاء أوقات ممتعة خصوصاً في أيام العيد".