يحرص العراقيون على خلق أجواء مميزة للعيد في كل عام، من خلال الحفاظ على الطقوس المتوارثة الخاصة بهذه المناسبة، وبينها شراء ملابس جديدة، وصنع حلويات، وتبادل الزيارات وتوزيع عيديات على الأطفال، لكن هذه الطقوس ترتهن كل عام بوضع البلد الذي أرهقته الحروب والأزمات السياسية والاقتصادية، ما يضطر عائلات إلى اختصارها بحسب قدرتها على مواكبتها.
وفي وقت تنشغل فيه غالبية العائلات في عموم المحافظات العراقية خلال الأيام الأخيرة من شهر رمضان في توفير متطلبات العيد وتجهيزاته المختلفة التي يفترض أن تجلب الفرح والبهجة، يؤكد أمجد الرفيعي، البالغ من العمر 35 عاماً، وهو صاحب محل لبيع المواد الغذائية في سوق الشورجة بالعاصمة بغداد، لـ"العربي الجديد"، أن "الإقبال على بضائع العيد هذا العام ضعيف جداً مقارنة بالأعياد السابقة، ولا ينحصر ذلك في المواد الغذائية والسلع المستخدمة في صنع الحلويات والمعجنات، بل حتى الملابس وألعاب الأطفال التي تراجع الطلب عليها بنسبة تصل إلى 50 في المائة أحياناً".
يتابع: "قيّد الغلاء وارتفاع الأسعار حركة شراء المنتجات لدى غالبية العائلات، وجعل أخرى تعيش في حرمان كامل. وقبل شهور ارتفعت أسعار المواد الغذائية والبضائع بسبب عدم استقرار سعر صرف الدينار العراقي مقابل الدولار، ما أنهك العائلات مادياً بشكل كبير، وحتم تقصيرها في شراء متطلبات العيد، والاستعداد له بشكل ملائم".
وتقول أم محمد، البالغة 40 عاماً من العمر وتعمل في محل للخياطة بالعاصمة بغداد، لـ"العربي الجديد": "لا تكتمل فرحة العيد إلا برؤية الأطفال في حال فرح ويلعبون معاً، فهم لا يشعرون بأجواء العيد إلا عبر شراء ملابس جديدة وألعاب، ونحن كأولياء أمور نوفر بعض الأموال طوال العام لتلبية متطلبات العيد، لكن الغلاء الفاحش الذي تشهده الأسواق حالياً أرهقنا كثيراً، ولم يترك لنا ما يكفي من موارد لتلبية هذه الاحتياجات".
وتشير إلى أن "الوضع المادي السيئ للعراقيين يشمل الطبقتين الوسطى والفقيرة اللتين لا يشعر أفرادهما بأجواء العيد كما في السابق، أو قد يلبيان جزءاً من متطلبات هذه المناسبة فقط. وقد قلصنا عمليات شراء كثيرة خاصة بالعيد، ولم نستطع أن نلبي إلا بعض احتياجات الأطفال من ملابس بسيطة ولعب قليلة، إذ يهمنا جداً ألا يشعروا بحرمان، وهو ما نحاول أن نفعله بكل ما أوتينا من جهد وقوة".
وعموماً انعكست الأجواء العامة السائدة في البلد على تلك العائلات التي تعتزم غالبيتها الاحتفال بالعيد في المنازل، والاكتفاء بزيارة الأقارب من دون التفكير بالسفر والذهاب إلى المتنزهات والحدائق والمطاعم، وهو ما يحتاج إلى ظرف مستقر في البلد، وامتلاك قدرة شرائية عالية.
ويؤكد الحاج بهاء العبيدي، البالغ 37 عاماً من العمر، وهو مدرّس من أهالي العاصمة بغداد، لـ"العربي الجديد"، أنه "رغم ظروف عدم الاستقرار التي يعرفها العراق، نحرص كل عام على الحفاظ على طقوس الأعياد من خلال أخذ الأبناء إلى صلاة العيد في المسجد، ثم تبادل التهاني مع المصلين، وبعدها العودة إلى البيت وتناول الإفطار بحضور العائلة كلها. والإفطار المفضل في العيد هو الكاهي والقيمر الذي نجلبه من أفران قريبة، رغم أن طابور الزحام الطويل أمر معتاد في الأعياد".
ويرى أن "العيد مناسبة لجمع أفراد العائلات وجلوسهم معاً، وتبادلهم مشاعر الفرح التي لا تكتمل إلا بتنفيذ هذه الزيارات. وهذا ما نفعله بعد انتهاء وجبة الإفطار، إذ نزور أقاربنا أو يزوروننا بحسب ترتيبات مسبقة نتفق معهم عليها. ويشعر الأطفال بسعادة كبيرة بهذه الزيارات التي يلتقون فيها مع أقارب من سنهم. وبعد جمع مبالغ مالية من العيديات التي يحصلون عليها يشتري الأطفال بعض الاحتياجات، ويلعبون أوقاتاً طويلة".
يضيف: "في السابق كانت الزيارات تجري طوال أيام العيد ليلاً نهاراً، لكنها ستنحصر هذا العيد على غرار السابق في فترة النهار فقط، علماً أن تجنب الزيارات ليلاً يهدف إلى تفادي الزحام الذي يصل إلى حد اختناق الشوارع، خاصة في فترات العيد. وقد اعتدنا أن نحسب حساباً مسبقاً لهذا الأمر، وعدم الخروج بسياراتنا ليلاً".
وعادة كانت معظم العراقيات ينشغلن في صنع "الكليجة"، وهو نوع من المعجنات، وبعض حلويات العيد التي تترافق مع تجمّع نساء الجيران والأقارب ومساعدة بعضهن بعضاً في تجهيز "الكليجة". تحن أم عبد الله، البالغة 54 عاماً من العمر، وهي ربة بيت، إلى هذه الأيام. تقول لـ"العربي الجديد"، إن "تقليد تجمّع النساء ومساعدة بعضهن بعضاً يكاد أن يتلاشى بشكل كامل، مضيفة: "اليوم تفرض متطلبات الحياة وثقل هموم المعيشة تجهيز كل بيت كمية قليلة من الكليجة، وبعض الحلويات البسيطة من دون حضور ومساعدة نساء أخريات. وأنا اشتريت متطلبات الكليجة من دقيق وسمسم وجوز وغيرها، وجهّزت مع ابنتي كمية قليلة سنقدمها لضيوف يزوروننا في العيد".
وتشدد على أن "العيد جميل، لكن مصاعب الحياة في العراق أثقلت كاهل الجميع، فانشغلوا بمتطلبات لا يستطيعون تلبيتها أحياناً، فكيف الحال بالنسبة إلى طقوس العيد التي بتنا مقصرين بها بشكل كبير، واختصرنا غالبيتها، لذا ليست بهجة العيد كما في السابق".